‏ملامح اتفاق تركي روسي: منطقة عازلة أخرى في إدلب

‏ملامح اتفاق تركي روسي: منطقة عازلة أخرى في إدلب

19 سبتمبر 2019
يبقى التخوف على مصير مدنيي إدلب (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
في وقت بقي فيه الغموض يلف نتائج القمة الثلاثية حول سورية التي جمعت الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في أنقرة الإثنين الماضي، على الرغم من تأكيد أردوغان اتخاذ قرارات مهمة، برزت أمس الأربعاء ملامح اتفاق تركي روسي جديد حول إدلب، بقيت تفاصيله غير مؤكدة بشكل كامل، إذ لم تعلن الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) صراحة التوصل لاتفاق حول إدلب لوقف إطلاق النار في المنطقة، التي يترقب المدنيون فيها ما ستؤول إليه مباحثات تركية روسية مستمرة لحسم مصيرها.

لكن القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، كشف في تغريدات له على "تويتر" أمس الأربعاء، أن الطرفين التركي والروسي توصلا بالفعل لاتفاق جديد خلال مباحثات قمة أنقرة. وأوضح سيجري أن الاتفاق الجديد ينص على "إنشاء منطقة عازلة جديدة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، خالية من السلاح الثقيل. كما نصّ، وفق سيجري، على "تحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب الدولية"، على أن تدخل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري إلى المنطقة، لتقديم الخدمات مع استئناف الدعم الإنساني الدولي. وينصّ الاتفاق الجديد على "استكمال الخطوات النهائية بما يخص اللجنة الدستورية، ووضع قانون انتخابات جديد". وأضاف أن من بنود اتفاق أنقرة حل ما يسمى بـ"حكومة الإنقاذ"، التي شكّلتها "هيئة تحرير الشام".

غير أن سيجري المقرب من الحكومة التركية، أشار إلى أن "أي رفض أو عرقلة للاتفاق من قِبل جبهة النصرة أو حراس الدين أو أنصار التوحيد (تنظيمات متشددة في شمال غربي سورية)، سيكون فرصة لإعلان حرب جديدة، وربما سنكون أمام سيناريو مشابه لمدينة خان شيخون و50 بلدة أخرى في ريف حماة وإدلب".

وفي ما يتعلق بآليات تنفيذ الاتفاق الجديد، أوضح سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في الوقت الراهن ليس هناك مزيد من التفاصيل حول الاتفاق"، معرباً عن اعتقاده بأن تنفيذه "مرهون بإمكانية الالتزام به من الطرفين"، مضيفاً: "التجربة أثبتت أن المحتل الروسي لا يملك مصداقية حيال التعهدات التي يعقدها مع الجانب التركي". وأشار إلى أن إشكالاً آخر يواجه الاتفاق "وهو موقف هيئة تحرير الشام منه، والأيام المقبلة ستوضح مدى التزام الأطراف بالاتفاق".

وأشار سيجري إلى أن الحديث عن نقاط أخرى من قبيل فتح الطرق الدولية "مرتبط بموافقة جميع الأطراف على الاتفاق"، مضيفاً: "الفترة الماضية شهدت انعدام الثقة بشكل كامل بين كل الأطراف". ولفت إلى أن قمة أنقرة "كانت شائكة ومعقدة إلى حد بعيد"، متابعاً: "لا يزال الاحتلال الروسي يشكك بمدى قدرة الأتراك على إخراج هيئة تحرير الشام من المنطقة، كما أن الجانب التركي يشكك بمصداقية الروس حيال تعهداتهم وجديتهم بالذهاب إلى حل سياسي في محافظة إدلب ومحيطها، ومن ثم لا يمكن الحديث عن تفاهم كامل بين أنقرة وموسكو".

إلا أن مصادر تركية رفيعة المستوى، قالت لـ"العربي الجديد"، إنه من غير الوارد إنشاء منطقة عازلة جديدة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، إذ إن اتفاقية سوتشي العام الماضي تنصّ بالأساس على إنشاء هذه المنطقة، ولكن الطرفين التركي والروسي يتواصلان منذ أسابيع من أجل بدء تسيير الدوريات المشتركة في هذه المنطقة، وبالفعل حصلت توافقات بينهما، وربما في القريب تبدأ عملية تسيير هذه الدوريات المشتركة، تمهيداً لفتح الطرق الدولية وهو ما بات مسألة وقت. وبحسب المصادر، فإن التوافقات منتهية على تسيير الدوريات، خصوصاً أن مرحلة ما قبل القمة الثلاثية شهدت هدوءاً من روسيا في المنطقة لم يكن موجوداً لولا هذه التوافقات، مع العلم أن الجانب الروسي كان يصعّد قبل أي اجتماع رفيع، وفي هذه المرة غاب نسبياً التصعيد بسبب هذه التوافقات. ومن بين التوافقات أيضاً، بحسب المصادر التركية، إبعاد الشخصيات الأجنبية المصنفة على أنها إرهابية من ضمن "هيئة تحرير الشام" من المنطقة، وفي حال عدم رحيل هؤلاء الأشخاص سيتم اتخاذ إجراءات ميدانية بحقهم، مضيفة: هناك شخصيات محددة مسبقاً وبعضها سيتم التوافق عليها لاحقاً، وستُجري كل من أنقرة وموسكو محادثات مع الجانب الأميركي لبحث تحديد هذه الشخصيات على اعتبار أن "تحرير الشام" مصنّفة على أنها تتبع تنظيم "القاعدة".

وأضافت المصادر أن المفاوضات التركية الروسية تشمل حل "حكومة الإنقاذ" التي تدير منطقة إدلب والمشكّلة من قبل "هيئة تحرير الشام"، ودخول الحكومة المؤقتة التي تتبع للائتلاف السوري المعارض. وبحسب المفاوضات التي تجري، فإن شخصيات من تلك الحكومة قد تنضم إلى الحكومة المؤقتة، وتبدأ عملها اعتباراً من نهاية الشهر الحالي، أو الشهر المقبل.
ولفتت المصادر إلى أن الحديث تركّز بشكل كبير على اللجنة الدستورية التي تقود العملية السياسية في المرحلة المقبلة، تمهيداً للوصول إلى حل سياسي، نافية أن يكون هناك أي حديث عن موضوع الانتخابات خلال الفترة الحالية بين تركيا وروسيا، وعلى الرغم من كل هذه التفاهمات إلا أن الجانب التركي ينظر للموضوع بحذر، على اعتبار أن موسكو لا تلتزم بالاتفاقات بين الجانبين كما حصل سابقاً. وبناء على التوافقات التي حصلت، فإن نقاط المراقبة التركية ستواصل مهامها في المنطقة، وينتظر أن تنسحب قوات النظام من مورك وخان شيخون، مع بدء تسيير الدوريات المشتركة، بحسب المصادر.
في غضون ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة له خلال حفل أقيم في أنقرة أمس، إن القمة الثلاثية اتخذت قرارات هامة في ما يخص حل الأزمة السورية، مضيفاً أن الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كانت الأزمة ستحل بسهولة أم ستتفاقم. وأشار إلى أن تركيا تنتظر دعماً أقوى من الدول الأوروبية بشأن إدلب وشرق الفرات، لافتاً إلى أن التصريحات لم تعد تطمئن أنقرة. وتابع: "نستضيف 3.6 ملايين سوري في أراضينا، وأكدنا مراراً أننا لن نستطيع تحمل أعباء 4 ملايين آخرين إن لم نتمكن من إحلال التهدئة في إدلب بسرعة". وأشار إلى إمكانية إسكان ما بين مليونين و3 ملايين سوري، ممّن يعيشون في تركيا وأوروبا، في الشمال السوري، في حال إنشاء "منطقة آمنة" هناك.

ولم يصدر أي تعقيب من "هيئة تحرير الشام" على الاتفاق التركي الروسي الجديد حيال إدلب والذي ينصّ على حل "حكومة الإنقاذ"، الذراع السياسي للهيئة التي باتت الخيارات أمامها محدودة، فإما حل نفسها، وضم مقاتليها السوريين لفصائل المعارضة، وإيجاد حلول للقادمين من خارج البلاد، أو مواجهة السيناريوهات الصعبة، بما فيها الاجتثاث من قبل قوات النظام والجانب الروسي. وفقدت الهيئة أغلب رصيدها الشعبي في الآونة الأخيرة بسبب تراجعها أمام قوات النظام.

في المقابل، تربط المعارضة الانخراط في اجتماعات اللجنة الدستورية التي اتفق عليها الثلاثي الضامن في قمة أنقرة بتوقف القصف على إدلب. وقال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة في اللجنة الدستورية، نصر الحريري، إن اللجنة "لن يكون لها أي معنى إذا لم يكن هناك وقف إطلاق نار في إدلب". وأكد الحريري في تصريحات تلفزيونية الإثنين أنه "لن يذهب أحد أعضاء اللجنة في وقت يتم قصف المستشفيات والمدارس وقتل المدنيين وتهجيرهم".

من جهتها، قالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أمس، إن ما سمّته بـ"سوتشي الجديد" لا يتوقف عند تطبيق بنود النسخة الأساسية منه "بل يتعداها إلى تفكيك "النصرة"، والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية مثل "أنصار التوحيد" و"حراس الدين" و"الحزب الإسلامي التركستاني" بالإضافة إلى سيطرة الجيش السوري على المنطقة الواقعة إلى الشرق من أوتوستراد حلب سراقب، وتلك الواقعة إلى الجنوب من أوتوستراد سراقب اللاذقية مع الاحتفاظ بالهيمنة على طول الطريقين السريعين وانسحاب الإرهابيين حتى مسافة 20 كيلومتراً منهما"، وفق الصحيفة. وأضافت أن "الحل النهائي يقضي بعودة كل المنطقة إلى عهدة الدولة السورية شاء من شاء وأبى من أبى، ودون التفريط بأي شبر منها، وهو ما تدعمه موسكو وطهران، وتتيقنه أنقرة على الرغم من مكابرتها وعجرفتها".

وتأتي هذه التطورات مع دخول اتفاق سوتشي الذي أبرمه الرئيسان التركي والروسي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عامه الثاني من دون تنفيذ جدي لبنوده. وكان الاتفاق الذي وقّعه الرئيسان في 17 سبتمبر 2018 قد نصّ على إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. كما نصّ الاتفاق على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب-اللاذقية) وإم 5 (حلب-حماة) بحلول نهاية العام 2018"، مع تعهّد الطرفين بتأمين الحماية اللازمة لهذين الطريقين. لكن هذا البند لم يُنفذ بسبب عدم توصل الجانبين التركي والروسي إلى آليات ترضي جميع الأطراف، خصوصاً أن "هيئة تحرير الشام"، ومجموعات مرتبطة بها، تسيطر على قسم كبير من طريق اللاذقية-حلب والذي يمر في ريف إدلب الجنوبي.
وكان من المفترض أن يجنّب اتفاق سوتشي محافظة إدلب عملاً عسكرياً واسع النطاق من قبل النظام، إلا أنه فشل في ذلك. ولم تعلن أنقرة وموسكو رسمياً انهيار اتفاق سوتشي والذي من المفترض أنه لا يزال يحكم شمال غربي سورية، على الرغم من أن النظام والروس تجاوزوا هذا الاتفاق من خلال التصعيد الكبير الذي أعقب فشل جولة أستانة 12.

المساهمون