ألمانيا: غياب ترشيحات القيادات البارزة ينذر باحتضار "الاشتراكي"

ألمانيا: غياب ترشيحات القيادات البارزة ينذر باحتضار "الاشتراكي"

12 اغسطس 2019
يعاني الحزب من عجز في مقارعة أحزاب أساسية(Getty)
+ الخط -
يعيش "الاشتراكي الألماني" العريق حالاً من عدم الاستقرار تنذر بنهاية عصره. وعلى عكس مسار العديد من الأحزاب الاشتراكية في أوروبا، التي تمكنت من استعادة رص صفوفها، ما سمح لها بتحقيق نتائج باهرة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، فإنّ الواقع مغاير كلياً في ألمانيا، إذ إنّ نتائج استطلاعات الرأي تعكس الحالة والمزاج الذي وصل إليه الحزب العريق، بعد أن كان، منذ أكثر من عامين، قد نجح في مبارزة أرقام حزب المستشارة أنجيلا ميركل "الديمقراطي المسيحي"، في استطلاعات الرأي.

ويواجه "الاشتراكي" معضلة البحث عن زعيم جديد للحزب، بعد أن أعلنت الزعيمة السابقة أندريا ناليس استقالتها من قيادته في يونيو/ حزيران الماضي، ويتحضر لخوض انتخابات لاختيار زعيم جديد في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. ويبدو لغاية اللحظة، أنّ شخصيات الصفين الثاني والثالث فقط متحمسة لخوض غمار الترشح لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، هذا في وقت يدور حديث عن توجه لاعتماد ثنائي في زعامته، للمرة الأولى في تاريخه، كما هو حاصل في عدد من الأحزاب الألمانية، بينها "الخضر" مثلاً.

ولا يمكن أن تتلخص معاناة "الاشتراكي" في إطارها الضيق المتمثل بشغور القيادة فيه، انما التركيبة الهيكلية له وغياب القيادات الأساسية الموثوقة من جمهوره، إلى التباين في وجهات النظر والمقاربات المختلفة للملفات بين مسؤوليه، ما يصعّب توحيد القوى المختلفة داخله، هذا عدا تمسكه بالمشاركة في الحكم، ما ينذر بأزمة قد تغيّب الحزب الذي تأسس منذ 156 عاماً، تدريجياً، عن الخارطة السياسية.

ويعاني الحزب من عدم الفعالية والقدرة على مقارعة أحزاب أساسية أخرى في البلاد، بينها "الديمقراطي المسيحي" بمسؤوليه المخضرمين، معطوفاً على التمدّد الذي حققه "الخضر" بطروحاته المتعلقة بالبيئة، التي تلقى صدى واسعاً في صفوف الشباب. وبات للشباب تأثير أكبر على السياسة من "الاشتراكي" الشريك في الائتلاف، حتى أن "تاغس شبيغل" وصفت "الخضر" بأنه أصبح نوعاً من حكومة الظل، ناهيك عن تقدم اليمين الشعبوي وبالأخص، شرق البلاد، إلا إذا برزت شخصيات ووجوه غير مألوفة وكاريزماتية، قد تغير المسار المنحدر لـ"الاشتراكي" وتنقذه من كبوته، وعندها قد يعود الرهان على أنه لا تزال هناك نهاية جيدة ممكنة.

وفي خضم ذلك، كان لافتاً الموقف المتمايز للزعيم الأسبق لـ"الاشتراكي" بين أعوام 2009 و2017، زيغمار غابرييل، الذي انتقد حزبه أخيراً في حديث صحافي، مشيرا إلى أن "الاشتراكي" أصبح يسارياً أكثر من "حزب اليسار"، وحريصاً على البيئة أكثر من "حزب الخضر"، مبرزاً أن القاعدة ترفض هذا التطور، ولم تعد تشعر طبقة العمال بالديناميكية داخله والتركيز يتم على الملفات الصغيرة، مؤيداً جبهة يقودها وزير البناء السابق في ولاية شمال الراين فستفاليا، تحت مسمى "الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحقيقي".

مواقف غابرييل كانت محل عتب من قبل أحد المسؤولين الثلاثة الذين يقودون "الاشتراكي" في الفترة الانتقالية تورستن شايفرغامبل، الذي قال لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" من دون أن يسمي غابرييل، إن الزعماء الآخرين السابقين يتصلون ويحاولون المساعدة، ولا يجب عليه أن يزيد من التحريض في صفوف الحزب.

هذا الواقع ، طرح جملة من التساؤلات عن حالة الإحباط والعجز والخلل في القيادة داخل "الاشتراكي"، وما تعنيه من تحمّل للمسؤولية، والتي تُرجمت في استطلاعات الرأي، ولم تعد تمنح الأخير أكثر من 11,5 % من أصوات الناخبين. وهنا يرى محللون أن على المخضرمين في الحزب العريق، اختبار كل شيء من دون محرمات ومن دون تفكير محظور أو خوف، مشيرين إلى أنّ أسباب الفشل هي عدم وجود إجماع على الطروحات الأساسية، وفشل التوجيه، والاستراتيجية، والبرامج، والثقافة، والتي غالباً ما تم اخفاؤها بصيغ وتسويات وهمية، ما أفقد الحزب بوصلته والكثير من مصداقيته، ووصلت إلى حد تمزقه من الداخل، في ضوء تكتيكات مختلفة أدت إلى فقدان سلطة كبار الموظفين وتقهقر الحزب.

وبالتالي، من سيتحمل المسؤولية في قيادة الحزب، عليه أن يجيب على الأسئلة الملحة المطروحة، وسياسة الغموض لم تعد تجدي نفعاً، بينها استمرار "غروكو" أو الانسحاب منه والكفاح من أجل أغلبية جديدة الى يسار الوسط، والتوزيع العادل للدخل والأجور، إلى أولوية الاستثمار أو التمسك بصفر عجز في الموزانة، وأهداف سياسة المناخ والتحول المستدام في السياسة الصناعية الايكولوجية، ناهيك عن سياسة الهجرة والاندماج، بعدما لم يعد ناخبو "الاشتراكي" يعرفون ما الذي يراهن ويحارب من أجله الحزب العريق. يذكر أنّه سيصوت أكثر من 400 ألف عضو من "الاشتراكي"، حيث سيعمد الأعضاء للتصويت بالبريد أو عبر ال‘نترنت، والنتائج ستقرّر أفضل المرشحين للمؤتمر العام للحزب.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي اوفي يون، لصحيفة "دي فيلت" انه تعاطف في البداية مع تأخير إجراء انتخاب زعيم، أي وفق ما قيل، التريث لما بعد الانتخابات البرلمانية الاقليمية في 3 ولايات شرق البلاد، واعتبر ان التأثيرات ستكون إيجابية على حيوية الحزب الداخلية، إلا أن الترشيحات جعلته يشكّك، مع تركيز البعض على القيام بحملة، واعداً بترك الائتلاف الحاكم، معتبراً أنّ هذا التصرف لا ينتمي الى المنافسة داخل الأحزاب. وقال إنّه يمكن أن يصح الأمر في النهاية، ولكن ليس كأداة ترويجية في البداية، منتقداً مدة الإجراء وتعقيداته، في إشارة الى الفترة الطويلة الفاصلة بين استقالة ناليس، وموعد انتخاب زعيم نهاية العام الحالي، إلا أنه أعرب عن اعتقاده بأنّ المنافسين البارزين سيأخذون الوقت الكافي للتفكير، مفترضاً أنّ هناك العديد من المناقشات تتم وراء الكواليس.

تجدر الاشارة الى انه يحق للمرشحين تسجيل ترشيحاتهم حتى الأول من سبتمبر/ أيلول، على أن يلي ذلك 23 مؤتمراً إقليمياً حتى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، ستظهر مدى انقسام الحزب وإحباطه. والمفارقة تكمن في أنّ الشخصيات البارزة في الحزب، بينهم الزعماء الثلاثة الذين يقودون الفترة الانتقالية حالياً، أعلنوا عدم رغبتهم بالترشح، فضلاً عن نائب المستشارة ووزير المالية، اولاف شولز، الذي يريد التفرغ لوزارته، الامر الذي دفع ببعض الأصوات داخل "الاشتراكي" لمطالبة الشخصيات الواعدة فيه بالترشح، بينهم مسؤول الحزب في ولاية سكسونيا، مارتن دوليغ، الذي قال لصحيفة "شبيغل": "لكي تصبح رئيساً لـ"الاشتراكي الديمقراطي"، فأنت بحاجة إلى افكار ومكانة معينة، لأن سحر الشكل الجديد سيختفي وسيكون بشعاً". وفي السياق، قال الامين العام للحزب إن ترشح شخصيات من الصف الثاني والثالث في الحزب، يمنح هؤلاء فرصة للظهور وإثبات حضورهم.

دلالات

المساهمون