عملية نجران: رسائل حوثية للسعودية

عملية نجران: رسائل حوثية للسعودية

30 سبتمبر 2019
لم تستطع الرياض وقف الهجمات على حدودها(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
تتكشف تباعاً تفاصيل العملية التي أعلنت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) تنفيذها في جبهة الحدود اليمنية السعودية، وأدت بحسب الحوثيين إلى أسر أعداد كبيرة من أفراد قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية والقوات السعودية، إضافة إلى سقوط مئات الضحايا من الطرفين، فيما يدل تأخر الحوثيين في الإعلان عن هذه العملية، لشهر تقريباً، وبعد أكثر من أسبوع على إعلانهم وقف أشكال الهجمات كافة تجاه السعودية، على أن الإعلان يأتي في إطار رسائل الضغط التي توجّهها الجماعة ومن خلفها طهران، للرياض، بأنها المتحكمة بالوضع وتستطيع توجيه ضربات قاسية لها، في موازاة إعادة بعض اليمنيين، تأخر الإعلان إلى كون الخسائر التي وقعت كانت كبيرة من الطرفين.

وكشفت مصادر قريبة من قوات الجيش اليمني، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل بشأن العملية التي أعلن الحوثيون عن تنفيذها وقالوا إنها في جبهة نجران، غير أنها جرت وفق المصادر في منطقة وادي آل جبارة في مديرية كتاف بمحافظة صعدة، أواخر أغسطس/آب الماضي. ووفقاً لمصادر، بدأت العملية بتقدّم المئات من أفراد القوات اليمنية التي تدعمها السعودية إلى جانب قوات سعودية محدودة العدد، مسافة كيلومترات عدة في وادي آل جبارة بصعدة، من دون أن يكون التقدّم محكوماً بخطة عسكرية واضحة المسارات، قبل أن ينفذ الحوثيون التفافاً ناجحاً، ويطبقون الحصار على هذه القوات التي سقطت بين قتيل وجريح وعدد كبير من الأسرى، فيما تم إنقاذ أعداد من الموجودين في بعض المناطق بتدخّل من القوات السعودية.

وفي التفاصيل، فإن القوات المتقدمة من "لواء الفتح" المعروف أيضاً بـ"لواء الوحدة"، ويقوده قيادي سلفي مدعوم من السعودية، يُدعى رداد الهاشمي، إلى جانب معلومات عن سَريَة من القوات السعودية، تعرضت لعملية التفاف من الحوثيين، وقُطعت عنها الإمدادات لأيام، بما جعل من ينجو منهم من القذائف الحوثية، عرضة للموت جوعاً وعطشاً، في حين فشل التحالف بقيادة السعودية طوال هذه الأيام، في كسر الحصار أو تقديم إمدادات جوية، غذائية على الأقل، على الرغم من الغارات الجوية الكثيفة التي نفذها في المنطقة، في ظل تباين المعلومات بشأن مصير الأسرى، إذ تحدثت بعض مصادر الشرعية عن تحرير أعداد منهم واستعادة السيطرة على المنطقة في وقتٍ لاحق، في مقابل إعلان الحوثيين عن أن الأسرى بـ"الآلاف" في أيدي الجماعة.

وأظهرت مقاطع فيديو بثها الحوثيون للأسرى، إلى جانب شهادات أخرى مسربة، تفاصيل مرعبة، تشير إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى وعدد أكبر من الأسرى في أيدي الحوثيين، إلى جانب آليات عسكرية استولت عليها الجماعة، التي أجّلت الإعلان عن تفاصيل العملية لمدة شهر كامل، بعد أن نشرت منذ أسابيع، مقاطع فيديو لبعض الأسرى وهم يدلون بشهادات عن الواقعة، ويتحدثون عن معلومات صادمة في ما يرتبط بتعامل السعوديين مع الجنود اليمنيين الموالين للشرعية في الحدود، وبدفعهم إلى التقدّم من دون خطة ميدانية واضحة الملامح، تحمي ظهورهم من نيران الحوثيين وكمائنهم.

في السياق، تشير المعلومات المتواترة من قوات الشرعية، والتي تعززها بعض الصور المنشورة من الحوثيين لضحايا سقطوا في المنطقة، إلى أن جماعة "أنصار الله" تكبّدت هي الأخرى خسائر كبيرة، بما في ذلك مقتل قيادات خلال معركة آل جبارة، منها الاعتراف بمقتل قائد محور كتاف، العميد أمين الحميري، والذي شغل أيضاً منصب قائد الشرطة العسكرية في محافظة صعدة، وهو ما يشير إلى أن المعركة كانت مكلفة، وسقطت فيها أعداد كبيرة من القتلى من الطرفين خلال أيام معدودة.


في السياق نفسه، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في مؤتمر صحافي في صنعاء أمس، عن تفاصيل العملية الميدانية، وقال إنهم نفذوا عملية أطلقت عليها الجماعة "نصر من الله"، على عدة مراحل، في الحدود مع السعودية، وإنها نفذت تسع عمليات متزامنة استهدفت مقار وقواعد عسكرية منها مطارات تقلع منها "الطائرات المعادية"، إلى جانب تنفيذ 20 عملية بالطائرات المسيّرة "أربكت العدو" على حد وصفه، منها "عملية على هدف عسكري حساس في الرياض". وأشار سريع إلى وقوع المئات بين قتيل وجريح، بينهم نحو 200 قتيل من القوات اليمنية، قضوا بغارات جوية للتحالف أثناء محاولتهم الفرار أو الاستسلام، وقال إنهم أسروا نحو ألفي مقاتل، أغلبهم من اليمنيين أو من وصفهم بـ"الخونة والمخدوعين"، مضيفاً أن هناك أسرى من جنسيات أخرى. واتهم التحالف بتنفيذ "إبادة جماعية" للأسرى الذين وقعوا في صفوفها، وقال إن التحالف نفذ ما يصل إلى 300 غارة جوية خلال 72 ساعة، أثناء تنفيذ الجماعة للعملية. وزعم السيطرة على 350 كيلومتراً مربعاً في محور نجران جنوب السعودية، خلال العملية. وقال إن الجماعة "حررت 350 كيلومتراً مربعاً في المرحلة الأولى من عملية نصر من الله، بما فيها مواقع ومعسكرات وسقوط ثلاثة ألوية في محور نجران السعودية". وأضاف أن "عناصر وطنية متعاونة اضطلعت بدور مهم من داخل صفوف قوات التحالف".

وفي الوقت الذي تقر فيها المصادر القريبة من الحكومة بوقوع خسائر كبيرة، بالمئات بين قتيل وجريح وأسير في أيدي الحوثيين، تشكك بالأرقام التي تتحدث عنها الجماعة، وتشير أيضاً إلى تكبد الحوثيين خلال المعركة ذاتها خسائر كبيرة، جراء الضربات الجوية التي نفذها التحالف.
وكان سريع قال السبت إن العملية أسفرت عن "سقوط ثلاثة ألوية عسكرية من قوات العدو بكامل عتادها العسكري ومعظم أفرادها وقادتها"، وكذلك "اغتنام كميات كبيرةٍ من الأسلحةِ تضم مئات الآليات والمدرعات"، بالإضافة إلى "وقوع آلاف في الأسر" معظمهم ممن وصفهم بـ"الخونة والمخدوعين"، (إشارة إلى اليمنيين)، وقال إن "من بين الأسرى أعداداً كبيرة من قادة وضباط وجنود الجيش السعودي".

وتُشكل هذه العملية فضيحة عسكرية للتحالف السعودي الإماراتي، فيما ساهم الانقلاب الإماراتي في عدن ومحيطها، بحرف الأنظار عن الواقعة. الجدير بالذكر، أن الشريط الحدودي لمحافظتي صعدة وحجة اليمنيتين مع السعودية، بقي ساحة حرب لا تكاد تهدأ حتى تعود، بين الحوثيين وحلفائهم من جهة، وبين القوات السعودية التي تنفذ الجماعة محاولات اختراق لمواقعها في الجانب السعودي، وكذلك القوات اليمنية التي تقدمت من الجانب السعودي على أكثر من محور، من جهة أخرى. وعلى الرغم من أولوية الملف الحدودي بالنسبة للحرب السعودية، إلا أن التطورات الحدودية تضع الأخيرة في إحراج متزايد، جراء فشلها في تأمين "الحد الجنوبي" على الرغم مما يزيد من أربع سنوات من الحرب.