أوهام السعودية "العظمى"

أوهام السعودية "العظمى"

15 اغسطس 2019
ماذا يكسبان من العداء الشامل؟(الأناضول)
+ الخط -

لا جدال في أن للرياض مصالحها، ومكانتها المعنوية والسياسية، وإلا لما أُثير كل السجال والنقاش خلال الأعوام الماضية حول سياساتها. وذلك قطعاً لا علاقة له بما يشيعه شعبويو الخليج عن "حقد وكراهية"، أو "عرب شمال وجنوب"، بل بانعكاسات تلك السياسات على العرب جميعاً. فبعيداً عن صفاقة وسفالة ونفاق تخاطب البعض، الانتهازي والمتسلق، بما يسيء أصلاً للرياض نفسها، أو نهباً للأموال عبر "مستشارين" تدفع بهم أبوظبي، من واشنطن إلى لندن، على وزن جورج نادر وإليوت برويدي، وغيرهما، ثمة سياسات تدميرية تؤثر على الجميع. فمآلات أزمة الخليج، منذ حصار قطر، لا تخص الخليج وحده، في تفكك وغياب استراتيجيات عربية لمواجهة انهيارات داخلية في بلداننا وأطماع واضحة، قريبة وبعيدة.

وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع تركيا، فقد بدا غريباً إصرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلق هذا العداء مع أنقرة، وبدفع من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فيما الهرولة نحو طهران تجري على قدم وساق. أضف إليه أن النتائج الكارثية التي تتبدى في انقلاب عدن تنسحب على كل مكان عربي، تلاعبت فيه أصابع هذا الحلف بمردود مدمّر أيضاً على الرياض قيمة ومكانة، لطالما تم التحذير منه بلا طائل. المتابعون العرب لتطورات الأسابيع الأخيرة ليسوا "أغبياء"، كما يظن مطبّلو تبرير سياسات الهرولة إلى طهران وتل أبيب، فيما الطعن وتعميق الخلافات مع الامتداد الطبيعي للرياض مستمر، وبإمعان انتحاري، أشبه بالكارثة التي جاء بها لبلده القائد العسكري الياباني هديكي توجو خلال الحرب العالمية الثانية، بعد التخلص من نخبة البلد، وانتهاج سياسات فاشية داخلية. إذاً، لمواجهة الواقع الكارثي الذي أخذت إليه السعودية، لا يكفي الولوج في التهيؤات، بأن إضافة "العظمى" إلى تعريف بلد ما يجعله حقاً عظيماً، بل الحاجة للتوقف لمراجعة الاستراتيجيات وتبني تخطيط سليم، فأين كل تلك العناصر؟

وبالمناسبة، ذلك ينسحب على عاصمة "أم الدنيا"، القاهرة، في زمن مسح دوائر "الأمن القومي"، وصولاً إلى مستوى تبعية وفرجة على سياسات تل أبيب، والضغط لتمرير صفقات واشنطن في فلسطين، وغياب تام عن القضايا العربية الاستراتيجية، لمصلحة تلبية رغبة الحاكم بتأمين "المزيد من الفلوس". أيضاً، الفرجة على تطبيق الشعار الإيراني "نحن سلاطين البحار"، وتعزيز ذلك بسياسات خاطئة ومتكررة، من اليمن إلى العراق وسورية ولبنان، وتوسيع عباءة "الولي الفقيه"، باعتبار التصهين فضيلة وذكاء لولاة الأمر، لا يجلب شيئاً من العظمة وأوهامها، بل المزيد من التقزم والتشرذم وتراكم الخسائر، وهو ما لا يتمناه عربي صادق لا للسعودية ولا لغيرها، لأن الأثمان أولاً وأخيراً تدفعها الشعوب المحاصرة بمزيد من القهر وغياب العدالة والحقوق الأساسية.