السلام في السودان... خطوة أمل وتعقيد جديد

السلام في السودان... خطوة أمل وتعقيد جديد

25 يناير 2020
الحركة الشعبية بزعامة الحلو تفاوض الحكومة بشكل منفصل(فرانس برس)
+ الخط -
نجحت الحكومة السودانية والحركة الشعبية - قطاع الشمال (فصيل مالك عقار)، يوم أمس الجمعة، في التوصل إلى اتفاق سلام إطاري يعطي أملاً بإمكانية تحقيق قفزات في مسارات أخرى يجري التفاوض حولها، لكن الاتفاق نفسه يتضمن مؤشرات لتعقيدات أعمق في عملية السلام.

وجاءت نصوص الاتفاق بين الحكومة وفصيل عقار فضفاضة، وأبرز ما فيها من وضوح هو وقف الحرب في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ودمج قوات الحركة في الجيش السوداني بعد إعادته هيكلته، على أن يصير ولاء الجيش أولاً وأخيراً للوطن لا لأي حزب سياسي، وأن يعكس قيم التنوع المختلفة في البلاد.

كما منح الاتفاق المنطقتين المعنيتين حق التشريع المنفصل عن التشريع القومي، وتشكيل مفوضيات خاصة للإعمار والتنمية فيهما، وتمكين اللاجئين والنازحين من العودة لمناطقهم مع منحهم التعويض المناسب وجبر كل الأضرار التي تعرضت لها المنطقتين طوال العقود الماضية.

ولم ينص الاتفاق صراحة على منحهما حكماً ذاتياً، مع تأكيد الاتفاق على وحدة السودان وأرضه، فيما سيستمر التفاوض بين الطرفين لوضع تفاصيل شكل الحكم بصورة نهائية.

ويعطي الاتفاق كذلك الحركة الشعبية-شمال حق المشاركة في مؤسسات الحكم الانتقالي التنفيذية والتشريعية، ولتطبيقه، ستشكل أربع لجان مشتركة تعنى بوقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية والدمج والتسريح، ولجنة أخرى عسكرية مشتركة، كما ستنشأ لجان للتشاور السياسي.

وتُجرى المفاوضات الحالية في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، في خمسة مسارات رئيسة؛ مسار دارفور، ومنطقتا جنوب كردفان، والنيل الأزرق، ومسار الوسط والشمال، ومسار الشرق، وكلها تتم عبر مفاوضات تحت مظلة الجبهة الثورية، وهي تحالف لمجموعة من حركات مسلحة ظلت تقاتل نظام الرئيس المعزول، عمر البشير لنحو 10 سنوات، ومعها كيانات مدنية، بينما هناك تفاوض لمسار منفصل بين الحكومة والحركة الشعبية بزعامة عبد العزيز الحلو.


وليست واضحة للجميع، حتى اللحظة، كيفية التنسيق بين كل المسارات حال التوصل إلى اتفاقات بشأنها، لا سيما إذا جاء تضارب في بنودها، وقد يكون ذلك الأهم الذي لم تستطع أطراف التفاوض ولا وساطة جنوب السودان الإجابة عن سؤاله.

وسبق أن تم التوصل إلى اتفاق بشأن مسار وسط السودان، ومن المتوقع أن يتم التوقيع اليوم السبت على اتفاق بشأن مسار الشمال، ليتبقى مساران هما الأهم، الأول مسار دارفور، وفيه يؤكد المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي، محمد التعايشي، التمكن من حسم عدد من الملفات خلال اليومين الماضيين، خاصة ما يتعلق بملفات الأراضي والعدالة الانتقالية وملكية الأرض.

تطبيق النظام العلماني 

المسار الثاني المتبقي هو مسار فصيل عبد العزيز، والذي يعد الأكثر عتاداً ويسيطر على مساحات شاسعة من ولاية جنوب كردفان، فضلا عن تماسكه الداخلي، ويطالب الفصيل ويصر على مطلب ترفضه الحكومة تماماً، وهو تطبيق النظام العلماني في البلاد. 

ويرى الوفد الحكومي أن أي حديث عن العلاقة بين الدين والدولة يجب أن يكون عبر مؤتمر دستوري أوسع.
ومقابل تعنت الوفد الحكومي وتمترسه حول هذه النقطة، فإن الحركة الشعبية  تطرح خيار تقرير المصير لمنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو خيار ترفض الحكومة تكراره بعدما حدث في جنوب السودان 2011.

وتقول الصحافية المهتمة بقضايا التفاوض، مها التلب، إن السودانيين موعودون باتفاق سلام شامل بكل المسارات في القريب العاجل، حال توفرت الإرادة السياسية لكل الأطراف، مشيرة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الإتفاق الإطاري الذي وقع مع فصيل مالك عقار يعد سلاحا ذا حدين، فهو من جهة خطوة متقدمة في طريق السلام، ومن جهة أخرى يضع بعض التعقيدات، خاصة ما يتعلق بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين يتم التفاوض حولهما مع الفصيل الموقع ومع فصيل الحلو من دون أدنى تنسيق بين المسارين.

وأضافت أن الاتفاق الموقع أمس الجمعة صعب التطبيق، ما لم يتم التوصل إلى ذات الاتفاق مع الحركة الشعبية-فصيل الحلو، خاصة أن الفصيل الأخير يسيطر على مناطق كبيرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولفتت التلب إلى أن الحكومة الإنتقالية وقعت في خطأ استراتيجي، حينما قبلت التفاوض في مسارات منفصلة في مواضيع واحدة من دون آلية تنسيق.    

وأشارت إلى أن زيارة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لمدينة كاودا، معقل الحركة الشعبية، فصيل الحلو، بداية الشهرالجاري، عقدت الأمور أكثر، إذ شعر فصيل عقار بأن الحكومة الانتقالية تهتم أكثر بالحلو، ما دفعها إلى تعديل مواقفها التفاوضية من حكم لا مركزي إلى حكم ذاتي، بينما أعطت الزيارة نفسها الفرصة للحلو لتعزيز مواقفه التفاوضية والإصرار على العلمانية كنظام للحكم أو تقرير المصير، حال رُفض ذلك المطلب.

المساهمون