خارطة السيطرة الميدانية في ليبيا... ومناطق مرشحة للاشتعال

خارطة السيطرة الميدانية في ليبيا... ومناطق مرشحة للاشتعال

11 يناير 2020
مقاتلون موالون للحكومة بصلاح الدين جنوب طرابلس(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

شكّلت سيطرة مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في الأيام الأخيرة على مدينة سرت، وسط شمال البلاد، بعد "انسحاب تكتيكي" للقوات الموالية لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وفق إعلان الأخيرة، التطور الأبرز في خارطة السيطرة على الأراضي الليبية منذ إبريل/ نيسان الماضي، حين أطلق حفتر هجومه باتجاه العاصمة طرابلس من دون تحقيق تقدّم مهم، بعدما أجبرته القوات الموالية لحكومة فائز السراج على التمركز في مواقع جنوب طرابلس.

وتُعدّ قوات الحكومة خطة معارك واسعة من أجل استرداد سرت واستهداف مناطق أخرى لمليشيات حفتر، كما يكشف المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، لـ"العربي الجديد"، مؤكداً طرد مليشيات حفتر من بلدة الوشكة باتجاه مدينة سرت، وأنّ بلدة أبوقرين تعدّ الآن مسرحاً للمعارك. فكيف تبدو خارطة السيطرة الميدانية راهناً؟

طرابلس

يُعتبر الطوق الجنوبي للعاصمة طرابلس مسرحاً لتوزع محاور القتال، من السواني في الجنوب الغربي وصولاً إلى مناطق القربولي المتاخمة لمدينة ترهونة، جنوب شرقي طرابلس، والتي تعتبر قاعدة انطلاق مليشيات حفتر الأمامية نحو العاصمة. وعلى الرغم من جمود الأوضاع في محور السواني، إلا أنّ محاور أخرى، مثل عين زاره، لا تزال تدور فيها اشتباكات متقطعة، لا سيما بواسطة المدفعية، وتحديداً في حي فاطمة الزهراء والحي الدبلوماسي. ويرجح الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إمكانية أن تلتحم قوات هذا المحور مع قوات محور صلاح الدين القريب، حيث تشتدّ المعارك فيه باتجاه الإشارة الضوئية  (إشارة مرورية رئيسية، السيطرة عليها تعني دخول منطقة صلاح الدين بالفعل)، وطريق الشوك لقربهما الشديد.

بينما يُعتبر محور وادي الربيع والقويعة، جنوب شرق طرابلس، من المحاور التي تشهد هدوءاً منذ أسابيع، بعد أن كانت مليشيات حفتر تستهدف التقدم من خلاله نحو تاجوراء، المنفذ الشرقي لطرابلس، وقطع الطريق الرابط بين العاصمة ومدينة مصراته.

لكن يبدو أنّ خطط مليشيات حفتر، بحسب زكري، باتت تشهد تحولاً نحو الاتجاه للتركيز على المحاور الأقرب إلى أحياء قلب العاصمة، وتحديداً محوري طريق المطار وصلاح الدين. ويصبّ كلا المحورين باتجاه مناطق باب العزيزية، حيث يسهل التوزع في أحياء قلب العاصمة والسيطرة عليها. لكن عوائق عدة لا تزال تقف أمام مليشيات حفتر، منها مشروع الهضبة وشارع الخلاطات، حيث يوجد اكتظاظ سكاني، ولا تزال المنطقة مسرحاً للقتال، كما أنّ على مليشيات حفتر تجاوز حي أبو سليم الذي يقع في منتصف طريق المطار، ولكن كثافته السكانية كذلك وتحدر أغلب مقاتلي محور طريق المطار من أهالي هذا الحي، يبقى أكبر العراقيل التي تواجه حفتر.

غرب طرابلس

تسيطر مليشيات حفتر على مناطق صبراته وصرمان والعجيلات والتي لا تبعد عن طرابلس أكثر من 100 كيلومتر، لكن تهديدها يتمثّل في استهدافها لمدينة الزاوية التي تمثل حامياً لمنطقة جنزور، منفذ العاصمة الغربي. ولهذه المناطق امتدادات عبر طرق زراعية وترابية كثيفة في مدينة الزاوية. ويرى زكري أنّ استهداف الأخيرة من قبل حفتر "يعني تفريغ محاور القتال في جنوب طرابلس من مقاتلي الزاوية وإرجاعهم لمدينتهم للدفاع عنها، ما يجعل بعض المحاور ضعيفة، لا سيما في مدينة غريان"، التي سيطرت عليها قوات الحكومة، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وتؤمنها فصائل مسلحة من مدينة الزاوية.

سرت وجوارها

بعد عملية فجائية، تمكّنت مليشيات حفتر قبل أيام من السيطرة على مدينة سرت، وسط شمال البلاد، وهي منطقة استراتيجية بالنسبة للطوق الطبيعي الحامي لمدينة مصراته من جهة، والحامي لمنطقة الهلال النفطي من جهة أخرى.

وأحدثت مليشيات حفتر فرقاً في خططها الاستراتيجية بإطلاق عملية استهدفت السيطرة على مناطق غرب سرت باتجاه مصراته، وهي مناطق الوشكة وأبوقرين، ما جعل سرت بعيدة عن أي تهديد عسكري قد تطلقه قوات الحكومة.

وبحسب قراءة زكري، فإنّ المناطق الواقعة إلى جنوب سرت تتوزع فيها مواقع السيطرة بين مليشيات حفتر وقوات الحكومة، مثل أبونجيم والسدادة وزمزم وغيرها، مضيفاً "كما لمليشيات حفتر عوامل نجاح لتقدمها، فإنّ قوات الحكومة لديها عوامل قد تساعدها على استرداد سرت، لا سيما من خلال معرفتها الوثيقة بشبكة الطرقات الصحراوية الرابطة بين هذه المدينة وحزامها الصحراوي الجنوبي الذي خبرته بشكل جيد قوات البنيان المرصوص أثناء مطاردتها ورصدها لمقاتلي تنظيم داعش".

المناطق الأكثر قبولاً للتغيرات

يلفت زكري إلى أنّ مصراته تعتبر هدف حفتر الأول الآن، ليس بهدف السيطرة عليها، وإنما بهدف جرّ قواتها من مسرح المعارك في جنوب طرابلس، "ولذلك من المرجح أن تتحول المعارك إلى مناطق جنوب العاصمة، وتحديداً مدينتي بني وليد وزليتن". وتقع بني وليد على بُعد 130 كيلومتراً جنوب مصراته، وهي تحت سيطرة حفتر، بينما تقع زليتن غرب مصراته بمسافة 40 كيلومتراً وهي تحت سيطرة قوات الحكومة. لذا، يرى زكري أنّ امتداد المعارك إلى هذه المناطق ستكون له تداعيات كبيرة، لكن أكثرها سيكون سلبياً على أوضاع قوات الحكومة.

وتضاف إلى المناطق التي قد تشهد تغييرات في أوضاعها، مناطق طريق المطار وصلاح الدين، جنوب العاصمة، التي تكثف مليشيات حفتر حملاتها عليها من أجل إحداث اختراق فيها يمكّنها من الوصول إلى قلب العاصمة خلال ساعات. لكن دفاعات الحكومة يبدو أنها قوية، ولن تشهد ضعفاً إلا في حال فتح مليشيات حفتر لمحاور جديدة في محيط مصراته تجبر الحكومة على سحب جزء من قواتها من طرابلس، وأخرى في غرب العاصمة، وتحديداً باتجاه مدينة الزاوية، ما يجبر مقاتلي المدينة على ترك مواقعهم في طريق المطار وفي مدينة غريان لصالح حماية مدينتهم. ويوضح زكري أن هذه الاستراتيجية القتالية تكلف مليشيات حفتر مزيداً من الخسائر وتتطلب خزانات بشرية، وهو ما لا يتوفر حالياً، خصوصا مع تراجع دور مدينة ترهونة القتالي.