ليبيا: ماذا يعني توجه قوات الوفاق لترهونة بعد غريان؟

ليبيا: قوات الوفاق تسعى لـ"اختراق كبير" بالسيطرة على ترهونة بعد غريان

29 اغسطس 2019
"الوفاق" تتهيأ للسيطرة على مناطق جديدة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تمكنت قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق من إحراز اختراقات ميدانية هامة خلال معارك أمس، الأربعاء، باتجاه عدة مناطق باتت تهيئ لها فرصا لإحكام سيطرتها على مناطق جديدة خاضعة لسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في غرب البلاد.

ومن أهم المكاسب المحققة سيطرة قوات الجيش على مناطق جديدة باتجاه مدينة ترهونة، التي تعد المركز الوحيد لقوات حفتر والمحاذية لطرابلس من جنوبها الشرقي.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم قوة تأمين طوق طرابلس التابعة للجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق، مهند معمر، فإن قوات الجيش تمكنت، خلال الساعات الماضية من نهار أمس الأربعاء، من اختراق دفاعات مليشيات حفتر في شمالي مدينة ترهونة (95 كم جنوب شرق طرابلس)، مضيفاً أن "قوات الجيش لا تفصلها عن مشارف المدينة إلا ثلاثة كيلومترات فقط".

وقال معمر، لــ"العربي الجديد"، إن عملية التقدم باتجاه ترهونة أوقعت خسائر كبيرة في صفوف قوات حفتر، مشيراً إلى "تراجع كبير لمليشيات ترهونة الموالية لحفتر، وتقهقرها إلى ما وراء الحدود الإدارية للمدينة".

وعن الأوضاع الحالية صباح اليوم، الخميس، أكد معمر أن "الهدوء يطبع محاور أغلب محاور القتال"، لكنه أشار إلى انتظار قادة الجيش لأوامر الغرفة المركزية لقيادة المعركة لاستئناف القتال.

ويبدو أن خطط الجيش تتجه في الوقت الحالي إلى السيطرة على مدينة ترهونة بعد سقوط غريان في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، إذ أكد المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" مصطفى المجعي، قبل أيام، الاستعداد لإطلاق "عملية كبرى" ضد قوات حفتر، تبدأ بـ"تحرير ترهونة".

ورغم نقل قيادة قوات حفتر لغرفة القيادة المركزية للمعركة إلى قاعدة الجفرة (550 كم جنوب غرب طرابلس)، من غريان بعد سقوطها في 26 من يونيو الماضي، إلا أنها لا تزال تعول على أهمية ترهونة التي تعد المركز المتقدم الأول لقواتها باتجاه طرابلس.

وعبر مليشيا الكانيات التي منحها حفتر اسما عسكريا فأصبحت تعرف باسم اللواء التاسع بترهونة، تمكن حفتر من السيطرة على منطقة قصر بن غشير المحاذية للمطار القديم في جنوب العاصمة، وعبرها تمددت إلى أحياء عين زاره ووادي الربيع.

وحتى الساعة لم تعترف قوات حفتر بتقدم قوات الجيش باتجاه ترهونة من محاور القربولي والقويعة والنشيع، شمالها، إلا أن بعض قادتها صرحوا بأن قواتهم صدت هجوما على محور الزطارنة بوادي الربيع.

ويقرأ الخبير في الشؤون الأمنية الليبية العقيد المتقاعد الصديق المجدوب، مستجدات الأوضاع الميدانية بالقول إن "سيطرة قوات الحكومة على مناطق شمال ترهونة ووقوفها على مشارفها حاليا يعني تغير استراتيجيات المعركة، فترهونة ستتحول من موقف الدفاع عن تمركزاتها في قصر بن غشير إلى الدفاع عن ترهونة نفسها، عبر سحب دفعات من قواتها في جنوب طرابلس إلى داخل ترهونة"، معتبرا أنه "مؤشر جديد سيسهل على قوات الجيش السيطرة على مناطق جنوب طرابلس وطرد قوات حفتر منها".

وأضاف المجدوب، في حديث لــ"العربي الجديد"، أن "محاولة قوات حفتر التقدم باتجاه غريان مطلع هذا الأسبوع هي محاولة لاستباق تقدم قوات الجيش باتجاه ترهونة بإبعاد هذا الخطر عنها من خلال فتح جبهات جديدة"، لافتا إلى أن "حفتر يعرف أن الحكومة حريصة على استمرار سيطرتها على غريان، ولذا بدأ بتهديدها".

ورغم ثناء المجدوب على المكاسب الجديدة للجيش، وقبلها سيطرته على أجزاء من السبيعة، إلا أنه أشار إلى أن "قوات حفتر في ترهونة لا تزال تمتلك طرق اتصال بقواتها المسيطرة على مناطق جنوب طرابلس، وأهمها قصر بن غشير، عبر منافذ تمر من بوابة فم ملغة وسوق الأحد وطرقات زراعية أخرى".

ورغم توجه الاهتمام الإعلامي الليبي إلى محاولة تقدم قوات حفتر باتجاه غريان وإحباط المحاولة، حيث بارك المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "صمود أهالي غريان، وكل القوات المدافعة عنها، وإفشالهم محاولة اختراق دفاعات المدينة اليومين الماضيين من قبل مسلحي حفتر"، داعيا، في بيان، ليلة أمس الأربعاء، مسلحي حفتر الذين وصفهم بـ"المغرر بهم والمتورطين في القتال ضمن صفوف المليشيات المعتدية" إلى "تسليم أنفسهم قبل فوات الأوان"، إلا أن المحلل الأمني والعسكري الليبي محيي الدين زكري، اعتبر أن "المعركة الحالية الأهم، والهدف الحقيقي والواضح لقوات الجيش يتجه نحو السيطرة على ترهونة".

 

وللتغطية على خسائرها، تمكنت جهات إعلامية محسوبة على حفتر من اختراق حسابات تابعة لحكومة الوفاق، ليل أمس الأربعاء، ونشر بيان مزور من خلالها يتحدث عن استقالة جماعية لأعضاء المجلس الرئاسي وتسليم السلطة لـ"الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني"، بالإضافة إلى تسليم تنفيذ الترتيبات الأمنية لخليفة حفتر، ما حدا بالحكومة إلى سرعة نفيه والإعلان عن وجود اختراق لحساباتها، مشددة على موقفها من "دحر العدوان على طرابلس".

ولا يعتبر زكري أن لترهونة أهمية في حد ذاتها، وقال، متحدثا لــ"العربي الجديد"، إن "الأهمية تتجاوزها لغيرها، فهي أولا ستستهل القضاء على خلايا حفتر الموجودة بأحياء جنوب طرابلس، لكن الأهمية الأكبر تتمثل في فتح المجال للدخول لمنطقة الجفرة، التي تعد اليوم مركز وجود قوات حفتر ودعم معاركه في الغرب الليبي".

وأشار إلى أن الأنباء المتداولة عن وجود تواصل بين الحكومة ومشايخ ترهونة في الآونة الأخيرة تدل على "نية الحكومة توجيه قواتها لاقتحام المدينة من جانب، ومن جانب آخر علم حفتر بقرب سقوط ترهونة، من خلال مشاوراته واتصالاته بمشايخ مدينة بني وليد، لتمثل درعا جديدا للدفاع عن منطقة الجفرة".

وبحسب تقديراته العسكرية، يرى زكري أن "معركة ترهونة لن تطول كثيرا بسبب التململ الداخلي"، لكنه أشار إلى أن "تمكن قوات الحكومة من السيطرة على ترهونة يعني أن المجال أصبح مفتوحا للتقدم باتجاه الجفرة، وهي منطقة صحراوية تقع في أرض مفتوحة تسهل محاصرتها وإحكام غلق الطرق المؤدية إليها".

ويصف زكري أهمية قاعدة الجفرة بالنسبة لحفتر بأنها "قاعدة هامة لتجميع قواته، ولتسيير الإمدادات العسكرية وإطلاق الطائرات المسيرة، والسيطرة عليها ستعطي نتائج كبيرة، أولها انكشاف الدعم الإماراتي والمصري الموجود داخل القاعدة، بالإضافة لانتقال تمركز حفتر في قواعد بعيدة عن الغرب الليبي، ولا يمكنه بعدها استهداف مدن هامة مثل طرابلس ومصراته".​

المساهمون