استبعاد تونس عن مؤتمر برلين الليبي: ثمن الارتباك الدبلوماسي

استبعاد تونس عن مؤتمر برلين الليبي: ثمن الارتباك الدبلوماسي

16 يناير 2020
قيس سعيّد ليس له تاريخ دبلوماسي وسياسي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
مع إعلان ألمانيا عن قائمة الدول المدعوة لحضور مؤتمر ليبيا في العاصمة برلين يوم الأحد المقبل، واستبعاد تونس منها، ساد أسف في الأوساط التونسية على هذا التغييب وتساؤلات عن أسبابه، وتداعياته، لا سيما في ظلّ الدور الذي يمكن أن تلعبه تونس مستقبلاً في الملف الليبي، فضلاً عن تكلفة انهيار الأوضاع الأمنية في جارتها عليها.

وقالت ألمانيا إنّ الحضور سيقتصر على الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والإمارات وتركيا والكونغو وإيطاليا ومصر والجزائر، في حين لم توجّه الدعوة إلى تونس. وعلى مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية، ستشارك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية في المؤتمر. كذلك، وُجهت الدعوة إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، فائز السراج، واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
ويثير حضور كل من الجارتين، الجزائر ومصر، في مقابل غياب تونس، أسئلة حول الحجم السياسي والدبلوماسي للأخيرة دولياً، على الرغم من أنها معنية أكثر وتضررت بشكل أكبر على مدى السنوات الماضية من الأزمة الليبية، مقارنةً بالدولتين المذكورتين.

وفيما يغيب أي موقف رسمي تونسي، قال السفير التونسي لدى ألمانيا، أحمد شفرة، في حوار مع دويتشه فيله أمس الأربعاء، إن تونس فوجئت واستغربت من إقصائها عن حضور المؤتمر، مشيراً إلى أن "ما أثار دهشتنا أكثر كونه يأتي من ألمانيا الشريك الذي تربطه بتونس علاقات جيدة وممتازة وقائمة على الثقة". وقال السفير التونسي إنه "لحد الآن لم نفهم ولم نتفهم هذا الموقف، ولم نفهم أي توضيحات أو مبررات بشأن إقصاء تونس، وما قدم للجانب التونسي غير مقنع".

في السياق، اعتبر رئيس "المرصد التونسي لحقوق الإنسان"، الناشط الحقوقي المطلع على الملف الليبي، مصطفى عبد الكبير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ إقصاء تونس من مؤتمر برلين "يعود إلى أسباب عدة، منها الفشل السياسي والدبلوماسي التونسي في التعامل مع ملف ليبيا، إذ ظلّت تونس تتعامل عشوائياً مع هذا الملف، ولم تكن مع أو ضد أي طرف، وبقيت من دون موقف، كما أنّ تأثيرها في المؤتمرات الدولية في هذا الشأن كان ضعيفاً". وأضاف أنّ "السياسة الخارجية التونسية ضعيفة، وعدم وجود وزير خارجية على رأس الوزارة، أثّر أيضاً، وساهم في عدم الحضور في مؤتمر برلين".

وأوضح عبد الكبير أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد "ليس له تاريخ دبلوماسي وسياسي، ولا علاقات وعناوين تواصلية له مع شخصيات دولية، تمكّنه من فرض نفسه في هذا الاجتماع الذي يكون فيه الحضور مبنياً على علاقات وتقاطعات ومصالح. ولكن للأسف الرئيس لا يزال في عزلة، وغير قادر على التواصل". ورأى أنّ إقصاء سعيّد لوزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي، "لم يكن مناسباً، لأنّ هذا الأخير لديه خبرة دبلوماسية، وعلاقات، وهو متابع للملف الليبي على مدى 3 سنوات"، مؤكداً أنّ "وجود تونس في مثل هذا المؤتمر يكون بفرض ذاتها وهو ما لم تقم به".

وأضاف عبد الكبير أنّ "تونس استفاقت أخيراً، بعد إقصائها، محاوِلةً تدارك الأمر، والبحث عن موقع لها، ولكن فاتها الوقت، ولم يكن بالإمكان التدارك". وأشار إلى أنّ تونس "لديها العديد من الأوراق، ولكنها لم تفعّلها أو تستغلها، وهي عمقها التاريخي، وامتدادها الجغرافي، وموقعها الإستراتيجي، ولكن للأسف لم تتمكن من تسويق هذه المعطيات للحضور في مؤتمر برلين"، مؤكداً أنه "كان بإمكان تونس أن تستغلّ أيضاً كونها عضواً غير دائم في مجلس الأمن، ولكنها لم تتمكّن كذلك من استغلال هذه الورقة". ولفت إلى أنّ "الجزائر عملت على الملف الليبي، واستعملت أوراقها جيداً، إذ أكّدت أنها معنية بهذا الملف، بل وأنها ستكون طرفاً فيه، فيما ظلّ التونسيون أنفسهم يترقبون رسائل طمأنة من رئاسة الجمهورية حول تطورات الوضع، ولكن بلا موقف واضح".

ورأى عبد الكبير أنّ استبعاد تونس "قد يكون أيضاً مقصوداً من الأطراف التي تريدها أن تبقى في موقف الضعف، لكي تضغط وتفرض المزيد من الإملاءات عليها للحصول على بعض الامتيازات". وأشار إلى أنّ "الفشل الدبلوماسي والسياسي في التعاطي مع الملف الليبي وعدم الاكتراث، جعل تونس وكأنها أبعد ما يكون عن هذا الملف، على الرغم من أنّها ومنذ عام 2011، كانت أكثر دولة دفعت الثمن اجتماعياً واقتصادياً، إذ كان لديها قرابة 300 ألف عامل في ليبيا، فيما اليوم انخفض هذا العدد إلى 20 ألفا وحتى أقل، بينما تراجعت المبادلات التجارية بين الدولتين. هذا فضلاً عن أن تونس عانت من الإرهاب وتسلل الإرهابيين إلى أراضيها، وقد تلقّت بسبب ذلك ضربات موجعة". وتابع المتحدث نفسه، أنّ "نحو مليوني ليبي موجودون في تونس اليوم، نصفهم مستقرون، والنصف الآخر يتنقلون بانتظام".

ويرى مراقبون أنّ الدبلوماسية التونسية فشلت مرات كثيرة في اقتناص فرص لعب دور متقدّم في الملف الليبي على مدى السنوات الماضية، إذ كانت هناك رغبة ليبية حقيقية في قيام تونس بدور فعّال في الأزمة لأسباب عديدة، أهمها أنها ليست لديها أطماع على عكس دول عربية وغربية أخرى، ونجحت في مسألة حيادها الإيجابي من الأطراف المتنازعة. كما أنّ الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، كان عدّل من انحياز حكومة المهدي جمعة (2014-2015) لمعسكر الشرق الليبي، واستطاع أن يطلق فكرة مؤتمر دول الجوار عام 2017، بما منح تونس حيزاً مهماً من المبادرة، في وقت كان فيه العالم يتفرّج على التقاتل في ليبيا. ولكن تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح، بسبب الموقف المصري الذي انزعج من قيادة تونس للمبادرة من ناحية، ولأنه كان ولا يزال يؤمن بأنّ فرض حفتر كأمر واقع، سيعود بمنفعة أكبر على القاهرة، اقتصادياً واجتماعياً (كتوسيع سوق العمالة المصرية، والسيطرة على المشاريع شرقاً وتوسيعها غرباً، في حال نجح حفتر في مسعاه).

وعلى الرغم من الغياب، رأى عبد الكبير أنّ تونس "قادرة على توظيف نقاط قوتها مستقبلاً، وهذه النقاط تجعلها أقوى من مصر والجزائر وأي بلد آخر، نظراً لموقعها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية مع الشعب الليبي، ونظراً لارتباطها بكل الأطراف الليبية، وكذلك لأنها مصدر الإمدادات الغذائية والطبية، ولكن عليها تدارُك سياستها الخارجية ووضع خطة في التعامل مع الوضع الليبي".

وينزعج التونسيون من الصمت الدبلوماسي بشأن تغييب دولتهم عن مؤتمر برلين، وعدم توضيح الرئاسة التونسية لأسبابه، خصوصاً أنّ مسؤولين فيها كانوا أكدوا أنّ تونس ترفض حضور مؤتمر لا يتم إشراك الليبيين فيه، فيما وجّهت الدعوات للأخيرين. وكانت الرئاسة أوضحت أيضاً أنها تبحث مع ألمانيا صيغة المشاركة في المؤتمر، وكان هناك حماسة تركية وإيطالية كبيرة لحضور تونس والجزائر، ولكن المواقف التونسية المرتبكة والمتضاربة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتونس، قلّصت منها. وقد تكون هذه الأطراف رأت في حضور الجزائر كافياً، باعتبار أن هناك تماهيا في مواقف الدولتين من الأزمة، إلا إذا تمكّنت تونس في اليومين المتبقيين قبل الأحد من فرض نفسها على طاولة المفاوضات.

المساهمون