جثث العراق المجهولة... تحرّك برلماني للكشف عن هويات الضحايا

جثث العراق المجهولة... تحرّك برلماني للكشف عن هويات الضحايا

20 سبتمبر 2019
تعرض بعض الجثث للتعذيب(الأناضول)
+ الخط -
للشهر الثاني على التوالي تتواصل الإعلانات عن دفن جثث جديدة في العراق تحت عنوان "مجهولة الهوية"، دون الكشف عن أسماء الضحايا وسبب مقتلهم أو مكان العثور عليهم، والمشتبه بقتلهم وسبب تجميعهم. واللافت أيضاً أن الجثث تصل على دفعات تصل إلى 100 جثة في الدفعة الواحدة وتدفن دون حتى تنفيذ القانون القاضي باستدعاء ذوي المفقودين والسماح لهم برؤية أي جثة يعثر عليها عسى أن يتعرفوا على فقيدهم.

والشهر الماضي كشف عن دفن نحو 200 جثة على دفعتين، واحدة بواقع 75 جثة، وأخرى بواقع 125، ودفعة ضمت 31 جثة مجهولة، ليعلن مجلس محافظة كربلاء قبل يومين تسلم 40 جثة جديدة قادمة من بغداد ودفنها على أنها مجهولة الهوية، دون معرفة تفاصيل عن هويات أصحابها أو مكان قتلهم.

وقالت الحكومة المحلية في محافظة كربلاء، إنّها دفنت دفعة ثانية مجهولة، دون الإفصاح عن توضيحات إضافية عن مصدر الجثث وأصول القتلى الذين قيل إن بعضهم تعرض للتعذيب وبتر الأطراف قبل عملية القتل رمياً بالرصاص.

وأخيراً، أكد العضو بالمجلس المحلي في كربلاء نافع داوود، الأربعاء الماضي، أنه تم دفن 40 جثة "مجهولة الهوية" في مقبرة "وادي السلام"، مبيناً في تصريحات صحافية أن "مديرية صحة كربلاء تتولى غالباً الفحص الطبي وجمع المعلومات حول الجثث التي تم العثور عليها"، مرجحاً في الوقت ذاته أن "الجثث تم نقلها من مدن أخرى ودفنها في كربلاء"، دون تفاصيل أخرى.


أسئلة بلا أجوبة

واقعياً، يتجنب المسؤولون العراقيون في الحكومة التطرق إلى هويات الضحايا أو حتى ملابسات قتلهم، وهي أسئلة يوجهها العراقيون منذ مدة بلا جواب، مثل من هم ومن قتلهم؟ ولماذا قتلوا؟ وأين قتلوا؟ ولماذا يدفنون بشكل جماعي؟ ولماذا لا يفتح تحقيق بقتلهم ولا يجري لهم فحص الحمض النووي مثل الآخرين؟

وتوجه اتهامات إلى مليشيات مرتبطة بإيران بارتكاب عمليات قتل وتغييب بحق المئات من أبناء جرف الصخر ومناطق أخرى في جنوبي بغداد وبالقرب منها.

وبحسب عضو في البرلمان العراقي، فإن أعضاء من عدة كتل باشروا حراكاً لإلزام الحكومة بالكشف عن هويات قرابة 300 جثة تم دفنها خلال الشهرين الماضيين تحت عنوان "جثث مجهولة الهوية".

وأكد عضو في تحالف القرار العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن عملية الدفن بهذا الشكل تتطلب الإجابة عن عدة أسئلة بشأن الضحايا ومن قتلهم ولماذا يتم دفنهم بهذا الشكل؟ وأين كانوا طيلة هذا الوقت؟ وأين عثر على جثثهم؟ ولماذا لا يعلن عنهم بشكل شفاف ويجري تحقيق قضائي وتؤخذ منهم عينات من الحمض النووي؟

ولفت عضو التحالف إلى أنّ "الحكومة وأجهزتها الأمنية تخفي شيئاً حول الموضوع"، موضحاً أنه "لو كانوا ضحايا داعش لتم الإعلان عنهم، لكن بما أن الضحايا تمت معاملتهم بهذا الشكل فهم قتلوا على يد مليشيات معروفة".

بدورها، أكدت مصادر من محافظة كربلاء في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجثث الأخيرة وصلت إلى المدينة بالطريقة السابقة ذاتها. حيث تصل بسيارة مجهولة إلى مكتب منظمة إنسانية معنية بإغاثة المحتاجين أو المرتبطة بالأعمال الخيرية، وبالتالي تتكفل المنظمة بإيصالها إلى الجهات المعنية، ولأن محافظة بابل خالية من المقابر، يتم إبلاغ الحكومة المحلية في كربلاء بشأن الجثث".

وأشارت المصادر إلى أن "محافظة كربلاء خصصت قطعة أرض من أجل دفن الجثث الأخيرة، وهي لأكثر من 30 جثة، وتعود بمعظمها لرجال، وبينهم 3 شبان تراوح أعمارهم ما بين 12 و18 عاماً".


تورط المليشيات

من جهته، أشار عضو المجلس المحلي في محافظة بابل بدر الجنابي، إلى أن "غالبية الجثث تابعة لرجال تم قتلهم في منطقة جرف الصخر والحامية التابعتين لقضاء المسيب، شمال بابل، وهي تعود لمختطفين معظمهم من المناطق المحررة، وتعاملت معهم حكومة كربلاء على أنهم مجهولو الهوية".

وأكد عضو المجلس المحلي، لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات التي وصلتنا، تؤكد أن بعض الجثث مقطعة الأوصال، ولم نتأكد لغاية الآن من هويات أصحاب الجثث ومناطقهم الأصلية".

من جهته، قال النائب في البرلمان أحمد الجبوري، إن "ملف المغيبين لم ينته، وما زالت أعداد كبيرة من الأبرياء المختطفين بواسطة مليشيات في السجون لم يتم إنصافهم حتى هذه اللحظة".

وأضاف الجبوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المسؤولين العراقيين ينكرون معرفتهم بمصير آلاف المغيبين، مع العلم أن أصغر طفل عراقي يعلم بوجودهم في جرف الصخر، إلا أن الحكومة غير قادرة على مواجهة المليشيات التي تستقر في المدينة، وحوَّلتها إلى مستودعات للأسلحة والسجون ومقر لعمليات تجارية لم نتأكد منها لغاية الآن، ولكن هناك حديثا عن تحويل البلدة إلى مزرعة مخدرات كبيرة".

وكان نائب رئيس لجنة الهجرة والمهجرين البرلمانية، أحمد السلماني، قد أوضح، لـ"العربي الجديد"، أنه "اعتقل نحو ثلاثة آلاف شخص عند حاجز تفتيش الرزازة، الذي كان المنفذ الوحيد لأبناء محافظة الأنبار أثناء النزوح، نهاية 2014 ومطلع 2015، إذ كان يتم اعتقال الشبان من كل عائلة تأتي من الأنبار، وإن هذه المعلومات حصل عليها من 65 شخصاً تم إطلاق سراحهم من منطقة جرف الصخر، وتحدثوا عن أبشع أنواع التعذيب الذي تعرضوا له في سجون حزب الله العراقي في جرف الصخر".

وقال حينها إن "السجون هي عبارة عن مدارس ودوائر مهجورة للدولة، ومنازل للمواطنين السنة وحقول لتربية الدواجن".

وبحسبه، فإن "سبب خطفهم من قبل المليشيات في البداية أنهم كانوا في مناطق سيطرة داعش، والمشكلة أنهم يحسبون (المليشيات) كل المواطنين الذين كانوا في مناطق الأنبار من داعش، وباستطاعة الأجهزة الاستخبارية التدقيق بأسماء المواطنين، لأن المخطوفين شخصيات معروفة في مناطقهم"، متهماً في الوقت ذاته "حزب الله بالوقوف وراء أغلب عمليات الخطف والإخفاء القسري في الأنبار، ومليشيات العصائب في محافظة صلاح الدين، ومليشيات بدر في ديالى، فيما تتورط فصائل مختلفة في عمليات الخطف في مناطق أخرى".

وتركزت عمليات الخطف التي قامت بها المليشيات في مناطق مختلفة من الأنبار وصلاح الدين وبابل وبغداد ونينوى وديالى وكركوك وحزام بغداد، خلال الأعوام 2015 و2016 و2017. أما أبرز هذه المليشيات فهي "العصائب"، و"الخراساني"، و"حزب الله"، و"الإمام علي"، و"بدر"، و"النجباء"، و"البدلاء"، و"أبو الفضل العباس"، وفصائل أخرى أصغر حجماً.


وسبق أن فجّرت تصريحات زعيم مليشيات "أبو الفضل العباس"، أوس الخفاجي، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، غضباً شعبياً واسعاً في العراق، وإحراجاً للحكومة في الوقت ذاته. وقال الخفاجي، ردّاً على سؤال عن سبب اختطاف المواطنين العراقيين، خلال لقاء مباشر على الهواء في محطة فضائية عراقية محلية، "إنهم ليسوا ملائكة"، معتبراً أن وجودهم لدى "الحشد الشعبي" يأتي لكون "الحشد من ضمن المؤسسة الأمنية العراقية"، وذلك تعليقاً على سبب عدم تسليمهم إلى الحكومة لمحاكمتهم وفق القانون والدستور العراقيين، وهو ما اعتبر اعترافاً بوجود المختطفين لدى المليشيات.

وعلى الرغم من تمكن قوات عراقية ومليشيات من استعادة السيطرة على جرف الصخر نهاية عام 2014، إلا أن فصائل مسلحة ترفض عودة السكان إلى البلدة منذ نحو 5 سنوات.

دلالات