رسائل التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في سورية

رسائل التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في سورية

26 اغسطس 2019
أعلنت إسرائيل رفع حالة التأهب في الجولان(جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -



تعيد الغارة التي نفذتها دولة الاحتلال الإسرائيلية، ليلة السبت الماضي، على مواقع لفيلق القدس الإيراني في قرية عقربا السورية، واعترفت بها إسرائيل علناً على لسان كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والناطق الرسمي بلسان جيش الاحتلال رونين ملينس، إلى الأذهان سلسلة غارات مشابهة نفذتها إسرائيل في قلب سورية، في 18 مايو/أيار من العام الماضي، رداً على قصف الجهة الواقعة تحت الاحتلال من هضبة الجولان بقذائف صاروخية، قامت بها مليشيات إيرانية رداً على استهداف إسرائيل لمواقع عسكرية إيرانية في سورية.

وكانت تلك المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية، المواجهة العسكرية الأولى المعلنة، والتي لم يحاول أي من الطرفين نفيها أو الاختباء وراء تعابير جهات مجهولة. وكما في حالة الغارة على عقربا، ادعت دولة الاحتلال، في 8 مايو من العام الماضي، أن قصف منصات إطلاق صواريخ تابعة لإيران في سورية كان بهدف إحباط عملية مخططة ضد إسرائيل.

ومع ذلك، فإن مسارعة إسرائيل، الليلة الماضية، لإشهار الغارة على عقربا، تحمل رسائل عدة لأطراف مختلفة تبدأ من روسيا (بحسب المحلل العسكري الإسرائيلي في القناة العاشرة روني دانيل) مروراً بإيران و"حزب الله" وانتهاء بالناخب الإسرائيلي. ولعل أبرز رسائل هذه الغارة، هي الموجهة ربما للولايات المتحدة، التي كانت أعربت، بحسب تقارير إسرائيلية، عن معارضتها وعدم رضاها عن الغارات التي شنتها إسرائيل في يوليو/تموز الماضي على مواقع للحشد الشعبي في العراق، وسعت إلى التنصل من أي مسؤولية عنها في نفس الليلة، ثم سعت إلى فضح مسؤولية إسرائيل عنها علناً، عبر تسريبات مسؤولي الاستخبارات الأميركية لتفاصيل تلك الغارة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الجمعة الماضي. وتشكل الغارة على عقربا، بعد سيل من التصريحات التي أطلقها نتنياهو في الأسبوع الأخير، بأنه "لا حصانة لإيران في أي مكان"، على ما يبدو تجاوباً مع الموقف الأميركي الرافض لاستمرار الغارات في العراق، والساعي إلى وقفها كي لا تضر بالمصالح الأميركية في العراق والخليج عموماً، لا سيما بفعل العلاقة الجيدة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكومة العراقية الحالية.

أما على صعيد الرسائل الموجهة لموسكو، فبحسب دانيل فإن إسرائيل سعت إلى التلميح لروسيا بوجوب التزام الأخيرة بالتفاهمات التي تم التوصل إليها العام الماضي بشأن خفض مناطق التوتر في الجنوب، والتي شملت بحسب تقارير مختلفة، في حينه، تعهداً روسياً بإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية لغاية 40 كيلومتراً عن دمشق. مع ذلك فإن تقديرات دانيل قد لا تكون تستند إلى معلومات موثوقة، لا سيما وأن نتنياهو لا يرغب في الوقت الحالي، وفي أوج المعركة الانتخابية، في إثارة أي توتر في العلاقات الوطيدة بين إسرائيل وروسيا، خصوصاً في ظل استمرار التنسيق الأمني بين الطرفين، منذ تفاهمات ديسمبر/كانون الأول العام 2015، الذي يمنح إسرائيل حرية التحرك جوياً في سورية. في المقابل، فإن استهداف مواقع فيلق القدس الإيراني، يوجه لإيران رسالة واضحة بأن أي محاولة من قبلها لإطلاق طائرات مسيرة لاختراق الأجواء الإسرائيلية لن تكون مقبولة، وسيتم الرد عليها فوراً، على الرغم من أنه لا يوجد دليل على ما تدعيه دولة الاحتلال بشأن إحباط وجود خطة إيرانية لضرب أهداف إسرائيلية.


لكن الملفت في التصعيد الأخير، هو الصمت الإسرائيلي المطبق في كل ما يتعلق بما حدث فوق أجواء الضاحية في بيروت، بعد سقوط طائرتين مسيرتين. ويبدو أن هذا الصمت نابع من عدم رغبة إسرائيلية بإحراج "حزب الله" ودفعه للرد على هذه الخطوة، لأن الاعتراف بها يعني خرقاً للخطوط الحمراء التي كان الحزب أعلنها مراراً وأنه لن يسكت على استهداف الأراضي اللبنانية، خلافاً لمسألة قيام إسرائيل بقصف واستهداف قوافل الأسلحة فيما كانت على الأراضي السورية. ولعله من المفيد في هذا السياق ذكر ما أشار إليه المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، عندما قال إنه في الظروف الحالية قد تكون هناك مصلحة مشتركة لدى الطرفين، إسرائيل و"حزب الله"، بعدم تصعيد حدة المواجهة ونقلها إلى الأراضي والأجواء اللبنانية.

والغارة الإسرائيلية على مواقع فيلق القدس في قرية عقربا السورية، تعيد مركز ثقل النشاط الإسرائيلي ضد إيران إلى الأراضي السورية، ضمن ما تسميه إسرائيل "المعركة بين الحروب"، وهي تتيح لنتنياهو متنفساً في الانتخابات المقررة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، يمكنه من استعادة صورة الزعيم الذي لا يتهاون عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل. وقد برز ذلك جلياً في مسارعة وزير خارجية الاحتلال في حكومة نتنياهو، يسرائيل كاتس، إلى التأكيد على أن الغارة الليلة قبل الماضية جاءت ضمن السياسة الأمنية لنتنياهو، الذي يثبت قدرة على اتخاذ القرار الحاسم واللازم وتحصيل موافقة الكابنيت السياسي والأمني للحكومة، عندما يتعلق الأمر بالأمن الإسرائيلي وبالتهديدات الأمنية والخطر الذي تشكله إيران وتموضعها العسكري في سورية.

وفي هذا الباب، فإن تصريح كاتس، والغارة أول من أمس، تذكر أيضاً بالوضع الذي ساد في الحكومة الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما رفض أفيغدور ليبرمان اتفاق التهدئة مع حركة حماس، وانسحب من الحكومة الإسرائيلية، فيما حاول زعيم "البيت اليهودي" آنذاك نفتالي بينت التهديد بأزمة ائتلافية إذا لم يتم تعيينه وزيراً للأمن، متهماً نتنياهو، مثله في ذلك مثل ليبرمان، بالتهاون في مواجهة "حماس". وقد رد نتنياهو، آنذاك، بداية بالحديث عن تحديات خطيرة في الشمال، سرعان ما ترجمها الاحتلال بعد ذلك بأسابيع بعملية "درع الشمال"، التي قام الاحتلال خلالها بالكشف عن أنفاق هجومية لـ"حزب الله" تصل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية عند الحدود الشمالية مع لبنان.

ومن المنتظر في هذا الباب أن يستخدم نتنياهو الغارة على عقربا، لرد وصد الاتهامات له من قبل خصومه السياسيين في المعركة الانتخابية، وقد باتت تقترب من نهايتها، بأنه يتهاون في مواجهة "حماس"، بل ويدفع "الأتاوة" للحركة، في إشارة إلى أموال الدعم التي تقدمها قطر لإعادة إعمار قطاع غزة. وكان آخرها تلك التي قدمها، أواخر الأسبوع الماضي، السفير القطري محمد العمادي في قطاع غزة، بعد أيام من الإعلان عن توصل حكومة الاحتلال أيضاً إلى تفاهمات مع السلطة الفلسطينية بإعفاء إسرائيل لها من رسوم جمركية على الوقود الذي تشتريه السلطة من إسرائيل، بما يمنح السلطة مبلغ 2 مليار شيقل (نحو 570 مليون دولار) تقريباً، تخصم منها نحو 300 مليون شيقل مستحقة لشركة الكهرباء الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية.

التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، بموازاة الخطوات المذكورة حيال قطاع غزة والسلطة الفلسطينية، يمنح نتنياهو ورقة يلوح بها ضد خصومه، وأمام الناخب الإسرائيلي، خصوصاً أنه أعلن أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة، أنه يُعد لمعركة واسعة في قطاع غزة لحسم المعركة ضد "حماس"، لكنه يفضل التهدئة ما دام ذلك ممكناً، للتفرغ لمواجهة التحديات والأخطار الأمنية على جبهات أخرى، في إشارة واضحة لمسألة التموضع الإيراني في سورية. مع ذلك فإن الإعلان والمجاهرة بالعملية ضد مواقع فيلق القدس الإيراني في الأراضي السورية، من شأنه أن يكون سبباً في رد إيراني مشابه للذي كان في مايو 2018، وهو ما يفسر حرص دولة الاحتلال على الإعلان عن رفع حالة التأهب في صفوف سلاح الجو، ونشر منظومات "القبة الحديدية" في مناطق مختلفة في الجولان تحسباً لرد إيراني. لكن يبدو أن النفي الإيراني، غير الرسمي، على الأقل لغاية الآن، حسبما جاء على لسان القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني الجنرال محسن رضائي، بقوله "هذا كذب وغير صحيح. لا تملك إسرائيل والولايات المتحدة القوة لمهاجمة مختلف مراكز إيران، ومراكزنا الاستشارية (العسكرية) لم تُصب بضرر"، من شأنه أن يكون مؤشراً إلى عدم رغبة طهران في التصعيد، في المرحلة الحالية على الأقل.

المساهمون