قضية الصحراء: هدنةٌ في الجمعية العامة بانتظار مجلس الأمن

قضية الصحراء: هدنةٌ في الجمعية العامة بانتظار مجلس الأمن

29 سبتمبر 2019
وصف العثماني نزاع الصحراء بالمفتعل (جوهانس إيزيل/فرانس برس)
+ الخط -

تميّزت التحركات الدبلوماسية التي شهدتها أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة طيلة الأسبوع الماضي في نيويورك، بهدوءٍ نسبي مقارنةً بالمواجهات المعتادة حول نزاع الصحراء المغربية، إذ كانت الصدامات بين المغرب وحلفائه من جهة، وجبهة "البوليساريو" وأنصارها من جهة أخرى، أقل حدة من المعتاد.

وجاء هذا الهدوء قبل أيام قليلة من عودة مجلس الأمن الدولي إلى فتح ملف الصحراء، إذ يُنتظر أن يخصص جدول أعماله الخاص بشهر أكتوبر/تشرين الأول، عدداً من الجلسات لمناقشة هذا الملف، على اعتبار أن مدة ولاية بعثة الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار، تنتهي نهاية الشهر المقبل.


كما ينتظر أن تكشف الأمانة العامة للأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة، عن اسم المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام إلى الصحراء. وبات هذا المنصب شاغراً منذ أن استقال منه الرئيس الألماني الأسبق، هورست كوهلر، في مايو/أيار 2019.

وفي الوقت الذي جرت فيه تلك الاستقالة في سياق الدخول القوي لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، على خطّ إدارة الأمم المتحدة لنزاع الصحراء، جاءت إقالة الأخير من منصبه يوم 10 سبتمبر/أيلول الحالي، لتخفّف من الضغوط المحتملة على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بخصوص اختيار مبعوثه الشخصي الجديد.

ويصب هذا الهدوء النسبي في مصلحة المغرب، باعتباره الطرف القوي على الأرض، إذ يسيطر على الجزء الأكبر من الصحراء، وهو الطرف الذي يحاول دائماً إبقاء الموضوع داخل قاعة اجتماعات مجلس الأمن الدولي، بينما تحاول جبهة "البوليساريو" عادة البحث عن تصعيد الملف وطرحه أمام الجمعية العامة واللجان المنبثقة عنها، علماً أن الجبهة التي تأسست في السبعينيات وتتخذ من الجزائر مقراً لها، ليست عضواً في هيئة الأمم المتحدة.

وكان رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، قد شدد في الكلمة التي ألقاها يوم الأربعاء الماضي باسم المملكة أمام الجمعية العامة، على أن سيادة بلاده الكاملة على أقاليمه الجنوبية (الصحراء) غير قابلة للمساومة، وأن المملكة تسعى لإيجاد حلٍّ سياسي ونهائي لهذا النزاع الذي وصفه بالمفتعل. كما شدد على أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب كمقترح لحل النزاع هي "الحل لوضع حد نهائي لهذا النزاع المفتعل".

من جهته، كرر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، مساء الجمعة الماضي، في الكلمة الرسمية التي ألقاها باسم بلاده أمام الجمعية العامة، التعبير "عن أسفنا لعدم تحقق الديناميكية التي توقعها الأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء الغربية، كما نأسف لاستقالة مبعوثه الشخصي هورست كوهلر". وعبّر الوزير الجزائري في فقرة قصيرة خصصها للموضوع عن تمنياته في "أن تسود روح الحوار بين الأشقاء في المملكة المغربية وجبهة البوليساريو من أجل التوصل إلى الحل النهائي الذي يضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة".

وعلى الرغم من ترديد الطرفين الأساسيين في هذا النزاع، كل من المغرب والجزائر، مواقفهما المتناقضة المعتادة خلال أعمال الجمعية العامة، إلا أن المواجهة الدبلوماسية كانت أقل حدة. ولفتت أنظار المراقبين الجلسة التي عقدها الجمعة، مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي يتولى المغرب رئاسته حالياً، إذ جلس وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، جنباً إلى جنب مع المفوض الأفريقي لشؤون الأمن والسلم، الدبلوماسي الجزائري اسماعيل شرقي. وكان هذا الأخير إلى وقت قريب يعتبر الخصم الأول للمغرب داخل الهيئات المسؤولة للاتحاد الأفريقي، باعتبار أنه كان يقف وراء التقارير الخاصة بملف الصحراء التي كان مجلس الأمن والسلم الأفريقي يصدرها، والتي كانت تهاجم المملكة بشدة، خصوصاً أن الرباط لم تكن عضواً في الاتحاد الأفريقي لغاية العام 2017.

ومقابل مشاهد المواجهات الدبلوماسية القوية التي كانت تدور بين إسماعيل شرقي والوفود المغربية خلال قمم الاتحاد الأفريقي منذ حصول المملكة على العضوية في يناير/كانون الثاني 2017، أبدى الدبلوماسي الجزائري هذه المرة موقفاً إيجابياً تجاه المبادرة المغربية لاستدعاء مجلس الأمن والسلم الأفريقي للاجتماع على المستوى الوزاري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأدلى بتصريحات للقنوات التلفزيونية المغربية الرسمية، في تطوّر ملفت.

من جهتها، عبّرت الدولتان المجاورتان للمغرب، والمعنيتان بملف الصحراء، أي كل من إسبانيا وموريتانيا عن مواقف محايدة، ما يخدم المصالح المغربية. وإسبانيا عضو في ما يعرف بمجموعة دول أصدقاء الصحراء، فيما شاركت موريتانيا في جولتي جنيف (حول الملف) اللتين انعقدتا في ديسمبر/كانون الأول ومارس/آذار الماضيين برعاية الأمم المتحدة.

ولم يتطرق الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى ملف الصحراء، ما يعتبر خسارة لجبهة "البوليساريو"، التي تسعى إلى استعادة الدعم الموريتاني الذي حصلت عليه في فترات سابقة. من جهته، تخلى رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بشكل تام عن الإشارة إلى ضرورة تطبيق مبدأ تقرير المصير في الصحراء، وهو المبدأ الذي يعتبر المغرب أنه جرى تطبيقه بالكامل حين استرجع إقليمه المستعمر سابقاً من قِبل إسبانيا، ما يعكس تحولاً كبيراً في خطاب مدريد حول هذا النزاع. كما شدّد سانشيز على ضرورة حلّ النزاع عبر المسلسل الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة، ما يعاكس مطالب خصوم المغرب بمنح الاتحاد الأفريقي دوراً أكبر في هذا الملف، وهو الذي كان مصدراً لمواقف معادية للمملكة في السابق.