غياب ماتيو سالفيني يعيد بعض الدفء للعلاقات الفرنسية الإيطالية

غياب ماتيو سالفيني يعيد بعض الدفء للعلاقات الفرنسية الإيطالية

18 سبتمبر 2019
زيارة ماكرون ستخفف حدة الأزمة الدبلوماسية مع إيطاليا (الأناضول)
+ الخط -
"رُبّ ضارة نافعة"، لعل هذا هو ما يدور بخلد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يستعد لزيارة إيطاليا، مساء الأربعاء، فزعيم اليمين المتطرف ماتيو سالفيني، وهو الشخصية الأكثر شعبية في إيطاليا، أصبح خارج السلطة، خلال بعض الوقت، على الأقل، ويستطيع الرئيس ماكرون، بالتالي، أن يناقش بهدوء مع رئيس الحكومة الإيطالية جوسيبي كونتي كل القضايا التي تشغل البلدين، بما فيها قضية الهجرة، التي تؤثر على الرأي العام الإيطالي بشكل كبير ومتزايد.

وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي إلى روما لتضع حدّاً للكثير من المعارك اللفظية والأزمات الدبلوماسية التي نشبت بين البلدين، وخاصة بين الرئيس الفرنسي وماتيو سالفيني بخصوص مواقف هذا الأخير من المهاجرين واستقبالهم في إيطاليا، وهي التي كان يعترض عليها ماكرون، مندداً بـ"سينيكية" ولامسؤولية الحكومة الإيطالية، ومنتقدا إغلاق الموانئ الإيطالية في وجوههم، خاصة مع قضية سفينة "أكواريوس"، ما دفع ماتيو سالفيني وبعض القادة الإيطاليين، ومنهم رئيس حركة خمسة نجوم لويجي دي مايو، إلى التنديد بهذا التدخل في شؤون إيطاليا، وإلى فتح قنوات مع حركة "السترات الصفراء"، داخل فرنسا، والتنديد بماضي فرنسا وحاضرها الكولونيالي في القارة السمراء، وهو ما أثار امتعاض فرنسا على أعلى المستويات.


 
ثم دخلت العلاقات بين البلدين في حالة متسلسلة من الأزمة، إذ ساهمت تصريحات قادة إيطاليين وفرنسيين في تأجيجها، ولم يَسْلم فوز فرنسا بكأس العالم لكرة القدم من الاستهجان ولا النبيذ الفرنسي ولا السينما الفرنسية ولا الموسيقى الفرنسية، وهو ما ردّ عليه الرئيس الفرنسي بعنف، بالتحذير من صعود القومية في القارة العجوز، ومن هذا "الجذام" الذي لا يزال يتصاعَد.

ولأن العلاقات تأزمت، فقد أصبح كل موضوع مرشّحاً لإثارة الخلاف، بما في ذلك الفنّ، فقد عارض مسؤولون إيطاليون إرسال كل أعمال الفنان ليوناردو دافنتشي لعرضها في فرنسا بمناسبة مرور خمسة قرون على وفاته، لأنّ "الفنان إيطالي"، وصادف أن "توفي، فقط، في فرنسا".

وعلى الرغم من أن فرنسا، ومنذ حكم الرئيس فرانسوا ميتران، استقبلت كثيرا من المعارضين السياسيين الإيطاليين، وهو ما كانت تنتقده إيطاليا، وكان يتم احتواؤه، بشكل دبلوماسي، إلا ماتيو سالفيني أعاد التذكير بهذه القضية، متهماً الجارة فرنسا، "هذا البلد الذي يقدم دروسا في الأخلاق، والاستقبال والتضامن والأريحية"، "باستقبال كثير من الإرهابيين" (الإيطاليين)، في إشارة إلى سيزار باتيستي، المعارض الإيطالي المتهم بجرائم قتل، والذي حظي باللجوء في فرنسا وباحتضان مثقفين فرنسين له، قبل أن يُعتَقل في البرازيل ويُسلَّم إلى إيطاليا.

لا يمكن الإحاطة بكل القضايا التي ساهمت في تأزيم العلاقات بين الجارَين الكبيرين، اللذين يكتشفان، من حين لآخر، أنه محكومٌ عليهما بالتعاون والحوار، ولكن للفنّ سطوتُهُ وتأثيره، فقد ساهم الاحتفال بالذكرى المائوية الخامسة لولادة العبقري دافينشي، الذي تقبع رائعته "الموناليزا" في اللوفر، أكبر متحف في العالم، في إعادة بعض الدفء إلى العلاقات بين البلدين، عبر لقاء جمع الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيطالي سيرجيو ماتاريلا، على الرغم من أن رئيس الجمهورية، الذي لا يمتلك صلاحيات كبيرة، لم يكن طرفاً في تأزيم العلاقات.

والحقيقة أن وجود ماتيو سالفيني، هو لا غيره، في الحكومة، ظل عقبة في أي تقارب بين البلدين. وليس سرا أن هذا السياسي الإيطالي الشوفيني والمتطرف لم يجد في فرنسا من يدافع عنه وعن مواقفه من المهاجرين ومن فرنسا غير الحليفة مارين لوبان، زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف.

 

وبناء على ذلك، كثير من العقبات انزاحت، مؤقتا، من طريق تحسين العلاقات بين البلدين. ولا شكّ أن إيطاليا، البلد الأكثر تأثرا بالهجرة، والذي يشعر بأنه لم يتلقَّ، كما يستحق، التضامن المطلوب من دول الاتحاد الأوروبي، أيْ تقاسُما حقيقيا للأعباء المالية والمهاجرين، تستقبل رئيس جمهورية فرنسي، بدأ يغير، فجأةً، من نظرته إلى الهجرة والمهاجرين.

فرغم إقرار حكومته، قبل سنة، قانون اللجوء والهجرة، وهو قانون متشدد ومثير للجدل، وقد أثار انتقادات جمعيات طبية وإغاثية وحقوقية، إلا أنه اكتشف أنه لا يفي بالمطلوب، وهو ما عبر عنه، صراحة، أثناء لقائه مع أغلبيته البرلمانية، مساء الاثنين، 16 سبتمبر/أيلول، حيث شدد، وعيناه على حملة مارين لوبان وبرامجها وشعاراتها، على أن موضوع الهجرة "لا يجب أن يحتكره اليمين المتطرف فقط"، وأن "ضحاياه ليسوا البورجوازيين، بل هي الطبقات الشعبية" وهو ما يعني أن الرئيس وأغلبيته يريدان أن يستعينا بالطبقات الشعبية من أجل التشدد مع المهاجرين، وهو انزلاقٌ أدانته جمعيات حقوقية، بقوة، ومنها جمعية "لاسيماد".

ولا شكّ أن تغير الموقف الفرنسي من الهجرة واللجوء، وتفهم فرنسا المتزايد للتضحيات الإيطالية، سيثيران ارتياح الحكومة الإيطالية، وخاصة رئيس دبلوماسيتها، رئيس حركة خمسة نجوم، لويجي دي مايو، الذي يتذكره الفرنسيون، جيداً، حين تحدث، قبل أشهر، ودون مواربة ولا دبلوماسية، عن "ماضي فرنسا وحاضرها الكولونيالي" وعن "إفقار فرنسا للقارة العجوز".

ولذا، فإن زيارة ماكرون ستكون هادئة، حيث يفترض أن تُناقَش فيها كل القضايا الثنائية، بهدوء، في انتظار عودة، قد لا تتأخر، لليميني المتطرف، سالفيني، الذي ينتظر ساعتَه، بشوق ونفاد صبر.

المساهمون