فضيحة "الوجه الأسود" لترودو: الليبراليون الكنديون في أزمة

فضيحة "الوجه الأسود" لترودو: الليبراليون الكنديون في أزمة

21 سبتمبر 2019
اعتذر ترودو للكنديين عن الصورة المتداولة (برتران غاي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تشفع الكاريزما التي يتمتع بها رئيس الوزراء الكندي الشاب جاستن ترودو، وأداؤه الليبرالي، في المجتمع، وإلى حدّ ما في السياسة، والذي جاء في وقت متوازٍ تقريباً مع صعود نجم دونالد ترامب في الولايات المتحدة، في أن يفلت من مصيدة الفضائح، خصوصاً تلك التي تأتي على أبواب استحقاق الانتخابات العامة الـ43 لكندا، المقررة في 21 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والتي يسعى فيها ابن السياسي الكندي الشهير بيار ترودو لولاية ثانية. وإذا كانت نتائج استطلاعات الرأي لا تزال متعادلة بين الحزب الليبرالي برئاسة ترودو، والمحافظين برئاسة أندرو شير، ما يسمح لرئيس الوزراء باستعادة بعض النفس إثر الفيديو الذي أظهر صورته أيام الجامعة بوجهٍ أسود في زي تنكري، فإن الحملة الانتخابية لترودو، والتي تبدو مركزة على انتقاد الحزب المنافس ليس إلا، يشوبها كذلك ثقل الوعود التي لم يتمكن السياسي الكندي، ابن الـ47 عاماً، من تحقيقها، ولا سيما أنه لم يعد "الوجه الجديد"، الذي استطاع في عام 2015 جذب أصوات ملّت من حكم المحافظين منذ بداية الألفية الثالثة.

وكان الاندماج شعار ترودو خلال حملته الأولى، في وجه المحافظين وزعيمهم آنذاك ستيفن هاربر. وفي بلدٍ يعتبر المقصد الأول للطامحين بالهجرة من بلدانهم، من كل أصقاع الأرض، وحتى من أوروبا، بدا هذا الشعار المحرك الأول لانتخاب السياسي الليبرالي الشاب، في وجه حملة هاربر، الذي كان يعتزم تطبيق تعديلات متشددة على نظام الهجرة، وعلى آلية الحصول لاحقاً على الجنسية الكندية، بالإضافة إلى عناوين أخرى شدّت التيار التقدمي في البلاد، لا سيما المتعلقة بالبيئة والمناخ وحقوق المثليين، وكذلك بالوعد الانتخابي له بتغيير قانون الاقتراع والذي يطمح الليبيراليون لجعله على طريقة النسبية.

وكان زعيم الحزب الليبرالي الكندي، قد تمكن من انتهاج سياسة هجرة متوازنة، عزّزتها الحرب السورية التي سمحت له بتصدير صورته إلى العالم وهو يستقبل العائلات السورية اللاجئة في مطار مونتريال، وهي بالدرجة الأولى صورة تسويقية للشاب الذي يتقن فنّ الحملات الانتخابية، حتى في غير حينها، علماً أن كندا لم تكن على لائحة الدول الأوائل في استيعاب اللاجئين السوريين، وكانت معايير انتقائها لهم حتى في زمن الحزب الليبرالي، قاسيةً، مقارنة بما انتهجته ألمانيا على سبيل المثال، ومقارنة بجحم المأساة التي عاشها السوريون، والكارثة الإنسانية التي حلّت بهم.
كما حقق ترودو إنجازات مهمة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما مع معدل بطالة مستمر بالانخفاض، وكذلك تحسينات أساسية في الحقل الجندري، والتشريع الترفيهي لمادة القنب.

وبالعودة إلى شعار الاندماج، تبدو الصورة التي انتشرت لترودو أخيراً متنكراً بشكل رجل أسود، خلال حفل مدرسي في عام 2001 (علماً أنه اعتذر عنه، وقال إنه كان يتنكر بزي علاء الدين)، الأقسى على حملته الانتخابية التي انطلقت في 11 سبتمبر/أيلول الحالي. لكن زعيم الليبراليين لم يكن بمنأى طوال الفترة الماضية عن العواصف السياسية، التي أضرّت بصورته كوجه تقدمي. وشكّلت أزمة مشروع خط أنابيب "ترانس ماونتن" صداعاً للسياسي الكندي، الذي وافق على ضخ أكثر من سبع مليارات من الدولارات الكندية في مشروع يهدف إلى زيادة القدرة من 300 ألف برميل نفط في اليوم إلى 890 ألفاً يومياً، من مقاطعة ألبرتا، قلب صناعة النفط الكندي، إلى بورنابي في مقاطعة بريتيش كولومبيا. وأحدث المشروع انقساماً حاداً بين الكنديين، استمر لوقت طويل، حتى قبل مجيء ترودو، وأعاق عمل سلفه هاربر، مشعلاً احتجاجات واسعة ونزاعاً بين المقاطعات، خاصة لجهة آثاره المدمرة على الحياة البيئية، في اليابسة و"الهادئ".

ولا يزال مشروع "ترانس ماونتن"، الذي كان ترودو قد أعطى الضوء الأخضر له في عام 2016، قيد الصراع السياسي والشعبي، وقيد المتابعة القانونية. لكن في ظلّ تلك المعمعة، وفي ظلّ الأهمية التي يوليها الكنديون إجمالاً للبيئة، عمد رئيس الحكومة إلى اتخاذ خطوة انتحارية أكبر في هذا الإطار، من قيام الحكومة بشراء خط الأنابيب من شركة "كيندر مورغان" في ولاية تكساس الأميركية (4 مليارات دولار كندي)، والتي كان منزعجة من حجم الجدل واللايقين الذي يثيره المشروع (كان المشروع محل جدل منذ عهد باراك أوباما وستيفن هاربر في كلا البلدين). وبررت حكومة ترودو، المصممة على المشروع، عملية الشراء، بأنها "مصلحة حيوية" لكندا.

وإضافة إلى مشروع "ترانس ماونتن"، يواجه ترودو فضيحة من نوع أخلاقي، بعدما وجدت مجموعة مراقبة معنية بمراقبة الأخلاق السياسية، أنه خرق القواعد الفيدرالية لتضارب المصالح من خلال محاولة التأثير على وزير سابق في ما يتعلق بمحاكمة شركة هندسة كندية معروفة، هي "أس إن سي – لافالان".

إلى ذلك، لا يزال تمسّك كندا بصفقة سلاح مع السعودية، رغم السجل السيئ للدولة الخليجية في مجال حقوق الإنسان، والكارثة الإنسانية من جراء حربها على اليمن، يخيم على سياسة ترودو الخارجية، وإن بدرجة أقل بالنسبة للكنديين، رغم موقفه الاستعراضي خلال الأزمة الدبلوماسية المستمرة بين البلدين. ولا يخفى أيضاً على الصعيد الخارجي، الانحياز الكندي لإسرائيل، والذي وصل إلى ذروته في عهد هاربر، من دون أن يعلن ترودو أي مواقف مشجعة لإظهار تمايزه.

بالمحصلة "الوجه الشاب للسياسة الكندية" لم يعد شاباً كثيراً. دخول الحلبة من أبوابها العريضة، يقتل تدريجاً المثاليات. ووسط التعادل مع الحزب المحافظ، يخشى الليبراليون من موجة المفاجآت الانتخابية التي تسود العالم، ومن تشتت الأصوات لمصلحة أحزاب أخرى أصغر.

ترودو اليوم، خانته صورة قديمة من أرشيف المدرسة، ولم تسعفه كثيراً جواربه التي يرتديها بألوان علم المثليين. في عالم نبش الفضائح، ونظرية المؤامرات، نقيض ترامب في شمال أميركا، يعيش في وضع صعب.

 

المساهمون