قصة إبادة خان شيخون: توحُّش الجبناء لتفادي المواجهة

قصة إبادة خان شيخون: توحُّش الجبناء لتفادي المواجهة

21 اغسطس 2019
استخدمت قوات النظام وروسيا قوة تدميرية(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
بعد معارك، بدأت ليلة الإثنين واستمرت حتى ساعات فجر أمس الثلاثاء، تمكنت قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة لها من السيطرة على مدينة خان شيخون والتلال والمواقع المحيطة بها. واستخدمت هذه القوات وروسيا قوة تدميرية ضخمة، لفتح الطريق أمامها وتجنّب الالتحام المباشر مع مقاتلي المعارضة، الذين انسحبوا من مواقعهم على خطوط التماس في ريف حماة الشمالي، خشية تعرضهم للحصار.

وقالت مصادر عسكرية إن قوات النظام زجت بالمعركة نحو 1500 عنصر من "الفيلق الخامس" و"قوات النمر" و"لواء القدس" و"الحرس الجمهوري" ومجموعات تتبع لبعض الفرق العسكرية النظامية، مزودين بعشرات الدبابات والمركبات. وأوضحت أن هذه القوات قامت بالالتفاف على أحياء خان شيخون الشرقية شرقي الطريق الدولي دمشق - حلب، واشتبكت مع الفصائل وسط المدينة بعد منتصف الليل، فيما دخلت الأحياء الشمالية والشمالية الغربية من محوري تلة النمر وحاجز الفقير بعد أن استولت على ما تبقى من التلال والأحراش والمواقع المحصنة في الأطراف الشمالية والغربية للمدينة، وسط قصف مدفعي وصاروخي وجوي مكثف استهدف كامل أحياء المدينة، فيما كانت طائرات حربية أخرى ترصد وتستهدف تحركات الفصائل وإمداداتها إلى المدينة.

وأوضحت المصادر أن بعض الكتائب المقاتلة قررت مبكراً الانسحاب من المدينة بسبب الضغط الناري الكثيف، في حين قررت مجموعات أخرى البقاء والمقاومة، مشيرة إلى اندلاع معارك عنيفة في ساحة الشهداء وعلى جانبي الطريق الدولي في الأحياء الشرقية. غير أن المقاومين وبرغم تمكنهم من إيقاع خسائر بشرية في صفوف قوات النظام، لم يتمكنوا من وقف الهجوم، وانسحبوا إلى أطراف المدينة. وحسب هذه المصادر، فإن قوات النظام استخدمت قوة نارية هائلة، إذ شنت الطائرات الحربية والمروحية عشرات الغارات، استخدمت فيها قنابل ارتجاجية وصواريخ فراغية، ما دفع مقاتلي المعارضة لإخلاء مواقعهم. وعزت مصادر ميدانية تحدثت لـ"العربي الجديد" تمكن قوات النظام من تحقيق هذا التقدم على حساب الفصائل، إلى استخدامها تكتيكات جديدة، تعتمد إضافة إلى الكثافة النارية العالية، على القتال الليلي وتجهيزاته غير المتوفرة لفصائل المعارضة، مشيرة إلى تزويد روسيا للنظام بمناظير ليلية، ودبابات حديثة من طراز "تي 90" مجهزة للقتال الليلي أيضاً، ومشاركة قوات روسية خاصة في هذا الهجوم، ليس في القيادة والتوجيه فقط، بل في القتال الفعلي في بعض المراحل.

وأوضحت المصادر أن النظام اعتمد في معركة خان شيخون، كما في معاركه الأخيرة، على الهجوم من عدة محاور، ما شتت من تركيز الفصائل وأضعف قدرتها على شن هجمات معاكسة من المناطق غير الساخنة، بالإضافة الى قلة الذخيرة، خصوصاً بالنسبة للأسلحة الثقيلة، للرد على القصف المعادي وإسكات مصادر النار. وبشكل عام تتفوّق قوات النظام بشكل كبير على الفصائل بأنواع الأسلحة التي تملكها، إذ تعتبر أسلحة الفصائل بدائية قياساً لما زودت روسيا به قوات النظام أخيراً. كذلك استخدمت قوات النظام قنابل تحوي على مسامير بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المقاتلين والمدنيين، فضلاً عن استخدام الطائرات المسيرة، التي تمهد الطريق أمام الطيران الحربي لاستهداف المجموعات المقاتلة.

من جهته، قال القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد فشل القوات المشتركة المعتدية (الروسية والإيرانية والأسدية) في اجتياح القطاع الجنوبي لمنطقة إدلب، عمدت إلى تطويق المنطقة بغية قطع الإمداد عن الفصائل الموجودة في هذا القطاع ومؤازرتها، وعزل نقطة المراقبة التركية الموجودة في مورك. ونظراً إلى وجود تحصينات وخطوط دفاع، فقد عمدت تلك القوات إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة، والقصف العنيف بكل الوسائط النارية، وتأمين ناري جوي للقوات المقتحمة في العمق، لدرجة أن الطائرات كانت تغير عدة مرات على مجموعة من المقاتلين، ما اضطرهم للانسحاب، وإعادة الانتشار بطريقة تمكنهم من إعادة تنظيم الصفوف والقيام بهجمات مضادة". وأوضح أن "ما صعب من وضع مقاتلي المعارضة هو سيطرة قوات النظام على محيط المدينة، والتلال المتحكمة بطرق الإمداد، ما اضطرهم للانسحاب خوفاً من تعرضهم للحصار".

وبالنسبة للوضع في شمالي حماة، باتت خطوط التماس هناك خالية بالكامل من أي وجود للمعارضة المسلحة بعد انسحاب "الجبهة الوطنية" و"هيئة تحرير الشام" و"جيش العزة" من مواقعها في مدن وبلدات اللطامنة وكفرزيتا ولطمين واللحايا ومورك وأرض لطمين وغيرها من المواقع والبلدات شمال حماة. غير أن قوات النظام والمليشيات لم تتقدم نحو كامل المنطقة، بل نحو المواقع العسكرية في خطوط التماس فقط خشية تعرضها لكمائن، فيما ما يزال مصير نقطة المراقبة التابعة للجيش التركي في مورك مجهولاً. وبينما تعمل قوات النظام على تثبيت مواقعها في محيط خان شيخون، قالت الفصائل إن انسحابها من جبهات القتال في ريف حماة الشمالي كان ضرورياً بعد خسارة المدينة وباتت الطرق الواصلة بين إدلب وشمال حماة مرصودة نارياً. وقالت غرفة عمليات "الفتح المبين"، في بيان، إنه "بعد القصف الشديد من قبل قوات العدو المجرم، الذي يتجنب المواجهة مع المجاهدين باتباع سياسة الأرض المحروقة، أعاد المجاهدون التمركز في جنوب مدينة خان شيخون، مع بقاء الجيب الجنوبي تحت سيطرة المجاهدين في مورك واللطامنة وكفرزيتا وغيرها من البلدات".

وفي المحور الشرقي، لم تنسحب المعارضة من جبهاتها في سكيك وترعي، فيما ما تزال التمانعة شرق خان شيخون تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، أي أن الطريق بين إدلب وجنوب حماة ما يزال مفتوحاً بعرض 10 كيلومترات، برغم خطورته ورصده من قبل قوات النظام. ويرى مراقبون أن التقدم، الذي أحرزته قوات النظام في خان شيخون وريف حماة الشمالي، قد يفتح شهيتها للتقدم نحو معرة النعمان والسيطرة على المنطقة الواقعة على جانبي الطريق الدولي بين خان شيخون ومعرة النعمان في مرحلة لاحقة، حيث تتعرض هذه المنطقة لقصف شديد. وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قد وثّقت، في تقرير، أبرز أنواع الأسلحة التي استخدمتها قوات النظام وروسيا في معاركها الحالية، مشيرة إلى أن المنطقة باتت ساحة تجربة عملية للأسلحة التي تصنعها الشركات الروسية. وأكد التقرير استخدام الأسلحة الحارقة والذخائر العنقودية والصواريخ التقليدية والمسمارية، والبراميل المتفجرة. وسجل، منذ بداية التصعيد في 26 إبريل/ نيسان الماضي، إلقاء ما لا يقل عن 3172 برميلاً متفجراً، ووقوع 22 هجوماً بالذخائر العنقودية و20 بالأسلحة الحارقة وسبع هجمات بصواريخ مسمارية وهجوم واحد بالأسلحة الكيميائية. ووثق مقتل 843 مدنياً، بينهم 223 طفلاً و152 سيدة.

من جهته، دعا فريق "منسقو الاستجابة في سورية"، في بيان، إلى "هدنة إنسانية" شمال ووسط البلاد، لإخلاء المناطق التي تشهد مواجهات بين قوات النظام والفصائل العسكرية. وطالب الفريق "بتجنيب المدنيين جنوب مدينة إدلب وشمال حماة أي خطر، وإبعادهم عن المناطق التي تشهد معارك ومواجهات"، محذراً قوات النظم السوري وروسيا من ارتكاب أي عمليات "تصفية" بحق المدنيين في المناطق التي سيطرت عليها أخيراً. وأكد نشطاء نزوح أكثر من 25 ألف مدني من مدينة خان شيخون خلال الـ24 ساعة التي سبقت وقوعها بيد قوات النظام، مشيرين إلى أنها باتت حالياً شبه خالية من السكان حالياً.

وللنظام السوري تاريخ حافل بالمجازر مع خان شيخون، كان أبرزها مجزرة الكيميائي في 4 إبريل/ نيسان عام 2017، حين ألقت طائرات النظام غازات سامة على المدينة، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة مدني وإصابة نحو 500 جلهم من الأطفال والنساء. وعلى مدار السنوات، ارتكبت قوات النظام عشرات المجازر في المدينة، نتيجة عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي. وارتكبت قوات النظام بين 9 فبراير/ شباط و10 مارس/ آذار الماضيين تسع مجازر، أدت إلى مقتل 52 مدنياً وإصابة 93، جراء استهداف المدينة بأكثر من ألف قذيفة مدفعية وصاروخية، وعشرات الغارات الجوية. كما قتل وأصيب العشرات في الحملة الحالية على الشمال السوري. يشار إلى أن خان شيخون تتبع إلى منطقة معرة النعمان في محافظة إدلب، وتقع على الطريق الدولي بين حلب ودمشق. ويعتمد سكانها، الذين زاد عددهم عن 50 ألفاً قبل عام 2011، على التجارة والزراعة، خصوصاً تجارة السيارات والحبوب وزراعة الزيتون والفستق الحلبي والقمح والبطاطا والقطن.