الانتخابات الإسرائيلية(10): بين الاستيطان الصهيوني الديني والاستيطان الصهيوني الأمني

الانتخابات الإسرائيلية المعادة (10): بين الاستيطان الصهيوني الديني والاستيطان الصهيوني الأمني

15 سبتمبر 2019
تظاهرات ضد نتنياهو في تل أبيب (Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي بقيت فيه أربع وعشرين ساعة على الانتخابات الإسرائيلية المعادة، المقررة غداً الثلاثاء، كثّف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من حملته الإعلامية في اليومين الماضيين، من خلال استغلال الوقت المتاح للدعاية الانتخابية، في مقابلات تلفزيونية مع القنوات الإسرائيلية، وبتوجيه رسالة مباشرة للناخب الإسرائيلي عبر الصفحة الأولى لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في عمود قابلته رسالة مماثلة لمنافسه الأبرز، زعيم تحالف "كاحول لفان"، بني غانتس، غداة الهدية الأخيرة التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لنتنياهو، على صيغة طرح توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وعنون نتنياهو رسالته للناخب الإسرائيلي، بعنوان "تغيير تاريخي"، وهو استمرار عملي لحديثه وسياسته في الولاية الأخيرة، في انتقال دولة الاحتلال من حالة الدفاع عن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، والتحجج بعدم وجود شريك فلسطيني لحل سلمي (على أساس الدولتين)، إلى المجاهرة السافرة بموقف اليمين الإسرائيلي التاريخي لجهة بسط السيطرة الإسرائيلية والسيادة على كامل الأراضي الضفة الغربية المحتلة، تحت مسمّى فرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية.

واستهل نتنياهو رسالته للناخب بقوله: "نحن في أوج عملية تغيير تاريخي في تاريخ شعب إسرائيل ودولة إسرائيل. بعد الانتخابات مباشرة أعتزم فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، ثم بعد ذلك فرض السيادة على كافة المستوطنات ومناطق أخرى ذات أهمية أمنية وقومية في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية). إنني أطلب ثقتكم لإكمال هذه المهمة وتحصين حدود وأمن دولة إسرائيل إلى الأبد".

وبطبيعة الحال لم تخلُ رسالة نتنياهو من التحريض العلني والمبطن ضد الفلسطينيين في الداخل، واتهام خصومه بالتحالف معهم، فأضاف "حكومة يسار مع الأحزاب العربية لم تكن فرص تشكيلها يوماً قريبة كما هو الحال اليوم، كل من يريد أن يضمن مواصلتنا الحفاظ على إسرائيل عليه أن يصوت "م.ح.ل" وهو رمز الليكود الانتخابي".

ومع أن التحريض ضد العرب موجّه أساساً على طريقة نتنياهو، لبث مشاعر الخوف والعنصرية الدفينة في المجتمع الإسرائيلي لحثّ أنصار اليمين على التصويت بشكل مكثف وتحديداً لصالح "الليكود"، إلا أن رسالته لم تخلُ من التحريض على خصومه في حزب الجنرالات "كاحول لفان" الذي يقوده بني غانتس مع اثنين آخرين من رؤساء الأركان، وهما موشيه يعالون وغابي أشكنازي، لجهة الطعن في صهيونيتهم وولائهم لدولة الاحتلال، من خلال استعدادهم للتحالف والتعاون مع الأحزاب العربية التي لا تعترف بإسرائيل دولة يهودية. هذا الادعاء نفاه قادة "كاحول لفان" أكثر من مرة، من خلال تحريضهم هم أيضاً على الأحزاب العربية واتهامها بالتطرف، ولا سيما حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، أحد مركبات القائمة المشتركة لثلاثة أحزاب عربية هي "التجمع الوطني"، "الحركة الإسلامية"، "الحركة العربية للتغيير"، مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي المنخرط تحت لواء "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة".

في المقابل، نشرت صحيفة "يديعوت" في يسار الصفحة عموداً مماثلاً كرسالة أخيرة للناخب الإسرائيلي من بني غانتس تحت عنوان "فرصة نادرة"، في إشارة إلى إمكانية التخلص من حكم نتنياهو، وليس بالضرورة "الليكود"، إذ يبدي حزب "كاحول لفان" استعداداً للتحالف مع "الليكود" في حكومة وحدة وطنية، أو حكومة يمين قومي علمانية.

وخاطب غانتس الناخب الإسرائيلي قائلاً: "يوم الثلاثاء ستكون أمامكم فرصة نادرة لاختيار أحد طريقين: إما حكومة متطرفة يشغل فيها إيتمار بن غفير (محامٍ يتزعم حزب عوتصماة يهوديت الذي ترفع برنامج الفاشي اليهودي مئير كهانا والداعي لطرد العرب من فلسطين) وبتسليئيل سموطريتش (وزير المواصلات الحالي عن حزب إيحود لئومي المنادي بفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية) منصب عضو في الكابينت، أو حكومة وحدة علمانية واسعة برئاستي".
ومضى غانتس في محاولة استمالة القطاعات العلمانية الرافضة لسياسات الابتزاز التي تتبعها أحزاب اليمين الدينية، للتصويت لتحالفه، قائلاً "سنشكل حكومة تمثل الأغلبية وتهتم بكافة مواطني إسرائيل: 80 في المائة من مواطني الدولة الذين يتفقون في آرائهم على 80 في المائة من مجمل المواضيع والمسائل. كل من يريد الانضمام على أساس هذه الخطوط العريضة مدعو لذلك. إنني أطلب منكم التصويت لقائمة كاحول لفان- وشارتها ف.ب. هذه فرصتنا لإعادة الدولة لمواطنيها".

مقابل الوضوح في مواقف نتنياهو، خصوصاً في مسألة الاستيطان والضم، ناور غانتس وحاول إغفال هذه القضايا من رسالته الانتخابية، طمعاً في استمالة أصوات من اليسار الإسرائيلي، خصوصاً من مؤيدي حزب العمل التقليديين (الإشكناز بشكل خاص)، معتبراً أن قضايا الاستيطان باتت مفهومة ضمناً، في سياق الاتفاق على إبقاء مناطق واسعة من الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية، ولا سيما غور الأردن والكتل الاستيطانية، وبالاعتماد على تصريحات سابقة له وموشيه يعالون بوجوب تكثيف الاستيطان في الكتل الاستيطانية لحين انطلاق مسيرة سلمية أو مفاوضات مع الطرف الفلسطيني لا تخرج عن السعي لتخليص إسرائيل من أغلبية عربية وفلسطينية تحت سيادة إسرائيل وحشرهم تحت سلطة حكم ذاتي واسعة الصلاحيات لكنها تفتقر إلى صلاحيات في قضايا الأمن.


وتختزل الرسالتان عملياً مع ما سبقهما من تصريحات لكل من نتنياهو وغانتس، حقيقة المعركة الانتخابية والخيارين الوحيدين في الواقع أمام الناخب الإسرائيلي: إما حكومة بقيادة "الليكود" وأحزاب الحريديم والتيار الديني الصهيوني، لا ترى ضيراً في إعلان طموحات الصهيونية التاريخية المرتكزة إلى ادعاءات الوعد الإلهي بأرض إسرائيل لليهود، بالركون إلى الدعم الأميركي، المرشح بحسب هدية ترامب الأخيرة في الاتصال الهاتفي السبت مع نتنياهو، إلى الوصول لاتفاقية دفاع مشترك، وإما حكومة يمين علماني، تخفف من أثر التيار الديني الصهيوني وتيار الحريديم في حياة الدولة لكنها لا تتنازل عن مطامع الاستيطان، لكن وفق خطاب "علماني عقلاني" يرتكز على الضرورات الأمنية لدولة الاحتلال، مع عودة إلى عقلية الاحتلال التي تتحدث عن "احتلال مستنير" يمنح الفلسطينيين عملياً حكماً ذاتياً، أي يخلص دولة الاحتلال من عبء تكاليف الاحتلال وعبء المواجهة اليومية مع الشعب الفلسطيني وترك ذلك لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية بموجب الاتفاق، من خلال ضمانات إقليمية ودولية لتطوير ورفع مستوى المعيشة في الأراضي الفلسطينية، من دون أي تطرق لمصير ومستقبل قطاع غزة.

وفي ظل هذين الخيارين، اشتدت المنافسة الانتخابية في مسارين متوازيين لحصد أكبر عدد من المقاعد والأصوات لكل من هذين الحزبين. لكنها منافسة داخلية لكل حزب منهما داخل معسكره، وهو ما زاد من حدة التوتر والقلق لدى الأحزاب التي تدور في فلك "الليكود" (ولا سيما حزبي يمينا الذي تقوده أيليت شاكيد، وعوتصماة يهوديت بقيادة بن غفير). ويخشى هذان الحزبان في اليمين المناصر لنتنياهو، مما يسمى في إسرائيل بـ"امتصاص مقاعدهما" لصالح "الليكود" بفعل حملة الاستغاثة المركزة التي يقودها نتنياهو في اليمين تحت شعار أن المهم هو أن يكون "الليكود" الحزب الأكبر قدر الإمكان، وليس أن يفوز المعسكر ككل بأكبر عدد من المقاعد. وهو الموقف نفسه الذي يتبناه في الأسبوع الأخير بني غانتس في حربه المعلنة أخيراً، لاستمالة وسحب جمهور مصوتي حزبي اليسار، "المعسكر الديمقراطي" بقيادة نيتسان هوروفيتس وإيهود براك، والعمل غيشر بقيادة عمير بيرتس، مما يهدد بحسب التوقعات في حال ظلت نسبة التصويت في منطقة تل أبيب وشرائح العلمانيين متدنية، بخطر تلاشي حزب العمل كلياً من الخريطة الحزبية.

لكن المنافسة الوحيدة المفتوحة للحزبين (الليكود وكاحول لفان) على أصوات في اليمين، هي تلك التي تستهدف الشرائح التي يُتوقع أن تصوت لحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، بعد أن كان الأخير وتحت ذريعة محاربة الإكراه الديني وابتزاز الأحزاب الدينية والحريدية لنتنياهو، امتنع بعد انتخابات إبريل/ نيسان الأخيرة عن الانضمام إلى حكومة نتنياهو، وكان عملياً سبباً مباشراً في حل الكنيست والذهاب للانتخابات التي ستجرى غداً.
أخيراً فإن الاستطلاعات الإسرائيلية الأخيرة، التي سُمح بإجرائها بحسب القانون حتى صباح الجمعة، تشير فعلياً إلى حصول معسكر اليمين بقيادة نتنياهو على 57-58 مقعداً مقابل 53-54 مقعداً للمعسكر المناهض له (بما يشمل ما قد تحصل عليه القائمة المشتركة للأحزاب العربية) وحصول ليبرمان على 9-10 مقاعد، ما يجعله بيضة القبان لجهة تحديد مَن مِن الاثنين، نتنياهو أم غانتس، سيُكلف بتشكيل الحكومة المقبلة.

ويبدو أن نسبة التصويت لكل القطاعات في إسرائيل، هي التي ستحدد هذه النتائج، خصوصاً أنه مقابل نسبة تصويت مرتفعة في اليمين الديني والصهيوني (المؤيد لنتنياهو) فإن نسبة التصويت في باقي الشرائح ظلت في انتخابات إبريل متدنية، لدرجة أن 750 ألفاً من سكان منطقة تل أبيب العلمانيين لم يشاركوا في الانتخابات، وهي قوة تعادل 20 مقعداً، فيما لم تجتز نسبة التصويت عند الفلسطينيين في الداخل 49 في المائة من أصل نحو 900 ألف صوت، إذ حصلت الأحزاب العربية على 10 مقاعد مقابل 13 مقعداً في الكنيست السابقة.

المساهمون