حكومة ائتلاف إيطالية: البرنامج والسياسة المتوقعة

حكومة ائتلاف إيطالية بين "5 نجوم" و"الديمقراطي": البرنامج والسياسة المتوقعة

06 سبتمبر 2019
14 وزيراً و7 وزيرات في الحكومة الإيطالية الجديدة (Getty)
+ الخط -
بأداء الحكومة الإيطالية الجديدة، المشكلة من ائتلاف "5 نجوم" والحزب الديمقراطي، القسم أمام الرئيس، سيرجيو مارتيللا، أمس الخميس، بـ21 وزيرا، بينهم 7 نساء، تطوى، ولو مؤقتا، مرحلة اليمين القومي المتطرف، بزعامة وزير الداخلية السابق، زعيم حزب "ليغا"، ماتيو سالفيني، المثير للكثير من الجدل والجلبة على مدى أشهر تحالفه الذي انهار مع حركة "5 نجوم".

الصفحة تطوى مؤقتا بعد مناورات سالفيني للدفع برئيس وزراء حكومة الائتلاف السابقة، جوزيبي كونتي (55 عاما)، نحو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، لضمان "الرابطة" شعبيتها المتزايدة للحصول على أكثر من ثلث أصوات المقترعين، وهي مساع لا يبدو أن سالفيني سيتوقف عنها، وفقا لقراءات إيطالية خالصة منذ ما قبل الإعلان عن التشكيلة أمس.

وبدخول الحزب الديمقراطي، يسار الوسط، في ائتلاف مع "5 نجوم"، برئاسة السياسي المستقل كونتي نفسه، تدخل إيطاليا مرحلة جديدة من البحث عن تسويات، داخلية ومع الاتحاد الأوروبي، الذي وتر اليمين المتشدد وشعبويو "الخمس نجوم" علاقة بلدهم به وببعض دوله، وبشكل رئيس فرنسا وألمانيا، على خلفية سياسات اللجوء والهجرة، وتلاسن غير مسبوق عن "فرنسا الاستعمارية".


وعليه، رأى مراقبون سياسيون في وسائل الإعلام، الإيطالية والأوروبية، أمس الخميس واليوم الجمعة، أن التعاون مع الأوروبيين، المهتمين باستقرار بلد مهم في ناديهم ومنطقة اليورو، سيكون بنّاء أكثر "في قضايا الهجرة وموازنة الاتحاد وديون إيطاليا" مما كان عليه الأمر "حين حكمت حركة النجوم الخمسة مع حزب ليغا"، وفقا لما ذهبت إليه "لا ستامبا"، على سبيل المثال، من بين العديد من وسائل الإعلام الإيطالية.

ومن الملاحظ، ضمن هذه التسويات، أن الحزب الديمقراطي الإيطالي أصر على حصوله على وزارتين مهمتين في محاولة تطمين الأوروبيين. فوزارتا الاقتصاد والشؤون الأوروبية ذهبتا للحزب، مع التأكيد على أن رئيس الوزراء الأسبق عن الديمقراطي، باولو جينتولوني، ضمن منصب المفوض الأوروبي الإيطالي.

ويلاحظ أن استقلالية رئيس الوزراء، كونتي، بروفسور الحقوق، غير المنتمي لأحد الأحزاب السياسية، لعبت دورا حاسما في تشكيلة الحكومة السابعة والستين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالتركيز على الجيل الشاب في السياسة الإيطالية، بعيدا عن قدامى المحاربين، إن صح التعبير، في الحياة السياسية، ما اعتبره وزير التعليم الجديد، لورونزو فيومونتي، "مرحلة مغامرة جديدة"، بالمعنى الإيجابي، لضخ دماء جديدة وأكثر انفتاحا وأقل تصلبا من الحكومة المنصرفة.

وفي إشارة واضحة موجهة لماتيو سالفيني، ذهب منصب الداخلية إلى سيدة، لوسيانا لامورجيزي، وهي شخصية تكنوقراطية تعرف تفاصيل قضايا الهجرة واللجوء، واعتبر المراقبون أن اختيارها للمنصب سيحدث تغييرا وربما انقلابا على سياسات سلفها المتشدد ماتيو سالفيني. وعملت الوزيرة الجديدة كموظفة في ظل حكومات متعاقبة من يسار ويمين الوسط، وبالأخص خبرتها في أوج أزمة اللجوء الأوروبية في 2015.

ويصف الرئيس التنفيذي لمؤسسة الاستشارات السياسية ومخاطر القرارات السياسية "سونار"، في روما، فرانشيسكو غاليتي، وزيرة الداخلية الجديدة بأنها "شخصية غير مغردة وتهتم بعملها، على عكس سالفيني الذي انصب اهتمامه على التغريد بشكل مكثف، مثلما يفعل دونالد ترامب. وهو أمر سيفقد الرابطة وسالفيني شخصيا اللعب على ورقة الهجرة واللجوء، باعتبار الوزيرة الجديدة شخصية مهنية ومدركة، بالتعاون مع الأوروبيين، للحلول التي يمكن لساسة الاتحاد التوصل لها، وسط شعور الإيطاليين بأنهم تركوا بمفردهم لمواجهة تدفق مراكب المهاجرين عبر المتوسط خلال السنوات السابقة لحكم اليمين المتشدد، وهو ما اعتبر ذخيرة في جعبة سالفيني لجذب المزيد من الشعبية لحزبه، والتي عبر عنها في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/أيار الماضي، متحولا فيها إلى أكبر الأحزاب الإيطالية بتصويت نحو 37 في المائة لمرشحيه".

ومن الملاحظ في تركيبة حكومة روما الائتلافية الجديدة أن زعيم حزب "الخمس نجوم"، وليجي دي مايو، سيصبح أصغر وزير خارجية، (33 سنة)، مر على الحكومات الإيطالية المتعاقبة، ما يشكل هزيمة لكل مناورات سالفيني لدفع دي مايو نحو الوقوع في فخ الانتخابات المبكرة.

وخلال الفترة الأخيرة بدأت حركة "5 نجوم"، من خلال تصريحات سياسية لقادتها، تلمح إلى أنها "ليست شعبوية بالمعنى اليميني المتطرف، بل أقرب إلى اليسار كحركة احتجاجية"، كتمهيد ربما لابتلاع معارضين في صفوف الاجتماعي الديمقراطي، بارتيتو ديموكراتيكو، يسار وسط، لقصة تحالف حزبهم مع الحركة في حكومة ائتلافية.

وجاءت الحكومة الائتلافية إثر عملية تصويت إلكترونية للأعضاء، كتطبيق لشعار حركة "5 نجوم" عن "الديمقراطية المباشرة"، لإبداء رأيهم بالموافقة أو المعارضة لتشكيل حكومة مع "الديمقراطي". وشارك نحو 73 ألف عضو في الاستفتاء، بنتيجة موافقة 73 في المائة.

وبوجود قاعدة برلمانية تشكل الأغلبية خلف هذه الحكومة لا يبدو أن حظوظ ماتيو سالفيني المتشدد كبيرة للتصويت بحجب الثقة عنها أو إسقاطها للذهاب لانتخابات جديدة كما توقع أن يحدث في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. بل إن الاستطلاعات خلال الأسبوع الأخير من أزمة حكومة روما وضعت اليمين المتطرف في وضع لا يحسد عليه بخسارة نحو 8 إلى 10 في المائة في عدد من الاستطلاعات التي أشارت إليها الصحافة الإيطالية أمس الخميس.

نقاط التقاء

ووفقا لما يرشح بعد أداء الوزراء الجدد لليمين أمام رئيس البلاد، مارتيللو، فإن "5 نجوم" والديمقراطي اتفقا على برنامج حكومي يتكون من 26 بندا. وتم العمل على التوصل إلى التسوية خلال نهاية الأسبوع المنصرم، حيث لبت بعض بنود الاتفاقية مطالب "5 نجوم" بالنسبة لـ"تلبية شرط الحد الأدنى من الأجور، وخفض ضريبة الدخل، ووقف الخطاب العدائي للحكومة السابقة بوجه الاتحاد الأوروبي".


وبهذه البنود، يسعى الطرفان المشكلان للائتلاف الحكومي "إلى إقناع المفوضية الأوروبية بضرورة تخفيف السياسة الاقتصادية التي ضغطت على روما"، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام في روما عن المؤرخ في جامعة لا سبينزا بروما، باولو بوريوني. واعتبر بوريوني أن الحكومة الجديدة ستسارع في انتهاج مبادرات لتعزيز النمو في البلد "فحتى ألمانيا لديها مشكلة في انخفاض النمو الاقتصادي، وذلك يتطلب أيضا أن يقوم الاتحاد الأوروبي بجهود لمساندة روما في مسألة الهجرة أكثر من السابق، والمسألتان، الاقتصادية والهجرة، تحتاجان لتنازلات من الطرفين، وإذا لم يحدث ذلك فمخاطر عودة ماتيو سالفيني ستزداد، والاتحاد الأوروبي بالتأكيد ليس من مصلحته ذلك، لكن يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع حزبا الحكومة الائتلافية الصمود معا؟".

وكما يلاحظ بوريوني، يرى العديد من المعلقين الإيطاليين والأوروبيين أن حركة 5 نجوم "أصبحت أكثر نضجا مع مرور السنوات، والحزب الديمقراطي انتقل من سياسة يسارية متصلبة إلى سياسة ذات توجهات مصالح الرعاية والرفاهية للمواطنين".

وبكل الأحوال، ستبقى أنظار المراقبين الأوروبيين مركزة خلال الفترة القادمة على سياسات الهجرة الإيطالية، كمؤشر على ما إذا كان قد جرى بالفعل التخلص من سياسات التطرف والتصلب التي انتهجها ماتيو سالفيني في السابق، وخصوصا رفضه المطلق فتح أي ميناء إيطالي أمام سفن الإنقاذ في المتوسط. فرغم أن الحكومة، في بنودها الـ26 التي اتقفت عليها، تؤكد على "استمرار مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر"، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه "التزامها بالمواثيق الدولية للهجرة واللجوء والتي أكدها رئيس الدولة، سيرجيو مارتيللا، في أكثر من مناسبة، بما فيها واجب إنقاذ السفن والمراكب التي تتعرض للغرق"، بحسب ما ذكر زعيم الحزب الديمقراطي، نيكولا زينغاريتي، الذي اعتبر في حديث لوكالة "إنسا" الإيطالية أن سياسة المنع من الرسو خلال الأشهر الماضية "سياسة غير إنسانية، ولم تحل أيا من مشاكل الهجرة".

وتبقى العقدة في هذا السياق ضمن صفوف حزب "5 نجوم"، الذي صوت سابقا لمصلحة تشديد سياسات سالفيني تجاه المهاجرين، وفي الوقت نفسه بات يشهد خلافات وانقساما داخليا كبيرا تجاه هذه القضية تحديدا، حيث عبر العديد من الأعضاء المستطلعين عن رغبتهم بانتهاج سياسة أكثر اعتدالا من السابق في قضايا المهاجرين واللاجئين. ​

دلالات