خنق القدس: عام حاسم في مساعي الاحتلال لتكريس سيادته

خنق القدس: عام حاسم في مساعي الاحتلال لتكريس سيادته

13 يناير 2020
زيادة غير مسبوقة في عمليات هدم منازل المقدسيين(مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -

كان العام 2019 واحداً من أشدّ الأعوام قسوة على المقدسيين، بل إنّه كان حاسماً وشديد الوطأة على مستقبل مدينة القدس؛ ففي ظلّ ضوء أخضر أميركي، ودفع نحو تطبيق على الأرض لـ"صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، طاولت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه كل القطاعات في المدينة، من التعليم إلى الصحة والاقتصاد، مع ارتفاع محاولات خنق الفلسطينيين وطردهم من مدينتهم، ليُحكم الاحتلال سيطرته وسيادته المطلقة على القدس، ويعمل على منع مظاهر الوجود الفلسطيني فيها.

استهداف تحت الأرض وفوقها

شهدت المقدسات، وتحديداً المسجد الأقصى، استهدافاً واضحاً من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، وعلى رأسها وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، ومن الجماعات اليهودية المتطرفة، فيما سُجّل تزايد أعمال الحفر أسفل الأقصى ومحيطه، بضوء أخضر أميركي، جسّدته مشاركة السفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان، إلى جانب زوجة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، سارة نتنياهو، في حفل تدشين نفق أسفل الأقصى، وهي مشاركة لها ما بعدها، كما يؤكد المختص في شؤون القدس والمقدسات، جمال عمرو في حديث لـ"العربي الجديد".

ويقول عمرو إنّ "استهداف الأقصى اتسع عام 2019، وانتقل فيه التقسيم للمسجد نقلة كبيرة جداً، ووصل الاستهداف إلى مصلى باب الرحمة، إذ تعمّد الاحتلال منع المصلين والمرابطين من الوجود في محيطه، فضلاً عن التغيير الأخير لمسمى حائط البراق واستبداله بمسمى الجدار الغربي، في إشارة واضحة إلى الجدران الأخرى للمسجد الأقصى، والتي باتت هدفاً إسرائيلياً". وتابع: "شمل الاستهداف أيضاً تكثيف الحفريات في محيط مقبرة باب الأسباط بمقبرتيها الرحمة واليوسفية، إلى جانب الشروع بوضع قواعد التلفريك (القطار الهوائي) الذي سيلتف حول الأقصى، ويشدد الخناق عليه ويشوه المشهد الحضاري والتاريخي للمدينة المقدسة".

وتشير معطيات دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، إلى أنّ نحو 27 ألف مستوطن اقتحموا باحات المسجد الأقصى بشكل يومي، منذ مطلع عام 2019 وحتى نهايته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي معطيات تقلّ عما تصدره الجماعات اليهودية والتي تتحدّث عن أنّ أعداد المقتحمين بلغت نحو 40 ألفاً. وكان حراس الأقصى وسدنته وموظفو لجنة إعمار المسجد هدفاً لإجراءات الاحتلال، من إبعاد واعتقال، فضلاً عن منعهم من القيام بأعمال الترميم، ليبلغ مجموع من تمّ استهدافهم خلال العام الماضي 55 حارساً وموظفاً، تمّ إبعادهم لفترات وصل بعضها إلى ستة شهور. 

إغلاق ودهم المؤسسات

وسجّل عام 2019 أيضاً نقلة كبيرة في الاستهداف الاحتلالي لمختلف المؤسسات في القدس بكافة القطاعات، وطاول الرموز الفلسطينية في المدينة. وآخر صور الاستهداف على هذا الصعيد، تجلت بإغلاق ودهم المؤسسات المقدسية وتفتيشها ومصادرة أجهزتها وملفاتها واعتقال القائمين عليها، كما هو الحال بما يتعلّق بفضائية فلسطين ومكتب التربية والتعليم والمركز الصحي العربي وغيرها، لتضاف هذه المؤسسات إلى أكثر من 35 مؤسسة مقدسية أخرى جرى إغلاقها من قبل الاحتلال، والعشرات من تلك التي جرت ممارسة الضغوط عليها لترحيل مركز عملها وخدماتها إلى خارج حدود ما يسمى بلدية الاحتلال في القدس، وفق ما يؤكده المحلل السياسي والإعلامي، راسم عبيدات لـ"العربي الجديد".

ويشير عبيدات إلى أنّ التعليم في القدس لم يسلم من مساعي الاحتلال لأسرلته ضمن استهداف شامل للعملية التعليمية، إذ بدأ بإغلاق مكتب التربية والتعليم في المدينة، كمقدمة لتصفية كافة المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية والمستظلة بإدارتها، في مسعى لشطب المنهاج الفلسطيني بشكل كامل في مدينة القدس، والسيطرة على المدارس الخاصة والأهلية، والتي تتلقى تمويلاً من بلدية الاحتلال، عبر التدخل السافر لوزارة المعارف الإسرائيلية.

هدم المنازل

زيادة غير مسبوقة سجّلت كذلك في عمليات هدم منازل المقدسيين شهدها عام 2019، إما بتنفيذ بلدية الاحتلال لذلك، أو بإرغام أصحاب المنازل على هدمها بأيديهم تحت طائلة الغرامة المالية العالية التي تصل إلى ما بين 20 و25 ألف دولار، وهو ما يسميه المقدسيون بـ"الهدم الذاتي".

وتشير آخر معطيات نشرتها مراكز ومنظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، إلى أنّ عام 2019 سجّل أكبر نسبة من عمليات هدم المنازل مقارنة بالأعوام السابقة، إذ هدمت بلدية الاحتلال في القدس خلاله، 165 منزلاً مأهولاً، و70 منشأة اقتصادية، فضلاً عن 45 عملية هدم ذاتي.

ووفق تلك المعطيات، فإنّ المنازل التي هدمها الاحتلال في القدس خلال الـ15 عاماً الماضية وصلت إلى 974 منزلاً يقطنها 3166 شخصاً، بينهم 1698 قاصراً، إضافة إلى هدم 148 منزلاً ذاتياً، وهدم 407 منشآت ومبانٍ غير سكنية منها 31 منشأة هدمها أصحابها ذاتياً. وتعدّ عملية الهدم التي نفذها الاحتلال في وادي الحمص جنوب القدس في يوليو/ تموز الماضي، الأبرز بين هذه العمليات في 2019، إذ تم هدم 54 وحدة سكنية حينها.

4 آلاف معتقل جديد

يكشف مدير "نادي الأسير الفلسطيني" في القدس، ناصر قوس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ سلطات الاحتلال نفّذت خلال عام 2019 نحو 4 آلاف عملية اعتقال، مشيراً إلى أنّ العدد الأكبر من هذه الاعتقالات كان في صفوف المقدسيين.

وسجلت بلدة العيسوية في القدس، النسبة الأكبر لناحية أعداد المعتقلين، التي وصلت إلى نحو 550 معتقلاً من الأطفال والفتية والنساء، أطلق سراح العديد منهم، لكنهم أخضعوا لعقوبات أخرى من الحبس المنزلي، أو الإبعاد عن مناطق سكنهم الأصلية إلى الضواحي البعيدة.

وسجّل عدد المرات الأكبر لناحية حالات الاعتقال الفردي، بحق محافظ القدس عدنان غيث، الذي تعرض للاعتقال والاستجواب خمس عشرة مرة، ومنع خمس مرات من دخول الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب تقييد أنشطته بالكامل داخل حدود مدينة القدس، بما شمل منعه من التواصل مع مساعديه أو المساهمة في تقديم مساعدات لأفراد ومؤسسات، فيما لم يسلم وزير القدس الجديد، فادي الهدمي، من الاعتقالات أيضاً، فاعتقل واحتجز ست مرات.

اعتداءات المستوطنين

بالتوازي مع الاعتقالات، طاولت مدينة القدس في العام الماضي جرائمُ واعتداءات من قبل مجموعات من المستوطنين، كان أبرزها تلك التي نفذتها جماعة "تدفيع الثمن" المتطرفة، والتي كان أخطرها وأكبرها حجماً إعطاب إطارات 200 مركبة لمقدسيين في بلدة شعفاط شمالي القدس، والتي تخللتها كتابة شعارات عنصرية معادية للعرب، فيما سبق ذلك اعتداء "تدفيع الثمن" على الكنيسة الرومانية في البلدة القديمة من القدس، وخطّ شعارات عنصرية مسيئة للمسيح.

وشهدت البلدة القديمة من القدس أكثر من 40 اعتداءً عنصرياً على مقدسيين وممتلكاتهم خلال مسيرات صاخبة نظمها مستوطنون في أحياء البلدة، أصيب خلالها 24 مقدسياً بجروح مختلفة، وفق ما رصدته لجان محلية ونشطاء كانوا هم عرضة للاعتداء والاعتقال لاحقاً من قبل الاحتلال. وسجلت اعتداءات مماثلة شارك فيها جنود ومستوطنون على مقدسيين في أحياء بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى. ورصد مركز معلومات وادي حلوة المختص بالشأن المقدسي أكثر من 20 اعتداءً خلال 2019، تسبّبت بأضرار وإصابات للأهالي.

827 وحدة استيطانية

وواصلت سلطات الاحتلال توسعها الاستيطاني في القدس، إذ رُصد خلال عام 2019، بناء 827 وحدة استيطانية جديدة، وفق ما يقوله خبير الاستيطان خليل تفكجي، في حديث مع "العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّ عام 2018 شهد بناء 2227 وحدة استيطانية، وعام 2016 نحو 3211 وحدة. ويعدّ هذا البناء الاستيطاني جزءاً من مخططات أخرى تشمل بناء أكثر من 4 آلاف وحدة استيطانية بمعظم أنحاء القدس، بما يشمل توسيع مستوطنات قائمة.

وارتفعت أعداد المستوطنين في القدس الشرقية عام 2019 إلى 220 ألف مستوطن، بعد أن كانوا 210 آلاف، ليضاف هذا العدد إلى 448622 مستوطناً يقطنون الضفة الغربية.

بالتوازي مع ذلك، ظلّت أسواق البلدة القديمة من القدس وخارج أسوار المدينة، هدفاً لإجراءات الاحتلال، من خلال تكثيف حملات الدهم الضريبي ضد أصحاب المحلات في تلك الأسواق، ومضاعفة قيمة ضريبتي الدخل والأرنونا (ضريبة على الأملاك)، وسط ركود تجاري نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القدس منذ عام 1993، ومنع أهالي الضفة الغربية، الشريان الرئيس لتلك الحركة، من دخول المدينة إلا خلال شهر رمضان وبتصاريح خاصة. ووفق ما يقوله مدير "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، زياد الحموري، لـ"العربي الجديد"، فقد وصلت أعداد المحلات المغلقة داخل أسواق البلدة القديمة من القدس إلى 350 محلاً تجارياً.

وفي مقابل استهداف أسواق القدس، لقد شجع الاحتلال السياحة داخل "سوق كاردو" في حارة الشرف أو ما يعرف الآن بالحي اليهودي، على حساب القطاع السياحي المقدسي، وافتتح إسرائيليون محلات مشتركة مع فلسطينيين خارج أسوار البلدة القديمة خصوصاً في شارعي صلاح الدين والزهراء، كما افتُتح مجمع تجاري كبير بمنطقة "عطروت" الصناعية المقامة شمالي القدس.

تطهير عرقي

وكما في السنوات الأخيرة، واصلت سلطات الاحتلال عام 2019 سياسة التطهير العرقي بحق المقدسيين. وفَقَد 345 مقدسياً خلال السنوات الأربع الماضية حقهم في الإقامة بمدينتهم، في مقابل تمكّن 335 آخرين من استرجاع هذا الحق للفترة ذاتها، وفق معطيات لمكتب وزارة الداخلية الإسرائيلية نشرها "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية". وقُدّم إلى مكاتب الداخلية الإسرائيلية 3056 طلب جمع شمل في تلك الفترة، رُفضت 1493 منها، بينها 815 طلباً رُفضت عام 2018، و591 طلباً رُفضت عام 2019، إضافة إلى رفض 625 طلباً لدواع أمنية. ووصل عدد طلبات تسجيل الأولاد إلى 11429 تمت الموافقة على 6233 طلباً منها.

وتشير المعطيات حول حملة الجنسية الإسرائيلية في القدس، إلى أنّ عددهم يبلغ حالياً ما مجموعه 22 ألفاً، بينهم فلسطينيون من الأراضي المحتلة عام 1948 مقيمون في القدس، فيما يبلغ عدد الفلسطينيين حمَلة البطاقة الزرقاء في المدينة 354 ألف نسمة، منهم 232 ألفاً يقطنون داخل جدار الفصل العنصري.

المساهمون