استنساخ "الصحوات": إقحام قسري لبئر العبد المصرية بدائرة المواجهة

استنساخ "الصحوات": إقحام قسري لبئر العبد المصرية بدائرة المواجهة

07 اغسطس 2019
يستغل جهاز المخابرات الاعتداءات الدموية لاستنساخ "الصحوات" ببئر العبد(الأناضول)
+ الخط -
يحاول الأمن المصري منذ فترة وجيزة إدخال مدينة بئر العبد على خط التوتر الأمني، الذي تشهده محافظة شمال سيناء شرقي البلاد منذ ست سنوات، من خلال جملة من السياسات التي يتبعها في التعامل مع سكان المدينة، بالإضافة إلى التضييق على المهجّرين من رفح والشيخ زويد الذين لجأوا إلى بئر العبد باعتبارها هادئة نسبياً، مقارنةً ببقية مدن المحافظة. ويحاول النظام توظيف إيجاد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، موطئ قدم له في المنطقة، إذ استغل جهاز المخابرات التابع للجيش المصري تنفيذ التنظيم سلسلة من الاعتداءات الدموية، وعمد إلى استنساخ تجربة "الصحوات" في بئر العبد، من خلال تشكيل مجموعات مدنية لتقاتل إلى جوار الجيش، كما حصل سابقاً في مدينتي رفح والشيخ زويد.

وعلى الرغم من أنّ المخطط فشل بصورة شبه كاملة، في المساعدة في القضاء على التنظيم الإرهابي أو حتى تحجيم وجوده في رفح والشيخ زويد، إلا أنّ المخابرات الحربية تعيد الكرّة مرة أخرى، فيما يبدو أنّ مرد ذلك لتحقيق أهداف استراتيجية تسعى إليها في مدينة بئر العبد على وجه التحديد، لما تشكله المنطقة من أهمية، تتمثل في أنها المدينة الأخيرة في محافظة شمال سيناء التي لا تزال تحافظ على جوّها الأمني المستتب، والحياة شبه الطبيعية فيها، باستثناء الملفات التي يمسك بزمامها الأمن المصري. إلا أنّ حالة الرفض التي تسيطر على شباب القبائل في مدينة بئر العبد للانخراط في المجموعات المسلحة، قد تحول دون تنفيذ المخطط الذي يسعى إليه الجيش.

وفي التفاصيل، كشف مصدر قبلي في مدينة بئر العبد لـ"العربي الجديد"، أنّ المخابرات الحربية بدأت فعلياً في الأسابيع القليلة الماضية، في إجراءات تشكيل مجموعات من شباب القبائل، ليتم تسليحها وتحضيرها لمواجهة خطر تمدد تنظيم "ولاية سيناء" للمدينة، بعد أن جرى التواصل مع عدد من المشايخ فيها، والضغط عليهم لإقناع الشباب بالانضمام في تلك المجموعات. وأكّد المصدر أنّ "غالبية الشبان يرفضون العرض المقدم لهم من قبل الجيش على لسان بعض المشايخ، وخصوصاً بعد أن رأوا مصير العشرات من أبناء جيلهم الذين انضموا لهذه المجموعات في مدينتي رفح والشيخ زويد خلال السنوات الماضية، فضلاً عن حالة الاستقرار التي تعيشها غالبية العائلات في بئر العبد على عكس بقية مدن محافظة شمال سيناء، وهذا يعني فشلاً للمخطط قبل إنتاجه على أرض الواقع في المدينة".

وأضاف المصدر القبلي أنّ الهجمات الأخيرة التي شنها "ولاية سيناء" ضدّ المواطنين وقوات الأمن، في محيط مدينة بئر العبد، كانت دافعاً رئيسياً أمام اتجاه الجيش للبدء في تنفيذ مخطط "الصحوات" في المدينة، مضيفاً: "إلا أنّ سياسات الجيش في التعامل مع المواطنين في سيناء عموماً، كانت كافية لبروز الردود السلبية على كل المبادرات الرامية إلى وضع يد المواطن السيناوي مع الجيش، في مواجهة التنظيم أو أي جهة أخرى". وأشار إلى أنّه يوجد قلق لدى أهالي المدينة "من ردّ فعل الجيش (المتوقع) على رفض المشاركة في هذه المليشيات التي يجري تشكيلها، والذي قد يشمل فرض المزيد من التضييقات على حياة المواطنين، ومعاملتهم كبقية مدن المحافظة (رفح، الشيخ زويد، العريش، وسط سيناء)، بالإضافة إلى القلق على مصير المدينة خلال الفترة المقبلة، في ظلّ محاولات الأمن إدخالها على خط المواجهة كبقية المدن في سيناء".

يشار إلى أنّ تنظيم "ولاية سيناء" يشدّد من إجراءات التعامل مع المجموعات المدنية التي تعمل لصالح الجيش، والتي كانت بداياتها في مدينة الشيخ زويد، من ثمّ تمددت إلى جنوب مدينة رفح، إذ تلقت هذه المجموعات ضربات أدّت لمقتل العشرات من عناصرها بينهم قيادات، بالإضافة إلى تمكّن التنظيم من السيطرة على مقدراتها التي تسلّمتها من قوات الجيش كالسيارات والأسلحة. في المقابل، فإنّ التنظيم ما زال يوجد بشكل قويّ في الميدان، وينفّذ اعتداءات متنوعة في مناطق سيناء كافة.

وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "كلا الطرفين؛ الجيش والتنظيم، يعيان أهمية مدينة بئر العبد. فمن وجهة نظر الجيش، فإنّ المدينة تمثّل نقطة استراحة لقواته، وممراً للإمدادات والتعزيزات العسكرية، وواجهة للهدوء الأمني في المحافظة، وإدخالها على خط المواجهة له توقيته الذي يسعى لتحديده. في حين أنّ التنظيم حدد موعده مسبقاً، وأدخل المدينة على خطّ العمليات، من خلال سلسلة هجمات أدت لنشر الذعر والمخاوف في أوساط المواطنين وقوات الأمن على حد سواء، باقتراب شبح ولاية سيناء من بئر العبد، وما يترتب على ذلك من الدمار والهلاك لأهلها كما حصل في مدن رفح والشيخ زويد والعريش. ويضاف إلى ذلك أنّ التنظيم يرى في مدينة بئر العبد محطة جديدة لاستقطاب العاملين في صفوفه، وجبهة جديدة يمكن اللعب على وترها لتشتيت انتباه الأمن الذي اعتاد تلقّي الضربات في المدن السابقة الذكر طيلة السنوات الماضية".

ووفقاً للباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، فإنّ "التنظيم نفّذ هجماته الأخيرة بشكل مدروس، من حيث شكلها ودعايتها وأدواتها، بالتزامن مع سعي الجيش المصري لتشكيل الصحوات في المدينة. إذ أقدم التنظيم على ذبح أربعة مواطنين بزعم تعاونهم مع الجيش، مع التركيز على نشر موادّ إعلامية متعلقة بهذه الحادثة، بالإضافة إلى اختطافه آخرين بناءً على التهمة نفسها. وتضاف إلى ذلك، إقامة حواجز على الطريق الدولي بشكل لافت وفي فترة زمنية قصيرة، إلى جانب حوادث أخرى كالسطو على بريد قرية الروضة وغيرها. أما رد فعل الجيش، فتركّز في اتجاهات عدة، زادت من رفض المواطنين التعامل معه، كمنع استخدام الدراجات البخارية (الموتوسيكل) في مناطق المدينة كافة، وإغلاق جميع أفرع البريد في المدينة والاكتفاء بالبريد المركزي".

في مقابل ذلك، حذّر إبراهيم المنيعي أحد أبرز مشايخ سيناء، من خطورة تمدد مخطط الجيش لمدينة بئر العبد "لما يحمله من بذور الفتنة بين المواطنين والقبائل، في ظلّ ضعف نشاط التنظيم في المدينة، وعدم تطلّب الأمر مساعدة المواطنين لقوات الأمن في التصدي له". وأشار المنيعي إلى أنّ "كل المخططات الأمنية بما فيها تشكيل المليشيات، لن تفلح في القضاء على ولاية سيناء، في ظلّ عدم الاتجاه لتحقيق مصالحة حقيقية بين الدولة المصرية والمواطن السيناوي، والارتكان إلى الحلّ الأمني في مواجهة التنظيم". واعتبر أنّ "ذلك يستدعي تغييراً في استراتيجية تعامل الدولة مع أهالي سيناء، بما يدفع في اتجاه تخليص المحافظة من الإرهاب، وإعادة الأمن إليها". وأكّد أنّ شباب القبائل "على وعي وفهم يحول دون تمرير هذه المخططات التي يسعها لها الأمن بالاشتراك مع بعض المشايخ".