جدل الانتخابات في الجزائر: استعجال الجيش وتحذيرات المعارضة

جدل الانتخابات في الجزائر: استعجال الجيش وتحذيرات المعارضة

04 سبتمبر 2019
الحراك لا يمكن أن يسمح باستبعاد الشعب (العربي الجديد)
+ الخط -
يستعجل الجيش في الجزائر تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأثارت دعوة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح للتعجيل بدعوة الهيئة الناخبة، في 15 سبتمبر/ أيلول الحالي وتنظيم الانتخابات منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، جدلاً سياسياً لافتاً في الجزائر، تزامناً مع إطلاق الجيش تحذيرات من أي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي، مشدداً على أن الأزمة السياسية الراهنة في الجزائر تظل مسألة داخلية.

وحذّر قايد صالح، في خطاب جديد أمس الثلاثاء، هو الثاني له في ظرف يومين، ألقاه في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، من أن التطورات المتصلة بالراهن الجزائري غير قابلة لأي تدخل من أي طرف أجنبي. وقال إن "ما يحصل اليوم هو شأن جزائري يخصنا وحدنا، يقتضي حلولاً من واقعنا"، مشيراً إلى أن "تباين وجهات النظر لا يفسد للود قضية". وطالب كافة القوى السياسية والمجتمعية بـ"الوعي بحساسية المرحلة، واليقين بأن تبني الحوار النزيه هو واجب وطني تستلزمه المصلحة للوطن".

وتأتي تصريحات قايد صالح على خلفية جدل أثير أخيراً بشأن تصريحات نسبت إلى السفير الروسي في الجزائر إيغور بيليف، عقب لقائه الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" محمد جميعي، إذ نشر الحزب بياناً أكد فيه أن السفير قال إن الانتخابات هي الحل في الجزائر، قبل أن ينفي بيليف، في مؤتمر صحافي، إدلاءه بأي تصريحات تخص الشأن الداخلي الجزائري. واللافت أن هناك جموداً في المواقف الدولية إزاء الجزائر، إذ لم تصدر أي من الدول الغربية مواقف تخص الأزمة السياسية، خصوصاً أن المؤسسات الرسمية والحزبية أيضاً في الجزائر، إضافة إلى الحراك الشعبي، تبدي في الغالب حساسية لافتة من أي موقف أجنبي من الشأن الداخلي للجزائر.

وأشار قايد صالح إلى أنه يتعين توظيف كل الحلول لتجاوز الأزمة بسلام، و"التوصل إلى حلول من دون تعصب أو مكابرة". وواصل التهجم على قوى معارضة لمواقفه، كان قد وصفها في خطاب الإثنين الماضي بـ"المرفوضة شعبياً". وقال أمس إنه "يتعين على الجميع اليقين بأن الحوار العقلاني، والعمل على إنجاحه، والابتعاد عن السلبية والمهاترات وسياسة تثبيط العزائم واجب وطني تستلزمه المصلحة العليا للبلد". واتهم قايد صالح قوى سياسية معارضة بأنها تغلب أنانيتها السياسية، معتبراً أن "هذه الأنانية التي أعمت بصيرة أولئك الذين لا يعرفون قيمة هذا البلد وشعبه ويحترفون التضليل والتدليس. الأكيد أن مشاريع ومخططات هذه الشرذمة الضالة لا تصُب في مصلحة الوطن والشعب، وسيكون مآلها الفشل حتماً"، مشيراً إلى أن الجيش لديه كل القناعة الراسخة بإمكانية تجاوز الوضع الراهن الذي تعيشه الجزائر.


لكن خطاب قائد الجيش، أمس الثلاثاء، الذي تزامن مع تجدد تظاهرات الطلبة الداعمة للحراك الشعبي، كان أقل إثارة للجدل من خطاب الإثنين الماضي، الذي طالب فيه بدعوة الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر، ما يعني تنظيم الانتخابات في حدود منتصف ديسمبر المقبل. وهي الدعوة التي لقيت ردود فعل متباينة. ففيما رحب حزبا السلطة، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، بموقف الجيش، استهجنت غالبية القوى السياسية تدخّل العسكر في اقتراح أجندة زمنية للانتخابات، وهي إضافة إلى كونها تجاوزاً لصلاحيات مخولة حصرياً لرئيس الدولة المخول له دستورياً دعوة الهيئة الناخبة، فإن رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، اعتبر في تصريح للصحافيين أن الدعوة فيها تسرع، على اعتبار أن فترة الثلاثة أشهر لن تكون كافية لإنهاء الترتيبات المتعلقة بالانتخابات، والمتمثلة أساساً بتصحيح مسار الحوار السياسي وتعديل قانون الانتخابات، لنقل صلاحية تنظيمها من وزارة الداخلية إلى هيئة عليا مستقلة.

خارج هذه القراءة السياسية، يقرأ الناشطون الميدانيون في الحراك الشعبي في خطابات قائد الجيش تموضعاً للمؤسسة العسكرية في قلب المعترك السياسي، وخارج الهوامش الدستورية المتاحة لها، وتعبيراً فعلياً عن موقف ينطلق فيه الجيش من منطق الوصاية على الدولة، بما يتيح له رسم المسارات السياسية وإحباط أية مسارات لا يرى أنها توافق طروحاته وتقديراته. وتضع المواقف الأخيرة ضمن مساعٍ لفرض خارطة حل سياسي على الجزائريين. ويعتقد الناشط البارز في الحراك الشعبي سمير بلعربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المؤسسة العسكرية لم تقتنع بثورة وحراك الشعب الجزائري، وليست مستعدة للتنازل عن الحكم. بعد 57 سنة من الاستقلال تحاول اليوم تمرير مخطط جديد بفرض انتخابات رئاسية، لوضع رئيس يضمن استمرار تحكم الجيش في زمام الوضع العام في البلاد". ويذهب بلعربي أبعد من ذلك، حين يقول إن "التدخل المباشر المتكرر والمتناقض لرئيس الأركان دليل على الحكم العسكري المباشر في الجزائر بعد استقالة (عبد العزيز) بوتفليقة".

وبقدر ما أثار خطاب قايد صالح جدلاً حول تجاوزه صلاحيات رئيس الدولة، المخول دستورياً تحديد الأجندة الزمنية للانتخابات، فإن هناك من يقرأ في ذلك إمكانية وجود خلفيات أخرى لهكذا خطوة، تتعلق بالغياب السياسي لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح، والذي لم تقنع خطاباته الثلاث التي ألقاها منذ تعيينه في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، وبالإخفاق اللافت لهيئة الحوار في إقناع المجتمع السياسي والحراك الشعبي بالحوار، وبالخلاصات السياسية المقترحة لحل الأزمة. وفي السياق، يعتقد أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة أن فشل الهيئة في تسويق خارطة الطريق الوحيدة المقبولة لدى صنّاع القرار، وفشلها في إقناع القوى الوازنة في الحراك والطبقة السياسية بعرض السلطة الفعلية كما هو بلا مرفقات تهدئة ولا تنازلات تطمئن المشككين وتعيد شيئاً من الثقة المتهالكة في مبادرات السلطة، قد يكون الدافع وراء الخطوة التي أقدم عليها قائد الجيش بطرح أجندة زمنية للانتخابات.

وبقدر ما يعتبر بوعمامة أن استدعاء قائد الجيش للهيئة الناخبة من الناحية الشكلية والإجرائية "إهانة صريحة لبن صالح، وإنهاء لعمل اللجنة حتى قبل أن تنهي عملها، وأخطاء ساذجة لا تُشعرك بأن المجموعة التي تدير الحكم في الوقت الحالي تسير باقتدار وحرفية مرحلة هي من أدق مراحل تاريخ البلد"، فإنه يدرج خطوة كهذه ضمن ما يصفه محاولة الجيش استباق أزمة أكثر تعقيداً، بحسب تقديرات المؤسسة العسكرية، برغم أنها قد تتسبب أيضاً في خلق مأزق وأزمة جدية. ويقول: "ربما يعتقد العقل المفكر لأسياد اللحظة أنه بهذه الخطوة يستبق مأزقاً أكبر في حال الإقرار بفشل مسعى اللجنة. وقد يتصور أن موازين القوى، كما هي عليه، تتيح له تمرير خياراته من دون الالتفات كثيراً لرأي المخالفين والمترددين". ويحذّر من أن مواقف كهذه وخطوات سياسية غير محسوبة "ستزيد، ولا شك، في اتساع المسافة بين الحراك والجيش، حيث أن فكرة أن النظام سيذهب إلى انتخابات يستعملها لإحداث تغيير داخله يؤمن له إنتاج ذاته من جديد، ستحظى بمؤيدين أكثر". ويضيف أن "الحراك لا يمكن أن يسمح باستبعاد الشعب مرة أخرى، واعتباره عنصراً هامشياً في حسابات السلطة، لأن ذلك الزمن قد مر، والتفكير في إمكانية تمرير أي خطة من دون تأييد مريح من عموم الجزائريين سيكون مخاطرة عالية". ويلفت إلى أن "الانتخابات في سياقات التحول السياسي ليست فقط آلية لاختيار الحكام، هي أيضاً عملية تأسيسية لإعادة بناء منظومة الحكم على قواعد وممارسات مغايرة تقطع مع الماضي، ويفترض أن تأتي بنخب جديدة. وللأسف إذا لم يُعد أصحاب القرار تقدير الموقف باتجاه توفير شروط الانتقال التوافقي، حتى بالاحتفاظ بالانتخابات كحجر زاوية فيه، فلن يستطيعوا على الأرجح إقناع الجزائريين وكسب تأييدهم لإنجاح مسعى الحل".

بمنطق الجيش فإن حسم الأزمة يمكن أن يتم في غضون ثلاثة أشهر من الآن، عبر ممر الانتخابات. وبالنسبة للحراك الشعبي وقوى المعارضة، فإن التعجيل بالانتخابات، دون توفير الترتيبات السياسية والتنظيمية الضرورية وتغيير الحكومة الحالية، لا يمكن إلا أن يؤدي بهذه الانتخابات لأن تلقى نفس مصير الإجهاض الذي عرفته انتخابات 18 إبريل والرابع من يوليو/تموز الماضيين.