جدل الانتخابات التونسية: مخاوف من استغلال الشاهد ووزرائه لمناصبهم

جدل الانتخابات التونسية: مخاوف من استغلال الشاهد ووزرائه لمناصبهم

16 اغسطس 2019
أكد فريق الزبيدي تقديمه استقالته من وزارة الدفاع(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

تزايدت مخاوف الأحزاب والسياسيين والمنافسين في الانتخابات التونسية، من استغلال رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزرائه المرشحين لنفوذهم ومناصبهم وإمكانيات الدولة في الحملة الانتخابية، التشريعية والرئاسية، التي بدأت طبولها تقرع قبل أيام. وارتفع منسوب الاحتقان الانتخابي بين المتنافسين، مع إعلان قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، وإفصاح هيئة الانتخابات عن القوائم التشريعية المقبولة، ليطفو من جديد الجدل حول استغلال الشاهد، المرشح للانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، إلى جانب سبعة من وزرائه، الذين يرأسون قوائم حزبه "تحيا تونس"، وقوائم شريكه في الحكم حركة "النهضة"، لنفوذهم ومناصبهم.

وتقدّم وزيران من أصل 9 مرشحين، أمس الخميس، بشكل رسمي باستقالتهما من حكومة الشاهد. ونشر محمد الفاضل محفوظ، الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، نص استقالته في بلاغ على صفحة الوزارة. كما أكد فريق المرشح عبد الكريم الزبيدي تقديمه استقالته من وزارة الدفاع للرئيس المؤقت محمد الناصر. ورافق إعلان الزبيدي استقالته مباشرة إثر ترشحه، مواقف متباينة، بين من اعتبر في ذلك نزاهة وشفافية، وبين من رأى في موقفه إضراراً بالمؤسسة العسكرية في هذه الفترة الانتخابية وإزاء تنامي مخاطر التهديدات الإرهابية بسبب الفراغ الذي خلّفه، حتى بعد تعهده بتسيير الأعمال بشكل مؤقت.

وطالب سياسيون ونشطاء الوزراء السبعة المتبقين بالاستقالة، وثلاثة منهم وزراء عن حزب "تحيا تونس"، وهم وزير النقل هشام بن حمد وترشح عن دائرة تونس 2، ووزير أملاك الدولة الهادي الماكني الذي ترشح عن باجة، والمستشار برتبة وزير كمال الحاج ساسي الذي ترشح عن صفاقس. أما وزراء "النهضة" الأربعة المرشحون، فهم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري الذي ترشح عن سوسة، ووزيرة التشغيل والتكوين سيدة الونيسي التي ترشحت عن فرنسا، وكاتب الدولة للرياضة أحمد قعلول الذي ترشح في نابل، والمستشار برتبة وزير فيصل دربال الذي ترشح في صفاقس.

وقال الأمين العام لحركة "الشعب" المعارضة زهير مغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه من باب النزاهة الأدبية والأخلاقية ألا يستغل رئيس الحكومة ووزراؤه إمكانيات الدولة ووسائلها في حملتهم الانتخابية، مشيراً إلى أن حركة "الشعب" طالبت الشاهد باحترام قواعد التنافس النزيه وتحييد الإدارة، وعدم استغلال إمكانيات الحكومة والسيارات والسلطة التي تحت إشرافه لكسب النقاط الانتخابية والتأثير على الناخبين. واعتبر أنه "تم استغلال كل ذلك خلال الانتخابات البلدية الماضية، كما يواصل الوزراء حملتهم السابقة لأوانها من خلال إشرافهم على اجتماعات وإطلاق وعود انتخابية في المناطق والدوائر التي ترشحوا عنها، إلى جانب استغلال مسؤولين محليين في الترويج لهم. وكل هذا نتاج التعيينات الحزبية والمحسوبية التي عمل على تكريسها الشاهد بهدف التغلغل في مفاصلها". ولفت مغزاوي إلى أن "رفض الشاهد الاستقالة منذ دعي إلى ذلك منذ أشهر هو ليقينه بأنه لا يزن شيئاً على المستوى الانتخابي بعيداً عن ماكينة الدولة".

وفي السياق نفسه، دعا رئيس اللجنة المركزية في حركة "نداء تونس" حافظ قائد السبسي، في تدوينة نشرها على صفحته في "فيسبوك"، رئيس الحكومة يوسف الشاهد و7 من الوزراء للاستقالة. وكتب نجل الرئيس الراحل "اليوم للأسف الشديد، أصبح الأمر مخيفاً ومبعثاً للحيرة بتراكم عديد المخالفات والمشاكل اليومية، وآخرها سابقة قطع الماء والكهرباء في مختلف الجهات من أرض الوطن، خصوصاً في يوم عيد الأضحى، والذي أعطى انطباعاً سلبياً عند عامة الناس ومؤشراً على الغياب الكلي للحكومة في معالجة الأوضاع المستجدة". وتابع السبسي الابن "كذلك الشك تجاه شفافية العملية الانتخابية وسلامة مسار الانتقال الديمقراطي برمته، فالسيد يوسف الشاهد هو اليوم رئيس الحكومة ومرشح للرئاسة في نفس الوقت، وسبعة من وزرائه مرشحون في الانتخابات التشريعية"، متسائلاً "هل لهؤلاء يا ترى الوقت والإرادة المطلوبة لخدمة مصلحة تونس العاجلة، أم لخدمة حملتهم الانتخابية وطموحاتهم الشخصية من خلال توظيفهم الممكن لمواقعهم الحكومية؟". وقال حافظ قائد السبسي "إننا والحال هذه ليس بمقدورنا إلا دعوتهم للعودة إلى طريق الجدية، والاستقالة الفورية من مناصبهم التنفيذية، حتى يتفرغوا لطموحاتهم وبإمكانيتهم ومواردهم الذاتية فحسب، وحتى يكونوا مع بقية المواطنين على قدم المساواة، وتكون الحظوظ متساوية بين جميع المتقدمين للعملية الانتخابية، وتكون النتائج مقبولة بعيداً عن مناخات التشكيك والتوظيف السافر لأجهزة الدولة".

وكان الشاهد رفض الاستقالة من منصبه، مؤكداً، خلال تقديم ترشّحه للانتخابات الرئاسية أخيراً، أنّه لن يستقيل من مهامه خلال الحملة الانتخابية، قائلاً "سأبقى على رأس الحكومة وأتحمّل مسؤوليتي في الدولة". وشدد الشاهد على أنّه رجل دولة ورجل الدولة لا يتهرب من مسؤوليته، مشيراً إلى "أن هيئة الانتخابات بإمكانها القيام بالمراقبة وتحديد الخروق إن وجدت". وفي هذا السياق علّق القيادي في "التيار الديمقراطي" المعارض غازي الشواشي، على صفحته في "فيسبوك"، قائلاً "السيد رئيس الحكومة، لا أحد طالبك بالاستقالة من منصبك ولكن الكل يطالبك بعدم استعمال وسائل الدولة وإمكانياتها، ورمزية وهيبة المنصب ونفوذه في حملتك الانتخابية". وقال "رئيس حكومة ناجح في نظام برلماني معدل مثل بلادنا لا يقدّم ترشحه للانتخابات الرئاسية، بل يسعى للبقاء في منصبه باعتبار أن صلاحياته أكبر من صلاحيات رئيس الدولة، وهو يعتبر الرجل الأقوى في الدولة".

وتعليقاً على هذا الملف، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن دعوة الشاهد ووزرائه المرشحين في الانتخابات للاستقالة فيها من الناحية الأدبية وجاهة، لضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، خصوصاً منافسيه، خشية استغلال صفاتهم وإمكانيات الدولة، مضيفاً أن الدعوة للاستقالة في هذا التوقيت من الناحية الإجرائية والقانونية فيها "سماجة"، لأن دعاة ذلك لا يفقهون تبعاتها دستورياً وقانونياً، فاستقالة الشاهد تعد استقالة الحكومة بأسرها، وهو ما يتطلب تشكيل حكومة جديدة، والمرور عبر ثقة مجلس النواب، وهو أمر شبه مستحيل في ظل المشهد السياسي المتفتت والتحالفات المتحركة والبرلمان المعطل. واعتبر المؤدب أنه حتى إن أعلن شكلياً استقالته، فإنه سيبقى لزاماً على رأس الحكومة لتسيير أعمالها، لأن تشكيل حكومة جديدة لن يكون قبل يناير/كانون الثاني 2020 في أفضل الأحوال، إذا تشكل تحالف برلماني حكومي جديد.

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون إن "الهيئة تصر على أن تكون الحملة الانتخابية نظيفة، وإنها ستراقب حملة الانتخابات التشريعية، بما فيها مشاركة الوزراء، والرئاسية أيضاً"، موضحاً أن "القانون لا يمنع أعضاء الحكومة من الترشح، وأن هناك حداً فاصلاً بين استعمال إمكانات الدولة وبين الحملة الانتخابية". وأكد بفون أن "الهيئة ستصدر دليلاً توضيحياً خلال الأيام المقبلة حول هذه المسألة، ليعرف الوزراء المشاركين في الانتخابات الحد الفاصل بين استعمال وسائل الدولة وإجراء حملة انتخابية مشروعة"، مشدداً على أن الهيئة لن تتردد في اتخاذ القرارات التي تهم الحملة الانتخابية مهما كانت الأسماء. من جهة ثانية، استقبل الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر، أمس الخميس، الشاهد وبحث معه الاستعدادات للمحطات الانتخابية المقبلة وضرورة التنافس النزيه بين جميع المرشحين لضمان نزاهة العملية الانتخابية. وجاء في بيان الرئاسة أن "اللقاء بحث آخر الاستعدادات لإنجاح المحطّات الانتخابيّة المقبلة. وأكّد رئيس الجمهورية ضرورة العمل على ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المرشحّين وحياد الإدارة، بما يضمن شفافية ونزاهة العملية الانتخابية"، مضيفاً أن الناصر سيشرف الأسبوع المقبل في قصر قرطاج على مجلس وزاري للنظر في التحضيرات للانتخابات الرئاسية والتشريعية.