جدل "الإقليم السني": توظيف أميركي- إيراني للورقة الطائفية بالعراق

عودة جدل "الإقليم السني": توظيف أميركي - إيراني للورقة الطائفية في العراق

15 يناير 2020
اجتماع بالإمارات ضم مكونات عراقية سنية (صباح عرعر/فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الثالث على التوالي، يتواصل الجدل في العراق بشأن صحة ما تناقلته وسائل إعلام محلية، فضلاً عن ناشطين على مواقع التواصل، وعدد من السياسيين، عن اجتماع عقد الأسبوع الماضي في مدينة دبي الإماراتية، وجمع عدداً من السياسيين العراقيين، بينهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونواب برلمان وقادة كتل سياسية، وصفوا بأنهم ممثلون عن "العرب السنة"، وأعيد خلاله طرح ما يعرف بمشروع "الإقليم السني"، الذي يضم محافظات شمال وغربي البلاد، تحت البند الخامس من الدستور العراقي الجديد، الذي يتيح للمحافظة أو عدة محافظات المطالبة بإقليم إداري ضمن نظام العراق الاتحادي الفيدرالي، على غرار إقليم كردستان الحالي.

ورغم أن المشروع بشكله الطائفي الحالي لم يختلف عن طرح سابق ذي بعد طائفي أيضاً تبنته قوى سياسية عراقية مختلفة عام 2013، في ذروة الانتهاكات التي ارتكبت بمدن شمال وغرب العراق من قبل حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلا أن طرحه اليوم، ومع ارتفاع مستوى الخطاب الوطني من خلال انتفاضة العراقيين، التي تلاشت معها الطروحات الطائفية والمناطقية، يعتبره مسؤولون عراقيون وسياسيون بأنه "متعمد وعن قصد من أطراف محددة لها مصلحة بإشعال الجدل وإعادة الحس الطائفي داخل العراق بشكل مقزز".  

ووفقاً لمسؤول عراقي رفيع في بغداد، يشغل منصباً قيادياً في إحدى الكتل السياسية الممثلة عن "العرب السنة"، فإن "الموضوع أثير أول مرة مع تصويت البرلمان عبر أعضائه من العرب الشيعة وغياب كردي سني على إخراج القوات الأميركية من العراق".


وذكر المسؤول العراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مسؤولين أميركيين بدأوا التلميح خلال اتصالاتهم واجتماعاتهم مع العراقيين أخيرا إلى أن القواعد الأميركية موجودة في مناطق سنية، شمال وغرب العراق، ثم انتقلوا إلى كون قرار البرلمان ليس بإجماع عراقي مكوناتي كامل، وغير شرعي، ثم اتجهوا بشكل يعيد كواليس عام 2003 و2004 إلى التعامل الفردي في العراق على أساس المكونات مرة أخرى، ويعقدون اجتماعات مع مسؤولين وسياسيين عراقيين على أساس تمثيلهم الطائفي لا تمثيلهم الرسمي أو الحزبي". 

واعترف المتحدث ذاته بأنه "بعد ذلك صارت بعض الشخصيات السياسية العربية السنية تلوح بأن خيار الذهاب إلى الإقليم هو المتاح في حال كان البديل عن الأميركيين هو إيران، التي ستتسبب بعزلة العراق عن محيطه أكثر"، معتبراً أن "جهات عدة مرتبطة بإيران لها مصلحة أيضا في إعادة العزف على الوتر الطائفي، خاصة مع انحسار شعبيتها في الجنوب إلى أدنى مستوى له منذ الاحتلال الأميركي للبلاد". 

وأقرّ بأن طرح إقليم سني في هذه الأثناء، فضلاً عن كونه مشروعاً طائفياً، فهو "غير واقعي، ليس من جهة أنها مدن أطلال ومدمرة وثلث أهلها نازحون، لكن أيضاً لأن الفاعل الإقليمي والمحلي وحتى الدولي غير مهيأ لذلك، مع وجود جوار سوري مرتبك، وجدل تركي حول منطقة آمنة على حدوده، فضلا عن ضعف الدولة المركزية". 

وشدد المسؤول ذاته على أن "إقامة إقليم على أسس جغرافية داخل العراق ليس معيبا، لكن الانعزال الطائفي هو الذي لا يليق بالعراق ولا بمن يقبل بهذا المشروع". 

واعتبر أن "وجود مسؤولين وسياسيين بارزين من العرب السنة، في وقت واحد في الإمارات، هو ما عزز رواية اجتماع دبي لإعلان ما يعرف بالإقليم السني، ولا يمكن الجزم بأن الموضوع لم يتم طرحه خلال لقاءاتهم هناك من باب تخويف أو مساومة الشركاء من الكتل الأخرى، التي استفردت بالقرارات الوطنية في الفترة الأخيرة دون الرجوع لأي من مكونات العملية السياسية الحالية". 

بدوره، قال محافظ نينوى السابق القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "طرح الإقليم السني في هذا الوقت هو طرح انفعالي لا يختلف كثيراً عن الانفعال في قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، فكلها قرارات انفعالية، ولا يمكن أن يبنى مستقبل العراق بناء على قرارات كهذه، التي تنتج عن حالة مؤقتة غير دائمة".

وأضاف: "نعتقد أن الأفضل الآن عدم تشتيت الحراك الشعبي الذي يطالب بإحداث تغيير شامل في المنظومة العراقية، وفي مسار العمل السياسي، فالأولوية الآن لهذا التغيير وعدم إرباكه في إثارة قضايا ثانوية يمكن أن تشتته وتدخله في خلاف داخلي في ما بين مكوناته".

وأكد المتحدث ذاته أنه "منذ البداية نرفض الأقاليم على أسس مذهبية، لأننا نعتقد أنها لم تنجح، ومن الأفضل في حال التفكير في هذا الخيار تشكيل أقاليم إدارية، فهذه الأقاليم لا تهتم بالتركيبة المكوناتية داخل المناطق، بل تهتم بمبدأ المواطنة الذي تقوم عليه أي دولة حديثة"، مستدركا: "لكن حتى هذه الفكرة نعتقد أنها غير مناسبة في هذا الوقت".

وتابع "من ناحية أخرى، فإن الطبقة السياسية التي لا تتمتع بتأييد شعبي لا يمكن أن تحسم مستقبل العراق، لا في قضية خروج القوات الأميركية ولا في قضية إنشاء الأقاليم، فهذه الطبقة السياسية متهمة، والشعب العراقي يريد تغييرها، ولهذا علينا الانتظار إلى حين الانتخابات القادمة حتى حصول ممثلين حقيقيين للشعب العراقي في السلطة التشريعية والتنفيذية".   

ورغم نفي رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وجود أي تحرك من هذا القبيل، مبينا، في تصريحات لمحطة تلفزيون محلية عراقية، بأنه "لا وجود لأي طرح يتعلق بتشكيل أقاليم"، مضيفا بالقول "كنا ولا زلنا وسنبقى نؤمن ونعمل على وحدة العراق أرضا وشعبا"، إلا أن السياسي العراقي من محافظة صلاح الدين ناجح الميزان قال، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية إنشاء أقاليم طرحت في الحقيقة، لكن ليس إنشاء الإقليم السني، كما روج البعض، بل هناك فكرة بأن تكون كل محافظة من محافظات شمال وغرب العراق هي إقليم، أي تكون نينوى إقليما والأنبار إقليما، وصلاح الدين إقليما، وهكذا، وليس كل المحافظات في إقليم واحد وتحت عنوان طائفي".

وأكد الميزان: "هذا المشروع عملنا عليه في السنوات السابقة، إذ تم جميع تواقيع لأعضاء مجالس المحافظات في صلاح الدين ونينوى وحتى ديالى، وسلمت إلى مفوضية الانتخابات لإكمال الإجراءات القانونية، لكن احتلال داعش أوقف هذا المشروع". 

واعتبر أن "قضية تحويل محافظات إلى أقاليم لا يعني تقسيم العراق، بل هو عمل تنظيمي إداري، وهذا الأمر منصوص عليه في الدستور، وقد عاد من جديد إلى الواجهة بهذا التوقيت، بعد اتخاذ قرارات مهمة من قبل قوى سياسية من مكون واحد، تخص إنهاء الوجود الأجنبي في العراق، دون أخذ رأي المكون السني، وحتى الكردي".

وختم بالقول: "وجود القوات الأجنبية في العراق مهم جداً، خصوصاً من أجل حفظ التوازن، ومنع تحويل العراق إلى محافظة إيرانية، كما أن وجودها ضرورة في محاربة ما تبقى من تنظيم داعش"، وفقاً لقوله. 

إلى ذلك، قال رئيس جماعة "علماء العراق" الشيخ خالد الملا، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "قوة العراق بوحدته، أرضاً وشعباً، ورغم أن الأقاليم منصوص عليها في الدستور العراقي، لكن هذا الكلام يطبق ويذهب الناس إليه في ظروف اعتيادية، لكن ظروف العراق منذ 2003 إلى يومنا هذا هي ظروف استثنائية، بالإضافة إلى وجود اختراق أمني وسياسي واجتماعي".