الانتخابات الإسرائيلية المعادة(8): نتنياهو يخرج ملفات الفساد من المعركة

الانتخابات الإسرائيلية المعادة (8): نتنياهو يخرج ملفات الفساد من المعركة

09 سبتمبر 2019
لا يطرح منافسو نتنياهو بديلاً لخطه السياسي(عبير سلطان/فرانس برس)
+ الخط -
لم تشهد دولة الاحتلال منذ إقامتها على أنقاض الشعب الفلسطيني انتخابات حامية غاب عنها الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، كما هو حال الانتخابات الحالية، التي لا تبدو أكثر من صراع على الحكم بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبين منافسيه وخصومه في المعسكر المنافس له، والذي يقوده زعيم تحالف "كاحول لفان"، الجنرال بني غانتس. ولا تجرى الانتخابات المعادة والمقررة في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي على أي خلفية سياسية أو أمنية عسكرية، بقدر ما هي حرب بقاء لنتنياهو الشخص في الحكم، بعدما غابت الفروق بين معسكره وبين الفريق المضاد له في سياق حل الصراع العربي - الإسرائيلي.

فمنافسو نتنياهو، وبالأساس غانتس، لا يطرحون أي حلٍّ بديل لخط نتنياهو السياسي، ويصرون على أنه في ظل الوضع الراهن ينبغي تعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، والإبقاء على منطقة الأغوار الشمالية تحت السيادة الإسرائيلية، فضلاً عن الإجماع على رفض الانسحاب إلى حدود 1967، بما فيها الشطر الشرقي من القدس المحتلة، ورفض حق العودة.

مع كل ذلك، فإن المعركة الحالية المعادة تختلف عن تلك التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي. فقد تراجع حزب "كاحول لفان" أخيراً عن طرح نفسه بديلاً وحيداً لحكم "الليكود" ونتنياهو، وانتقل للحديث عن حكومة وحدة وطنية مع "الليكود"، أو حكومة يمين قومي علماني من دون الأحزاب الدينية. إلى ذلك، فقد تمكن نتنياهو منذ الأربعاء الماضي من إخراج ملفات الفساد والحديث عنها كلياً من المشهد الانتخابي. فقد أطلق شعاره الانتخابي الجديد "لن نسمح لهم بسرقة الانتخابات"، في تحريضٍ سافر ضد الفلسطينيين في الداخل، عبر اتهام أحزابهم بتزوير نتائج الانتخابات في القرى والبلدات العربية، وهو ما حرم "الليكود" بحسب ادعاء نتنياهو من مقعد واحد على الأقل كان يتيح له تشكيل الحكومة بدلاً من الذهاب لانتخابات جديدة. 


تصريحات نتنياهو العنصرية التي بدأ إطلاقها مع عودته صباح الخميس من زيارته القصيرة إلى بريطانيا، تمكنت من السيطرة على جدول الأعمال الانتخابي، بالرغم من عنصريتها المعلنة، وعدم صحتها على الإطلاق، لكنها احتلت العناوين وجدول الأعمال مع إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية عزمه تقديم قانون يتيح للأحزاب نصب كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع، ويستهدف بشكل خاص مراكز الاقتراع في البلدات والقرى الفلسطينية في الداخل، للإيحاء بأن العرب يزورون الانتخابات، وبالتالي تغذية مشاعر الحقد والعنصرية المتأججة أصلاً في اليمين الإسرائيلي، وإخراج هذا الجمهور للتصويت بشكل مكثف وأكبر لصالح "الليكود".

وقد كرر نتنياهو، أمس الأحد، في جلسة الحكومة، موقفه هذا، موجهاً النقد الشديد حتى إلى المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت، ورئيس لجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل القاضي يوحنان ملتسر، بقوله إنه لا يفهم كيف تمكن معارضة خطوة تهدف لضمان سير الانتخابات بنزاهة.

تصريحات نتنياهو ومواقفه المعلنة هذه تهدف أساساً إلى إثارة المشاعر الدفينة في اليمين الإسرائيلي، وتكريس شبهة "سرقة الانتخابات" في الوعي العام الإسرائيلي، لتحقيق غايات انتخابية عدة بضربة واحدة، حتى في حال تعذر تقديم مشروع القانون بهذا الخصوص لضيق الوقت، وبفعل معارضة المستشار القضائي للحكومة، مندلبليت، والمستشار القضائي للكنيست.

ويستند ادعاء نتنياهو إلى كذب صرف أثبتته تحقيقات الشرطة الإسرائيلية في 140 شكوى قدمها "الليكود" للشرطة بزعم وجود تزييف، لكن الشرطة لم تجد أدلة لصحة هذه الادعاءات إلا في شكوى واحدة، فيما بيّن فحص آخر للجنة الانتخابات وجود شبهات تزوير في خمسة مراكز اقتراع تبين أن التزوير في اثنين منها كان بالذات لصالح حزب "الليكود" وآخر لصالح حزب "شاس".

هذه الحقائق طبعاً، على الرغم من إعلانها منذ مساء السبت، لم تردع نتنياهو، الذي أصر على موقفه في جلسة حكومته رغم تحذيرات المستشار القضائي للحكومة ورئيس لجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل يوحنان ملتسر بأن القانون المقترح سيثير قلاقل وفوضى في يوم الانتخابات وخلال العملية الانتخابية.

وقد تمكن نتنياهو من تمرير قرار في الحكومة بتقديم تشريع القانون على طاولة الكنيست، اليوم الإثنين، مع توجيه انتقادات حادة للمستشار القضائي للحكومة وموقفه المعارض لسن هذا القانون "بسبب ذرائع تقنية"، بحسب ما قاله نتنياهو.

وبحسب معلقين في السياسة الإسرائيلية الداخلية، مثل حنان كريستال، فإن الهدف هو ليس فقط إلهاء الرأي العام الإسرائيلي عشية الانتخابات بهذه القضية، وإنما أيضاً توفير حجة وذريعة، إذا لزم الأمر، لفصل المستشار القضائي للحكومة من منصبه، بزعم عدم قدرة الحكومة الحالية على العمل معه، ما يتيح لنتنياهو التخلص من المستشار دون أن يكون سبب ذلك ملفات الفساد.

ويمكن القول إن تمرير الحكومة الإسرائيلية بالإجماع، أمس، لقرار تقديم قانون نصب كاميرات في مراكز الاقتراع، شكل تتويجاً لسعي نتنياهو إبعاد ملفات الفساد من المعركة الانتخابية، وتحويل المسألة إلى حرب على بقاء اليمين الإسرائيلي في الحكم ومنع سرقته ونقله لليسار بفعل عمليات تزوير في القرى والبلدات العربية، وهو ما ألزم رئيس حكومة الاحتلال أيضاً اتهام خصومه الأساسيين، الجنرال بني غانتس ويئير لبيد وأفيغدور ليبرمان، برفض القانون المقترح لعزمهم سرقة الحكم، مستعينين بعمليات التزوير والتزييف في الانتخابات.

في المقابل، أعلنت القائمة المشتركة للأحزاب العربية، منذ الأسبوع الماضي، رفضها لمشروع القانون، بفعل خطابه العنصري من جهة، وما قد ينجم عن تشريعه من ترهيب الناخبين العرب، وخفض نسبة التصويت في القرى والبلدات العربية. وقد أشار النائب عن القائمة المشتركة يوسف جبارين، بحسب ما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة، إلى أن محاولات "الليكود" نصب كاميرات سرية في مراكز اقتراع في البلدات العربية، أدت في انتخابات إبريل/نيسان الماضي إلى تراجع نسبة التصويت التي شهدها المجتمع العربي.

وكان "الليكود" وأحزاب اليمين المتطرف قد حاولوا في الانتخابات التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، إدخال كاميرات سرية لمراكز الاقتراع العربية، وتمّ تجنيد أكثر من ألفي شخص لهذه الغاية، لكن الناخبين الفلسطينيين تمكنوا من كشفها وإخراجها. ويعول نتنياهو بحسب ما يبدو على زرع حالة الخوف من جهة، والفوضى في مراكز الاقتراع في الوسط العربي من جهة أخرى، فيما ذكر ليبرمان، في تعقيبه على مخطط نتنياهو، رغم إعلانه عن نيته دعم القانون في حال تقديمه اليوم الاثنين، أن "الليكود" يعد لنشر ما سماه بـ"الكتائب" عند مراكز الاقتراع.

ويراهن رئيس الحكومة الإسرائيلية على ما يبدو على رفع حالة الاستنفار والتأهب بالأساس في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف، لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات من جهة، وأن يكونوا جاهزين لعرقلة الانتخابات في القرى والبلدات العربية من جهة ثانية.

في المقابل، تدعو القائمة المشتركة للأحزاب العربية الناخبين الفلسطينيين في الداخل إلى رفض محاولات نصب الكاميرات والرد عليها برفع نسبة التصويت والمشاركة في الانتخابات، معتبرة أن عدم المشاركة في الانتخابات يساعد نتنياهو ويحقق هدفه في العودة إلى الحكم، بالرغم من أن مجمل الاستطلاعات لا يشير إلى وجود فرص حقيقية لرئيس تحالف "كاحول لفان" الجنرال بني غانتس للحصول على تكليف من رئيس الدولة بتشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما دفع غانتس وتحالفه إلى اعتماد خطاب جديد يتحدث عن التزام بإقامة حكومة وحدة وطنية (مع الليكود) أو حكومة يمين قومي علماني.