عنصريو العرب ينافسون ترامب

عنصريو العرب ينافسون ترامب

08 اغسطس 2019
من تظاهرة في بيروت ضد العنصرية (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
ذات يوم، قبل عقدين، تلقى يافع عربي، كبر في مهجر غربي، تقريعاً من معلمته، قبل أن يصرخ قهراً: لكن أمي طلبت ذلك. أمه العربية لقنته درساً بالتأفف من الصوماليين وحتى رفض الجلوس بجانبهم أو اللعب معهم ومع "الخنازير الدنماركيين". جن جنون مُدرّسة غربية شابة، عاشت كيسارية رومانسية على مبدأ ألا فرق بين البشر، مستدعية الأهل لجلسة درس في دين الأم عن أنه "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى".

آنذاك لم نكن قد سمعنا بعد بدونالد ترامب. بيد أننا عشنا عصور ترامبيين عرب. كما في وصف الوزير اللبناني السابق نقولا فتوش قبل سنوات الفلسطينيين بأنهم "نفايات بشرية" فضلاً عن أفكار سعيد عقل، وبعده جبران باسيل، ومستعيدي التمرغ، خليجياً وعربياً، بنفايات "ثقافة" معسكر ترامب وفاشيي الغرب، ولو باستعارات لغوية لا تليق بالضاد. فماذا يفعلون عادة بـ"النفايات"؟ ببساطة: "أفران هتلر" للفلسطينيين، بحسب رغبة اللبنانية سهى قيقانو، وزملائها السعوديين، المتصهينين تيمناً بولي النعمة، وكسباً لرضاه، وتملقاً لغرور وجنون عظمة ينهش عربياً. الأمر غير مرتبط فقط بمتلازمة زينوفوبيا، كما يراد إقناع الناس، فلماذا الفلسطيني والسوري دون غيرهما؟ الأمر أقرب إلى مرض هوية مستفحل، تهريجاً بارتداء البعض العربي بدلات نازية وفاشية أكبر من أجسادهم وعقولهم.

ونيابة عن مانيفستو باروخ غولدشتاين، مرتكب مذبحة الخليل عام 1994، وحاخامات "بناء الهيكل" (مكان الأقصى)، لا ضير أن ينبري الرهط في تبرير طلب محرقة "الأغيار"... الفلسطينيين. وإذا كنا كعرب ومسلمين نشكو من "الاستعلائية العرقية" عند البيض، وتسبّبها في توالي مذابح فردية، فثمة ما يدعو للتأمل، مثلاً بأسباب مذابح تل الزعتر، في ذكراها، وصبرا وشاتيلا، وحرب المخيمات، وحرث وتدمير مدن سورية بعينها، وتحميل اليمنيين على شاحنات الطرد من الجنوب "العربي" إلى الشمال "الحوثي"...

التمويه، الناخر تخلفاً، لا تستر عوراته ربطات عنق، ولا خطاب تدليس إيماني ديني عن "خير أمة"، وقومجي-مقاومجي يمعن في الظلم والعنصرية. فمن تثور ثائرته عربياً على مانفيستو القبح العنصري الغربي والصهيوني-التلمودي، فلينظر في مرآة الذات المنفصمة. فكم من مانفيستو ينتشر على امتداد الأرض العربية، بمخاطبة الأقربين والآخرين، بـ"أنا" و"نحن" منتفختين بمرض استعلاء أجوف وسطحي... فعلى الشاشات والمنابر نردد: "مكارم الأخلاق"، فيما التكاذب البيني يغرقنا.