أوروبا وليبيا: أفكار لتطوير "صوفيا" واحتمال الانتشار العسكري

أوروبا وليبيا: أفكار لتطوير "صوفيا" واحتمال الانتشار العسكري

26 يناير 2020
تركّز العملية البحرية الأوروبية "صوفيا" على حظر الأسلحة(إيكر باستور/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أنّ الأوروبيين لم يحسموا أمرهم بعد بشأن الآلية المزمع اعتمادها لتثبيت التهدئة الشاملة والوقف الدائم لإطلاق النار في ليبيا، كما وحظر توريد الأسلحة إليها، وفقاً لما نصّت عليه بنود وثيقة مؤتمر برلين الذي انعقد في العاصمة الألمانية الأحد الماضي، وجرى التوافق عليها بالإجماع بين الدول والمنظمات الدولية والعربية التي شاركت في المؤتمر. ويأتي ذلك في ظلّ الحديث عن إعادة تفعيل العملية البحرية الأوروبية "صوفيا" التي أصبح تركيزها على مراقبة تنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، بعدما كانت معنية بمكافحة تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط، وكذلك التلميح الأوروبي إلى إمكانية الجمع بين المهمتين، المدنية والعسكرية. فيما تتحدّث تقارير صحافية عن إمكانية نشر جنود أوروبيين في ليبيا بالربيع المقبل لحماية وقف إطلاق النار إن حصل.

ومن الواضح أنّ هناك قناعة أوروبية بأنّ وقف إطلاق النار في ليبيا يحتاج إلى من يحافظ عليه، فضلاً عن مراقبة حظر توريد الأسلحة إلى هذه الدولة، وهو ما أشار إليه منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عقب مناقشات لوزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل، الاثنين الماضي. وقال بوريل في حديث للصحافيين: "الاتحاد الأوروبي سيدرس سبل المساعدة في مراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا بمجرد دخول أي وقف لإطلاق النار حيّز التنفيذ، على أن يحلّ محلّ الهدنة الموجودة حالياً".

في المقابل، أعرب العديد من الدبلوماسيين في بروكسل، فضلاً عن صحف أوروبية، بينها "دي فيلت" الألمانية، عن خشيةٍ من أنّ هذه المهمة ستكون بالغة الخطورة، وربما أخطر مهمة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، ولا سيما إذا ما أُرسل جنود إلى ليبيا، إذ يوجد هناك أكثر من 150 ألف عنصر من المليشيات المدججة بالسلاح. وفي هذا السياق، شدّد وزير خارجية النمسا، ألكسندر شالينبرغ، في تصريحات له أخيراً، على أهمية أن تكون المهمة مدروسة من قبل الاتحاد الأوروبي.

وهنا، يطرح التساؤل عن الجهة التي تتحكّم بحظر الأسلحة، أي التي تسيطر فعلياً على قرار عدم تسليم السلاح لأطراف الحرب في ليبيا، وهو ما لا جواب له عملياً، لأنّ الدول التي أطلقت يديها هناك من أجل مصالحها الجيواستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، يبدو أنّها ستمعن في خرق الحظر وبنود اتفاق برلين، مع إعلان الأمم المتحدة صعوبة مراقبة الهدنة على أراضي الدولة الصحراوية الغنية بالنفط. وهذا الأمر أكّده أيضاً الخبير الأمني الألماني، فولفغانغ بوزتاي، لصحيفة "دي تسايت" الألمانية، إذ رأى أنّ الوثيقة الختامية لمؤتمر برلين تدعو إلى مواصلة وقف إطلاق النار، ونزع السلاح، وتسريح الجماعات المسلحة والمليشيات، ولكن من دون تحديد جدول زمني لذلك. واعتبر أنّ وقف إطلاق النار الساري حالياً هشّ، معرباً عن تخوّفه من أن يتزايد القتال.

وفي الإطار ذاته، رأى المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا بين عامي 2015 و2017، الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، أنه "بمجرد وجود اتفاق على وقف إطلاق النار، ستكون هناك حاجة ضرورية لمراقبة عسكرية ودولية لذلك"، لافتاً إلى أنّ "حظر الأسلحة فُرض عام 2011، وجرى تجاوزه مراراً وتكرراً". وأوضح كوبلر في حديث صحافي له أخيراً، أنّه "بحسب مقررات مؤتمر برلين، فإنّ من يخرق الاتفاق يجب أن يعاقب، لكن من دون تحديد طبيعة المعاقبة، وهو الأمر الذي لم يُناقَش". لكنه أعرب أيضاً عن أمله في أن تتمكّن لجنة (5+5)، التي هي من مخرجات مؤتمر برلين، من تثبيت وقف دائم لإطلاق النار، مشيراً إلى أنّ "ما حصل في برلين ليس إلا البداية، لأنّ الأهمّ الدخول في العملية السياسية والرصد الدقيق للوضع وآلية المتابعة، وهذا هو الطريق الصحيح لإنضاج الحلّ للشعب الليبي".

والمفارقة أنّه باتت للأوروبيين هواجس مستجدّة غير مراقبة حظر توريد الأسلحة، وتثبيت مفاعيل مؤتمر برلين، والسبب أنه بمجرد مغادرة السفن الأوروبية إلى المتوسّط مرة أخرى، كجزء من مهمة "صوفيا"، أو في أي عملية جديدة لرصد توريد الأسلحة، يصبح إنقاذ الناس من المياه الدولية أمراً تلقائياً. ومع عودة المهمة، فإنّ أعداد المهاجرين المغامرين ستتضاعف في البحر المتوسط، معتمدين على احتمال إنقاذهم من قبل الجنود الأوروبيين. وهذا الأمر سيضاعف أعداد اللاجئين منهم على الأراضي الأوروبية، وسيزيد الضغط مجدداً على ألمانيا وغيرها، بما أنه لا يوجد إلى الآن اتفاق على آلية توزيع مشتركة للاجئين. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة "دي فيلت"، أنّ هناك "إصراراً إيطالياً على أنّ (صوفيا) يجب أن تتحكّم فقط في حظر الأسلحة، من دون إنقاذ اللاجئين"، وهذا الأمر صعب مبدئياً.

كل ذلك دفع منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ليكون أكثر حذراً، وبات يريد الانتظار لرؤية مدى موثوقية وقف إطلاق النار الحالي، وما إذا كان من الممكن تثبيته. وقد تحدث كذلك عن "التحضير لخطة، وفق مقترحات مدروسة، تخدم آلية مراقبة حظر توريد الأسلحة، كما واستراتيجية الاتحاد لوقف إطلاق نار مرن"، من المتوقع طرحها خلال الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الأوروبيين المقرّر منتصف فبراير/ شباط المقبل، فيما يدور حديث عن أنّ الخطة قد تجمع في إطارها البعدين المدني والعسكري.

في المقابل، يتردّد بصوت عالٍ بين المسؤولين الأوروبيين سؤال عن مدى أهمية استئناف البعثة البحرية للاتحاد الأوروبي "صوفيا" لعملها، الذي كان قد توقف منذ قرابة العام، بعد أن رفض وزير الداخلية الإيطالي السابق، اليميني الشعبوي ماتيو سالفيني، قبول بلاده لمزيد من المهاجرين الذين يجري إنقاذهم من البحر المتوسط. علماً أنّ عمل "صوفيا" شمل القبض على المهربين وإنقاذ المهاجرين، وعلى وجه الخصوص مراقبة حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

لكن بحسب مراقبين، فإنّ البعثة عملت من يونيو/ حزيران 2016 إلى مارس/ آذار 2019، ولم تتمكّن من السيطرة على توريد الأسلحة ضمن نطاق واسع، كذلك إنّ معظم الأسلحة كانت تصل عبر الحدود البرية بين مصر وليبيا، التي يبلغ طولها 1100 كيلومتر، وبالتالي يصعب السيطرة عليها. وهنا أبرزت تحليلات مقترحاً يقضي بتقديم عروض مالية كافية لمصر لوقف تهريب الأسلحة، وهو سيكون على الأقل بذات أهمية إعادة تنشيط تطبيق حظر الأسلحة الذي لم يكن فعّالاً، على الرغم من أنّ الأمر يتطلّب أولاً ضغطاً كافياً من موسكو، التي تدعم كما القاهرة وعمان والإمارات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي يريد السيطرة على العاصمة طرابلس ويشنّ هجوماً منذ إبريل/ نيسان الماضي لهذا الهدف.

المساهمون