إقرارات المعتقلين بعدم التعذيب: محاولة لطمس الجرائم وإعادة القحطاني

إقرارات المعتقلين السعوديين بعدم التعذيب: محاولة لطمس الجرائم وإعادة القحطاني

20 اغسطس 2019
تظاهرة بباريس داعمة للمسجونات في السعوديةــ مارس 2019(فرانس برس)
+ الخط -
تحاول السعودية السيطرة على فضائح التعذيب داخل سجونها، والتي أشرفت عليها فرق أمنية تشكلت بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، في محاولة لوأد كافة التيارات الإصلاحية، والقضاء على أي صوت مُخالف أو معارض.

وأجبرت السلطات السعودية عدداً من المعتقلين على التوقيع على أوراق تُفيد بعدم تعرضهم للتعذيب، وتؤكد أنهم لم يدلوا بأية اعترافات تدينهم تحت طائلة التعذيب. كما حاولت إجبار مشاهير المعتقلين وذوي التأثير الكبير مثل الناشطة النسوية لجين الهذلول، والداعية الإسلامي سلمان العودة، على تسجيل مقاطع فيديو تؤكد عدم تعرضهم للتعذيب لاستخدامها فيما بعد.

وزار وفد من جهاز أمن الدولة، وهو جهاز أمني قام بن سلمان بتشكيله لملاحقة معارضيه، المعارضة لجين الهذلول مرتين، وطلب منها التوقيع على ورقة تُفيد بعدم تعرضها لأية عمليات تعذيب مقابل الإفراج عنها، وفق ما تقول عائلتها، لكن في الزيارة الثالثة لأفراد أمن الدولة إلى الهذلول، طُلب منها تسجيل مقطع فيديو تنفي فيه الأنباء التي تشير لتعرضها للتعذيب. من جهته، كتب الأكاديمي والمعارض المقيم في الولايات المتحدة الأميركية عبد الله العودة مقالاً، في صحيفة "الغارديان" البريطانية، قال فيه إن والده أخبر عائلته بتعرضه للتضييق في النوم ومنع الدواء عنه، إضافة إلى توقيعه لأوراق لا يعرف ماهيتها. وتحاول السلطات السعودية إجبار أكبر عدد ممكن من المعتقلين على تسجيل مقاطع فيديو تثبت عدم تعرضهم للتعذيب مقابل وعود بالإفراج عنهم، ونقلهم إلى أماكن سجن أفضل، وتوفير خدمات لهم داخل السجن، وذلك في محاولة لتبرئة نفسها من تهمة الاعتقال الجائر والتعذيب، إضافة إلى تبرئة اسم المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي عُزل من منصبه بعد ضغوط أميركية على خلفية تخطيطه وإصداره أوامر مباشرة باغتيال الصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.



وأشارت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهدف من إجبار لجين الهذلول على تصوير اعترافات تنفي تعرضها للتعذيب هو تلميع صورة المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي أشرف على عملية تعذيبها وتعذيب بقية الناشطات النسويات، وفق ما تقول عائلة الهذلول التي يعيش أفرادها في الخارج هرباً من بطش السلطات السعودية. وقال وليد الهذلول، شقيق لجين، في شهادة أمام الكونغرس، إن القحطاني هو من أشرف على عملية تعذيب أخته، وهددها بالقتل والاغتصاب. وأوضح أن "المسؤولين السعوديين لم يقوموا بالتعذيب لانتزاع الاعترافات فحسب بل لأن المسؤولين يستمتعون بعمليات التعذيب". وجرت عملية تعذيب لجين الهذلول في الفترة ما بين مايو/أيار وأغسطس/آب 2018 في فندق سري قرب سجن ذهبان غرب البلاد، قبل أن يتم نقلها إلى سجن ذهبان، حيث تعرضت لمعاناة كبيرة هناك، ثم نُقلت إلى سجن الحائر في الرياض في أواخر العام 2018 وفق ما ذكرت علياء الهذلول شقيقة لجين.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، مطلع فبراير/شباط الماضي، عن مسؤول سعودي قوله إن ولي العهد لا يزال يتصل بالقحطاني طلباً للمشورة، وإنه يواصل عمله كمستشاره الخاص. ووفقاً لما أفاد به مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية فإن نشاطات القحطاني لم تُقيد، وأنه شوهد في أبو ظبي رغم وعود السلطات السعودية بمحاسبته. وكان مصدر رفيع المستوى ومقرب من الأسرة الحاكمة السعودية قال، لـ"العربي الجديد"، إن القحطاني حصل على ضمانة من ولي العهد بعدم محاسبته، وأنه "أقسم" على إعادته إلى منصبه الرسمي بمجرد أن تهدأ الأمور وينسى العالم قضية خاشقجي. وكان المصدر، الذي يعد أحد المقربين من أبناء الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز وعمل تحت إمرتهم فترة طويلة، قال إن القحطاني بات يتنقل بسيارة واحدة فقط بعد أن كان يتنقل بموكب صغير، وقُلصت بعض صلاحياته، لكنه لا يزال يشرف على الأمن والإعلام ويمارس عمله بأريحية عبر برنامج "الواتساب".

وشنت السلطات السعودية، مطلع إبريل/نيسان الماضي، حملة اعتقالات طاولت ناشطين حقوقيين وقوميين، من بينهم صلاح الحيدر نجل الناشطة النسوية المفرج عنها عزيزة اليوسف. وحملت هذه الاعتقالات، بحسب معارضين سعوديين، بصمات القحطاني، كدلالة على وجوده في المشهد الأمني والإعلامي حتى الآن. كما أن الإعلام السعودي لا يزال يتلقى الأوامر من القحطاني. ويواصل الإعلاميون الموالون له التمهيد لعودته ويؤكدون بأنها ستكون قريبة. وذكرت وكالة "رويترز"، في وقت سابق، أن القحطاني لا يزال يملي النهج الرسمي للديوان الملكي على كتاب الأعمدة والصحف على الرغم عزله.

ولا يستبعد أن يكون محمد بن سلمان يفكر بامتصاص الغضب العالمي من اغتيال خاشقجي عبر التضحية بأفراد جهازه الأمني غير المهمين، والذين أشرفوا على عملية الاغتيال، مقابل إعادة القحطاني إلى الواجهة، عبر تبرئة اسمه وقيام المعتقلين الحاليين بالثناء عليه وتبرئته من أي تهمة موجهة له، كونه يُعد من الأسماء المهمة التي ساهمت برسم خارطة ولي العهد نحو السيطرة المطلقة على الحكم في البلاد، وقيامه بالانقلاب على أبناء عمومته وسجنهم عبر ما عرف بحملة "الريتز كارلتون" أواخر العام 2017، والتي استهدفت أمراء من الأسرة الحاكمة ورجال أعمال مهمين في البلاد. وقال المعارض السعودي عبد الله الغامدي، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السعودي يعتقد أن بإمكانه شراء العالم وأن الأحرار حول العالم يمكن أن ينسوا أن القحطاني قد أمر بقتل رجل معارض، ومن ثم تقطيع جثته بالمنشار، وهذا يشير لشيء واحد، وهو أن النظام السعودي منفصل عن العالم ولا يعي حجم الضغوط الدولية عليه نتيجة جرائمه البشعة. وأضاف "سيبقى القحطاني ملاحقاً من قبل العالم، ولن يستطيع بن سلمان شراء براءته، ولو أجبر كل المعتقلين على تسجيل مقاطع مرئية تمدح بالقحطاني وتصوره بصورة الملاك".