الحوار والعصيان في الجزائر

الحوار والعصيان في الجزائر

07 اغسطس 2019
بدأت قوى الحراك تلوّح بالعصيان المدني (العربي الجديد)
+ الخط -

ثمة سباق محتشم في الجزائر بين حوار متعثّر تقوده أيدٍ مرتعشة تحاول الإقناع بجدوى الحوار للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، وعصيان مدني بدأت قوى في الحراك تلوّح به، بسبب تسرّب الإحباط من عدم وجود رغبة جدية لدى السلطة والجيش في السماح بتغيير سياسي عميق ينهي نظام الخمسة عقود.

دونما مزايدة، يظلّ الحوار الوسيلة الأمثل للخروج من المأزق، لكن لا الجهة التي ترافع للحوار وتقوده، ولا الجهة التي ترعاه، وفرتا المساحة الكافية للنقاش. ذلك أنّ حصر الحوار كله في هكذا ظرف، داخل مساحة ضيقة تخصّ فقط الهيئة المستقلة للانتخابات وترتيبات الانتخابات الرئاسية، وعدم تسوية بعض التدابير المساعدة على إنجاز الحوار، فضلاً عن الطريقة المتعثرة التي شكلت بها الهيئة المضطلعة به، لا يدفع بعربة الحوار إلا في كومة رمل. وفي المقابل، ودونما التشكيك في النوايا، يمكن فهم الدعوة إلى العصيان المدني على أنها حالة إحباط بشأن استعصاء تحقيق المنجز الثوري عبر التظاهرات، وضرورة التحوّل إلى أدوات أخرى كلفتها ليست بالضرورة نفسها كلفة التظاهرات.

يقف دعاة الحوار والعصيان عند نقطة البداية نفسها. وهذه النقطة فيها سؤالان مركزيان، الإجابة عنهما على قدر كبير من الأهمية للمساعدة على فهم ما يحدث، وتحديد موقف موضوعي من الأحداث، ومعرفة ما إذا كان هناك تغيّر فعلي في عقيدة الجيش. أول سؤال هو هل للمؤسسة العسكرية الإرادة السياسية لنقل السلطة والتسليم للخيار الشعبي؟ وثانيهما هل المتغيرات السياسية الحاصلة من حيث مسايرة الحراك والملاحقات القضائية ضدّ رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة ومجرمي تسعينيات القرن الماضي، هي مخرجات ثورة هادئة على النظام، أم أنها ثورة استباقية داخلية يقوم بها النظام على نفسه بمناسبة الحراك؟

مردّ هذان السؤالان ليس التشكيك مطلقاً، ولكنهما يستقيان نفسهما من السوابق والشواهد الماثلة في التاريخ السياسي للجزائر، حيث كان النظام في كل محطة يبدل خياراته، سواء من تلقاء نفسه بسبب انقلابات (انقلاب يونيو/ حزيران 1965) أو عوامل طارئة (كوفاة الرئيس هواري بومدين) أو عوامل داخلية ضاغطة (أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988)، أو تغير في موازين القوة (يناير/ كانون الثاني 1992). وكان يطغى خطاب التغيير، وتكون هناك كتلة من المسؤولين ضحايا لتغيير الخطوط وقيد المحاسبة بتهم الفساد أو الاستبعاد السياسي.

صحيح أنّ الجيش لم يطلق الرصاص ومواقفه مختلفة، ومستويات ملاحقة المسؤولين حالياً لم تكن أبداً بهذا الحجم مقارنة مع المحطات السابقة، (ربما بسبب دخول الشعب كفاعل رئيس في الأحداث)، ومن المؤكد أيضاً أنّ الوزراء والمسؤولين الموقوفين أو قيد الملاحقة القضائية بتهم الفساد، نظرياً، ليسوا ضحايا ولديهم مسؤولية ما في غابة الفساد التي غطت عهد بوتفليقة، لكن من المهم الحذر أيضاً من أن تكون الجزائر بصدد الانتقال من نظام "يحكم بالفساد" إلى نظام يحكم "بمحاربة الفساد".

عندما تستطيع السلطة الفعلية أن ترسل إشارات إيجابية، وتتخذ الخطوات الأكثر اطمئناناً وتعبيراً عن نيتها الجادة في السماح للجزائر بالعبور إلى مرحلة التغيير الحقيقي والتوجه نحو المستقبل على صعوبته، يصبح من الممكن حسم السباق لصالح الحوار على حساب العصيان أو الإحباط على الأقل.