غضب في أوساط اليهود الأميركيين بعد تصريحات ترامب

غضب في أوساط اليهود الأميركيين بعد تصريحات ترامب

22 اغسطس 2019
كان لعبارات ترامب وقع الصاعقة (Getty)
+ الخط -
ليست المرة الأولى، لكنها الأخطر بالنسبة لليهود الأميركيين إذ يتم فيها اتهامهم صراحة بـ"عدم الولاء" على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

يخيفهم هذا الاتهام أكثر من أي شيء آخر خاصة وأنه تكرر. في أبريل/نيسان الماضي خاطب ترامب تجمعاً من اليهود الجمهوريين بقوله "وقفت في البيت الأبيض مع رئيس وزرائكم – نتنياهو – ...". تهمة مبطّنة بازدواجية الولاء أو هكذا بدت أثارت آنذاك اعتراضات يهودية واسعة لكن سرعان ما جرت لفلفتها من باب أنه يقصد اليهود الجمهوريين فقط المؤيدين بقوة لنتنياهو.

الآن التهمة مباشرة وبدون مداورة حيث اتهم ترامب اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين بأنهم "مدانون إما بالافتقار التام للمعرفة أو بعدم الولاء الشديد"، مع العلم أن حوالي سبعين بالمئة من اليهود الأميريكيين يصوتون تاريخياً للحزب الديمقراطي. 
تصنيف ترامب لا لبس فيه ولو أنه لم يحدد الجهة المفترض أن يكون اليهود موالين لها وهي في هذه الحال أميركا. أو هكذا تعاملت معها القوى والجهات اليهودية الأميركية بالاستناد إلى خلفية كلام الرئيس، سواء في أبريل الماضي أو في اغسطس/آب 2017 عندما غض النظر عن هتاف القوميين البيض في تظاهرة تشارلوتسفيل الشهيرة، الذين رددوا "اليهود لن يحلوا مكاننا".
 
ومن هنا كان لعبارات ترامب أمس وقع الصاعقة. الغالبية الكاسحة من الهيئات والقيادات والمنظمات اليهودية سارعت إلى إدانة كلام الرئيس واصفة إياه بـ"الخطير" وبلغة لا تخلو من الرعب والغضب. حتى الجهات والرموز اليهودية المعتدلة والمتوازنة في مواقفها، سارعت إلى التصدي وبنبرة حادة لرد "تهمة الخيانة" عن اليهود الأميركيين، كما قال مارتن انديك السفير والمسؤول الأسبق في وزارة الخارجية.

التشكيك بولاء اليهود لأميركا بنظر اليهود لا يقل عن تحريض قد تتبعه استباحات كثيرة ليس فقط على صعيد السلامة الشخصية بل أيضاً على صعيد الامتيازات والنفوذ خاصة في لحظة

صعود التيار القومي الأبيض الذي خرج من المستور إلى العلن وأطلق شعار أن "اليهود لن يحلوا مكاننا".

هذه المخاوف اليهودية استحضرتها وقائع التاريخين القريب والأبعد، في ظل شبهة متداولة منذ زمن تحت السطح في صفوف هذا التيار، بأن ولاء اليهود الأول لإسرائيل وأن الوضع الممتاز الذي يحظون به في أميركا يفيض عن حجمهم واستحقاقهم. أمران في منتهى الحساسية لدى اليهود في أميركا.

على هذه الأرضية، وقعت قبل أقل من سنة مجزرة الكنيس اليهودي في مدينة بيتسبرغ وأودت بحياة 11 من المصلين، على يد قاتل محسوب على تيار القوميين البيض ومتأثر بثقافته وطروحاته وكان يردد بأن "اليهود أعداء البيض". ثم بعد أيام قليلة من انتخابات الرئاسة في 2016 وقعت عدة حوادث بدافع الكراهية (حوالي 900 حسب الاحصائيات) استهدفت الأقليات من مسلمين وملونين ومهاجرين ويهود. كما حصلت عدة عمليات تخريب جرت في 2017 واستهدفت مئات القبور في مدافن اليهود بمدينتي سانت لويس وفيلادلفيا.

أما في الماضي الأبعد، فالمعروف أن العداء للمهاجرين ومنهم اليهود مغروس في عمق التاريخ الأميركي ويعود ذلك إلى بدايات عام 1800. لكن باب الهجرة بالرغم من تضييقه سمح بين 1881 و1914 بدخول حوالي 22 مليون مهاجر، من بينهم 1,5 يهودي. على الأثر اعترض "المعادون للمهاجرين" على دخولهم. وبعد الحرب العالمية الأولى استجاب الكونغرس وعمل على تضييق الهجرة. مع ذلك عاد ودخل حوالي 20 ألف يهودي.

التخوف الآن من أن أجواء اليوم تحاكي في كثير من تعبيراتها تلك الأجواء. لكن يومذاك استوعبت أميركا المهاجرين لأنها بلد مهاجرين وكانت الأولوية للبناء. أما اليوم فالأولوية عند الشعبويين البيض للصفاء العرقي وما ينتجه من نفور ورفض علنيين للآخر.


حيث بلغ ترامب حدّ مطالبة الآخرين "بالعودة إلى بلادهم" حتى ولو كانوا يتمتعون بحصانة الكونغرس. جرافة لا تستثني أحداً لو تمكنت من مواصلة زحفها. وهذا ما رفع منسوب الخشية لدى اليهود بعد أن رسم الرئيس علامة استفهام حول ولائهم الوطني.

هل تجمع المصيبة بين الأقليات الدينية والعرقية والثقافية، من "ملونين" ويهود ومسلمين ومهاجرين في أميركا؟ الواضح الآن أنهم مستهدفون في زمن مدمن على تكسير المألوف.

دلالات