استقالة وزيرة خارجية السويد.. هذه أبرز مواقف السياسية المخضرمة

استقالة وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم.. هذه أبرز مواقف السياسية المخضرمة

07 سبتمبر 2019
ظلت فالستروم وفية لمبادئ السياسة الخارجية لبلدها(Getty)
+ الخط -
لم يكن مفاجئا أن تعلن السياسية المخضرمة في السويد مارغوت فالستروم تخليها أمس الجمعة عن منصبها على رأس السياسة الخارجية لبلدها، بعدما أبدت رغبتها في الانتخابات البرلمانية السابقة، خريف 2018، بالاستقالة. إلا أن تاريخ فالستروم السياسي، وهي التي انتخبت في برلمان بلدها كأصغر "يسارية" في سن 25 عاما في حقبة الزعيم الراحل أولف بالمه عام 1979، والحقبة التي مرت بها علاقة وسياسة بلدها الخارجية تجاه عدد من القضايا، يعيد إلى الواجهة اليوم سؤال ما إذا كانت استوكهولم ماضية نحو تغيير في الاتجاه؟

ظلت فالستروم وفية لمبادئ السياسة الخارجية للسويد منذ تسلمها المنصب في 2014، ومنحت حزبها (الحزب الاجتماعي الديمقراطي)، ورئيس الوزراء، النقابي اليساري، ستيفان لوفين، بضعة أشهر أخرى في المنصب ليختار غيرها، منذ أن شكل حكومته، بعد مخاض عسير في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقبل يوم الثلاثاء القادم، موعد اجتماع البرلمان في دورته الجديدة، سيتعين على لوفين إجراء تغيير في مناصب وزارية، على الأقل منصبين ومفوض/ة السويد للاتحاد الأوروبي، بعد أن أعلنت السيدة فالستروم، التي أثارت جدلا كبيرا في "سياسة خارجية أكثر نسوية"، عن تركها المنصب.

شعبية كبيرة

ليست مارغوت فالستروم اسما عاديا في بلدها، على غرار سياسيين كثيرين، بل هي من ذلك الزمن الذي اختار فيه الحزب الاجتماعي الديمقراطي، بزعامة أولف بالمه، والذي اغتيل لاحقا في فبراير/شباط 1986، وضع اسم السويد على الخارطة السياسية العالمية، إن على الصعيد الداخلي، في الديمقراطية والتصحيح السياسي-الثقافي، أو على الصعيد الخارجي، منذ أن تصادم بالمه، وحزبه ويسار البلد، مع سياسات غربية، خصوصا السياسات الأميركية في فيتنام، وعلى صعيد قضية الشعب الفلسطيني والموقف من الاحتلال، الذي توتر أكثر فيما بعد خلال الأعوام الماضية.

في صفوف "الاجتماعي الديمقراطي"، أصرت على المثالية السياسية، الحالمة منذ عشرينيات عمرها بعالم أفضل، دعما وبنشاط "يذكرنا بالأيام الماضية لعظمة سياسة خارجية في زمن بالمه"، على ما ذهب التلفزيون الرسمي السويدي في تقارير عدة عن فالستروم منذ مساء أمس وحتى صباح اليوم السبت.

أحد أهم معلقي السياسة على القناة الرسمية لهيئة البث السويدية، إس في تي، ماتس كنوتسون، ذكر أن شعبية فالستروم في حزبها الديمقراطي، وسعادتهم بها، تأتيان "من الحنين إلى إرث بالمه، ورغم ذلك لم تكن مهمتها سهلة، بل أصعب من فترة بالمه للتوفيق بين المثالية وسياسة الحكومة الواقعية".

عقبات وتحديات

أوفى اشتراكيو السويد، في الحزب الديمقراطي، بعد أن فازوا في انتخابات برلمان 2014، بتعهد قطعوه على أنفسهم: الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة. ثارت ثائرة الاحتلال، واعتبرت مارغوت فالستروم، وهي ليست وحدها من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، فمعها معسكر عريض من جيل المحاربين القدماء والجيل الجديد في يسار السويد، وبعض يمين وسطه، شخصية عدوة لإسرائيل ورفضت الأخيرة دخولها فلسطين المحتلة.

لم تتراجع لا السويد ولا فالستروم عن موقفهما، ولا تزال العلاقة متوترة حتى هذا اليوم، رغم ضغوط اليمين المتشدد الذي رأى في الاعتراف بفلسطين أنه "سيضع السويد خارج الوساطة الدبلوماسية في الشرق الأوسط".

إرثها من أيام شبابها، مراهقة في شبيبة اليسار، وسياسية عشرينية، كان له بصمته في تبني السويد سياسة خارجية نسوية. تلك السياسة، التي دافعت فيها عن حقوق النساء حول العالم، وأوصلتها إلى انتقاد سياسات الرياض في اعتقال نساء وناشطين، جعلتها أيضا في موقف صدامي مع الرياض، التي سحبت سفيرها من استوكهولم، وبقي الهواء باردا بين الطرفين رغم زيارة متبادلة لوفود، كما أن اختيار شمال استوكهولم في أواخر 2018 مكانا لمباحثات يمنية-يمنية، لم يفض إلى نتيجة.. كما كررت السويد انتقادات اعتقال الناشطات والناشطين، وعلى رأسهم الناشط السعودي رائف بدوي، الذي طالبت بإطلاق سراحه في أكثر من مناسبة.

ما لم تستطع فالستروم تحقيقه، وهو القضية التي أثارت الكثير من الجدل، رغبتها ورغبة اليسار السويدي في الاعتراف بجبهة "البوليساريو" التي تنازع المغرب على الصحراء، إذ تراجعت عن الأمر بعد أن تشكل موقف معارض في الاتحاد الأوروبي، ونقاشات هادئة مع حكومة المغرب أفضت إلى حل ما كان يمكن أن يشكل أزمة في علاقة البلدين.

ورغم طموحها، وعموم حركة يسار الستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، بجعل السويد تتخلى عن مفاعلاتها النووية، والتوقيع على معاهدة عدم صناعة السلاح الذري، فشلت فالستروم في إقناع برلمان بلدها بالتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية. فالسويد بلد صناعي متقدم في اسكندنافيا في مجال الصناعات الثقيلة والتقنيات ويملك منذ عقود برامج ومفاعلات نووية، وحاول الراحل أولف بالمه إقناع السويديين بالتخلي عن المفاعلات، أو توقيع المعاهدة ففشل أيضا، حيث اعتبر الخبراء والبرلمانيون أن ذلك التوقيع "سيضع أمن السويد القومي في خطر".

هل هذا يعني أن السويد تريد سلاحا نوويا؟ كل الاستطلاعات السابقة تقول إن الشعب لا يرغب بذلك، ولكن بنفس الوقت لا يرغب ممثلوه في البرلمان في التوقيع على المعاهدة. أمر لم تخف فالستروم انزعاجها وعدم رضاها عنه في مقابلة لها عام 2017.

في فترة قيادة مارغوت فالستروم الدبلوماسية السويدية، عملت على استغلال العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن لتقديم السويد في صورة بلد ناشط ومثالي، فوجدت نفسها في مواجهة مجلس أمن تلعب فيه القوى الكبرى على مصالحها قبل المبادئ والمثل العليا عن المواثيق والحقوق.

انتقاداتها العلنية لدور المجلس، في سورية واليمن وفلسطين، وعدد من القضايا الأخرى المتعلقة بمسلمي الروهينغا وانتشار العنصرية، وضعتها في مجابهة مع ممثلي القوى الكبرى، ورغم ذلك رفع خطابها من شعبيتها داخل بلدها أكثر من السابق، حيث وضعت السويد أيضا في المركز وسلطت الأضواء عليها.

ورغم كل الانتقادات التي صدرت عن اليمين المتشدد، لم يرق لفالستروم انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، ولا ملاحظاته الاستعلائية أحيانا عن اسكندنافيا أو الخضوع للقوى الكبرى، مع انتقادات قريبة لسياسات ترامب في عسكرة منطقة القطب الشمالي، ورفضها مساواة موقف بلدها من عدم التوقيع على معاهدة منع انتشار السلاح النووي بمواقف ترامب.

خليفة فالستروم

باستقالة فالستروم سيتعين على رئيس وزراء السويد الثلاثاء القادم تقديم خلف لها. فثمة نقاش يخمن الاختيار بين 4 أسماء من السياسيين، الذين لا يختلفون كثيرا عن خط السيدة المستقيلة. في المقدمة يبرز اسم الشخصية اليسارية وزيرة شؤون دول الشمال، آن ليندا المقربة من فالستروم، وهي مرشحة محتملة لخلافتها واستكمال الخط السياسي والفكري ذاته.

وتقلدت ليندا سابقا وزارة التجارة الخارجية ووزارة الشؤون الأوروبية، وعملت سابقا كأمين عام مجلس وزارة الخارجية برفقة فالستروم.

والاسم الثاني المتداول هو أنيكا شودر، وهي موظفة في الخارجية منذ سنوات طويلة وتعد الساعد الأيمن للوزيرة المستقيلة مارغوت فالستروم. وهي شخصية ذات توجه سياسي نسوي، وعملت في مناصب دولية عديدة، ومن بينها منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة، الفاو، في روما.

أما الاسم الثالث، وهو وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، هانس دالغرين. ودالغرين من المحاربين القدامى ورفيق درب أولف بالمه وسكرتيره الصحافي بين 1977 و1983، ويبقى ذلك مجرد تخمين في وسائل الإعلام السويدية، رغم أن التقليد خلال الأعوام الماضية أن تختار سيدة لمنصب الخارجية، وخصوصا فترة حكم اليسار ويسار الوسط.

الاسم الرابع الذي يتداول اليوم السبت كارين خامتين، التي شغلت مناصب عديدة، من بينها المديرة العامة للوكالة السويدية للتنمية الدولية، وهي تملك خبرة في السياسات الخارجية لبلدها وتحفل بدعم كبير في صفوف حزبها الديمقراطي، وخصوصا أنها شغلت بين 2011 و2017 منصب السكرتيرة العامة (الأمينة العامة) لحزبها.

وتعتبر كارين من أشد الناقدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي وكانت في الصفوف الأولى للدفع نحو الاعتراف السويدي بدولة فلسطين. وأثارت حنق الاحتلال حين وصفت جدار الفصل العنصري بأنه تعبير عن "جنون مرضي"، منذ أن رأته في 2005. وتوالت مواقفها حتى اعتبرت ما يقوم به الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة "سيجعل حل الدولتين أمرا مستحيلا".

دلالات

المساهمون