انطلاق حملات الرئاسيات التونسية: ماراثون 26 متسابقاً لـ15 يوماً

انطلاق حملات الرئاسيات التونسية: ماراثون 26 متسابقاً لـ15 يوماً

02 سبتمبر 2019
تشجع هيئة الانتخابات التونسيين على التصويت (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -
تنطلق اليوم الإثنين في تونس الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات الرئاسية المبكرة. ويقف على خط السباق 26 مرشحاً، بعد أن تم استبعاد العشرات بسبب عدم توفر شروط الترشح في ملفاتهم. وتضم القائمة المرشح الموقوف حالياً على ذمة التحقيق نبيل القروي، والمرشح الموجود خارج تونس سليم الرياحي، المتهم أيضاً في عدة قضايا، ومرشحتين فقط هما سلمى اللومي وعبير موسي.

ويصل التونسيون إلى المرحلة الأخيرة التي تسبق الاقتراع، يوم 15 سبتمبر/ أيلول الحالي، بعد تجاوزهم بنجاح العديد من المصاعب التي كادت تعصف بهذا المسار، خصوصاً بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وما سبقها وتلاها من أحداث متتالية أدخلت البلاد في مرحلة شكوك كبيرة حول مستقبل المسار الانتقالي، الذي يأمل الجميع في إنهاء خطوته الأخيرة لولوج مرحلة الاستقرار النهائي والتام، والانتقال نهائياً إلى المهام الاجتماعية والاقتصادية بعد استنفاد أغلب مهمات الوضع السياسي. ويتوقع المراقبون في تونس أن تكون هذه الحملات ساخنة جداً، بحكم الصراع القوي بين عدة شخصيات. وكشفت الأيام الماضية عن طبيعة هذا الصراع ونسقه المنتظر. وبدأت سلسلة الاتهامات وإطلاق الشائعات بوضوح، ما أثار العديد من المخاوف من الانحرافات المتوقعة التي يمكن أن تضرب نزاهة الانتخابات وصورة المسار الديمقراطي.

وقال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الهيئة خصصت 1200 عنصر، تم انتدابهم وتكوينهم لمراقبة الحملة الانتخابية، إلى جانب 300 منسق محلي سيكونون في الميدان لتطبيق القانون. كذلك خصصت الهيئة مراقبين وأعضاء من الهيئات الانتخابية في الخارج لمراقبة الحملات الانتخابية بالخارج، مضيفاً أن الحملة الانتخابية انطلقت في الخارج في 31 أغسطس/ آب الماضي. وأعلن البرينصي أن الهيئة تواصل عملها بثبات لتأمين نجاح الحملة الانتخابية، بعيداً عن بعض الأجندات التي يحاول البعض فرضها من خلالها التشويش على عمل الهيئة، مشيراً إلى أن أعوانها سيسهرون على مراقبة الانتخابات، وستتولى الهيئات الفرعية متابعة محاضر المخالفات ورفعها إلى الهيئة المركزية.

وأفاد بأن الهيئة ستراقب حملات الأحزاب كي لا تخرج عن إطارها ومسارها، وتكون في كنف الشفافية ويلتزم الجميع بتطبيق القانون بعيداً عن خطابات الكراهية أو العنف، وسيتم العمل، بالتوازي مع ذلك، على تشجيع التونسيين على التصويت. ولفت إلى أن الهيئة ستشرع في طباعة أوراق الاقتراع في انتظار الحبر والصناديق التي ستصل قريباً، مضيفاً أنّ المسائل اللوجستية والتنظيمية جاهزة، كما أنه تم التنسيق مع الجيش لتوزيع صناديق الاقتراع وحمايتها.

وتشهد الانتخابات التونسية منذ بدايتها في 2011، مباشرة بعد قيام الثورة، حضوراً قوياً ولافتاً للمجتمع المدني، مكّنه من تفادي العديد من الهفوات وإصلاح الأوضاع الانتخابية تباعاً. وتقوم هذه المنظمات والجمعيات بمراقبة كل مراحل الحملات الانتخابية ومضامينها، وصولاً إلى يوم الاقتراع لغاية الإعلان عن النتائج، وهو ما مثّل من ناحية جهداً إسنادياً قوياً لعمل الهيئة المستقلة للانتخابات، وضغطاً قوياً على المرشحين وأحزابهم من ناحية أخرى لتقليص الانحرافات إلى حد كبير. ويُتوقع أن يكون عمل هذه المنظمات كبيراً هذه المرة أيضاً، بسبب خصوصية هذه الانتخابات التي حملت اختبارات جديدة للمسار الديمقراطي التونسي.

وفي هذا السياق، قال رئيس "شبكة مراقبون" محمد مرزوق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الشبكة نسقت مع عدد من الجمعيات التي تُعنى بالانتخابات لمراقبة الحملة الانتخابية، وسيكون التركيز على الحملات الانتخابية عبر صفحات التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعد أن لوحظ نقص المراقبة على هذه الصفحات وتركيز عديد من المرشحين عليه، مضيفاً أنهم لفتوا انتباه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لهذا الأمر، وقد اعترفت بنقص المراقبة وأكدت أنها ستعمل على مراقبتها والتنسيق مع شركة "فيسبوك"، وهناك إمكانية لتتبع الصفحات الإشهارية، وتحديد من وراءها والمبالغ المرصودة للإشهار. وأوضح مرزوق أنّ مراقبين بصدد التنسيق مع الملاحظين والانتشار والتحضير ليوم الاقتراع، خصوصاً أن 80 في المائة من العمل يتركز على يوم الانتخابات ومتابعة الخروقات التي قد تحدث فيه.

من جهتها، قالت نائب رئيسة رابطة الناخبات التونسيات، تركية بن خضر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّه تم تكوين مراقبين لمراقبة الحملات الانتخابية التي ستنطلق اليوم، إلى جانب تقديم توصية إلى هيئة الانتخابات حول مقاومة العنف السياسي ضد المرأة، وهو ما استجابت له الهيئة، إذ إنها ستدرج خلال مراقبتها الحملة الانتخابية لهذا العام العنف السياسي ضد النساء، ومن بينهن الناخبة والمرشحة والمراقبة، وستأخذ التجاوزات بعين الاعتبار، خصوصاً أن القانون رقم 1958 لسنة 2019 يجرم العنف ضد النساء. وأضافت أن هيئة الانتخابات ستساعد رابطة الناخبات في إحصاء النساء المصوتات لمعرفة نسبة مشاركة المرأة. وأشارت بن خضر إلى أن رابطة الناخبات التونسيات ستراقب الحملة الانتخابية من جوانب عديدة، ومنها كيفية مشاركة النساء وتخصيص مرافقة للمرشحات، لمتابعة إدارة الحملة ميدانياً أو عبر وسائل الاتصال السمعي والبصري. وأفادت أنه في إطار التعبئة للقدرات النسائية، فقد بادرت الرابطة بالقيام بدورات تكوينية للمرشحات للانتخابات التشريعية حول رسم استراتيجية لإدارة الحملة الانتخابية والتخطيط للحملة والوصول إلى مواقع القرار.

وتحمل هذه الحملات مخاوف حقيقية حول طبيعة هذه الانتخابات ونزاهتها، ما استدعى دخول المنظمات الكبرى على الخط، خصوصاً الاتحاد العام التونسي للشغل. وأكد أمينه العام نور الدين الطبوبي أن الاتحاد سيكون حاضراً في عدد من الحوارات، وطرفاً في النقاشات المثارة في المناظرات بين المرشحين. وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية، أن المنظمة العمالية "حين أعلنت أن الانتخابات تهمها لم تقصد أنها ستكون طرفاً في الانتخابات، بل قصدت أنها ستكون قوة حياد وتعديل حتى توازن بين دورها الاجتماعي والوطني"، مضيفاً أنها "ستكون شوكة في حلق كل ظالم، وأنها ستنحني لإرادة الشعب واختياراته". وأوضح الطبوبي أن مساهمة الاتحاد ستكون لوجستية من خلال نشر المراقبين، وفي الحوار وإبداء الرأي كذلك، لكنه لن يعادي من يختلف معه في الرأي.

ودعا المنتسبين للاتحاد إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية والحضور في كل مكتب، وفي كل نقطة من مناطق البلاد للمراقبة والتضحية من أجل انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية، والقيام بدورهم في حث المواطنين على أداء الواجب الانتخابي. وأضاف أنه يتمنى "أن تكون هناك قامات سياسية بتونس، وأن يكون الرئيس المنتخب حاكماً عادلاً ومنصفاً لجميع الفئات والجهات". وأعرب الطبوبي عن تخوفه "على المسار الانتخابي في مناخ عام يتسم بالسعي وراء الوصول إلى السلطة مهما كانت التكاليف، وفي ظل غياب حراك اجتماعي من أجل قضايا وطنية جوهرية"، منبّهاً من "حشر واستغلال الملف الاجتماعي في السياسي"، ومحذراً "كل من يتهجم على الاتحاد ويعلق فشله وضعف نتائجه في الحكم على الاتحاد".

ويخشى مراقبون من مبالغات الحملات الانتخابية، الرئاسية بالذات، إذ يقدم المرشحون وعوداً اجتماعية واقتصادية ليست مشمولة في صلاحيات الرئاسة دستورياً، وموكولة بالكامل للحكومة. وفسّر المسؤول في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر هذا الأمر بغياب ثقافة المساءلة السياسية والعقد الأخلاقي بين المرشحين للانتخابات والمواطنين من الناخبين، وهو ما خلق هوّة بين البرامج الانتخابية والواقع الاجتماعي في تونس. وأكد بن عمر، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أنه يتعيّن إقرار عقد أخلاقي بين المرشحين والناخبين من أجل الإيفاء بكل تعهدات المشاركين في المنافسة بالانتخابات. وقال إن "النهوض بالوضع الاجتماعي يبقى من مسؤوليات الحكومة المزمع تشكيلها من قِبل مجلس النواب، وليس من مهام رئاسة الجمهورية، التي يقتصر دورها على مهام شؤون الدفاع والخارجية والأمن القومي".