رسالة النجف للحكومة العراقية: إنذار أول أو سحب البساط؟

رسالة النجف للحكومة العراقية: إنذار أول أو سحب البساط؟

11 اغسطس 2019
نفى عبد المهدي نيّته إجراء تغييرات في حكومته(ميشال طنطوسي/Getty)
+ الخط -


جاءت التساؤلات التي وجّهتها المرجعية الدينية في النجف، خلال خطبة الجمعة الماضية، لتثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن توقيتها والمغزى منها. ففي الوقت الذي رأى فيها سياسيون ومراقبون أنها بمثابة قيام مرجعية النجف بسحب البساط من تحت أقدام حكومة عادل عبد المهدي، التي لم تعارضها عند تشكيلها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، يرى نواب أن هذه التساؤلات تمثل تحذيرات من المرجعية تهدف لتصحيح عمل الحكومة.

ووجّه ممثل المرجع الديني علي السيستاني في كربلاء أحمد الصافي مجموعة أسئلة للحكومة قال إنه لا يعرف أجوبتها، متسائلاً، خلال خطبة الجمعة، "أين ذهبت أموال البلاد بأرقامها المرعبة؟ ولماذا ما زالت معاناة الشعب العراقي مستمرة؟". وأضاف "متى ينتهي التعب والمعاناة؟ نتمنى أن نجد من يجيب عن هذه التساؤلات ويعطي الحلول وينهي المعاناة"، مضيفاً "في كل يوم نسمع عن الفساد وعن أرقامه الكبيرة والمهولة".

واعتبر عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف "دولة القانون" منصور البعيجي، في بيان، أن المرجعية الدينية سحبت البساط من تحت أقدام الحكومة، مطالباً بإجراءات سريعة من أجل تصحيح مسار الحكومة. وشدد على ضرورة الالتزام بتوصيات مرجعية النجف، والإجابة عن تساؤلاتها، وتوضيح أسباب تردي الأوضاع في البلاد، مؤكداً، في بيان، أن على الحكومة ألا تبقي على أدائها الضعيف الذي أوصل الحال إلى ما هو عليه الآن. ولفت البعيجي إلى أن خطاب المرجعية كان واضحاً، لا سيما أنه تزامن مع ما أعلنته الحكومة من نسبة عالية تقول إنها تحققت في برنامجها الحكومي، موضحاً أن هذه النسبة لا تتفق مع الواقع العام في البلاد، لذا على الحكومة أن تضع برنامجاً وخططاً بديلة وسريعة تلمس نتائجها من قبل أبناء الشعب خلال فترة قياسية، مضيفاً "وإلا فسيكون مصيرها الإقالة، بسبب فشلها الواضح في قيادة الدولة وانتشال واقعها طيلة عام كامل من توليها المسؤولية، من دون تحقيق نتائج تذكر باستثناء فتح الطرق المغلقة".

وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قال، خلال لقائه عدداً من الصحافيين في بغداد، إن حكومته أنجزت الجزء الأكبر من البرنامج الحكومي خلال الستة أشهر الأولى من عملها، نافياً الأنباء التي تحدثت عن نيّته إجراء تغييرات في حكومته. إلا أن عضو لجنة مراقبة البرنامج الحكومي في البرلمان العراقي محمد كريم أكد أن البرلمان له الحق باستضافة أو استجواب الوزراء بهدف تصحيح عمل الحكومة وليس الانتقاص منها أو إضعافها. وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الومضات التي أرسلتها المرجعية الدينية ستكون عاملاً مساعداً في عملية التصحيح". واعتبر أن مرجعية النجف شخصت الأخطاء بعينها، ولاحظت ما يجري على الساحتين الداخلية والخارجية، قبل أن تطرح توصياتها للارتقاء بالأداء الحكومي، مؤكداً أن الحكومة أخذت فرصة مناسبة للانطلاق، ولا بد لها أن تضع ما يخدم المجتمع والناس نصب أعينها. وأشار كريم إلى أن هدف المرجعية كان حث العراقيين على مراقبة أداء الحكومة، لافتاً إلى أن بعض السياسيين يعتقد أن خطاب المرجعية يمثل الإنذار الأخير ونهاية المطاف للحكومة. وأضاف "أنا كجزء من مؤسسة تشريعية رقابية يجب أن يكون دوري داعماً للمسيرة الصحيحة، والعمل على تصحيح المسارات الخاطئة"، موضحاً أن على البرلمان ممارسة دوره الرقابي على الحكومة المُلزمة بتوفير الخدمات، وهذا الأمر يتطلب استضافات واستجوابات للوزراء بهدف تصحيح عمل السلطة التنفيذية.



من جهته، أكد مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة ستعمل خلال الفترة المقبلة من أجل الإجابة على تساؤلات المرجعية، مبيناً أن حديث بعض النواب والسياسيين عن رفع الدعم عن حكومة عبد المهدي أمر مبالغ به ويهدف للتسقيط السياسي. أما عضو التيار المدني العراقي عماد التميمي فرأى أن الحكومة ستعاني كثيراً خلال المرحلة المقبلة بعد خطاب النجف الحاد تجاهها، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن التجارب السياسية السابقة أثبتت خسارة أي رئيس وزراء تقوم المرجعية برفع الدعم عنه. ولفت إلى أن انتقاد المرجعية للحكومة كان واضحاً لا يقبل الشك، لأن الحكومة هي المسؤولة عن صرف الأموال وتوفير الخدمات والإيفاء بالوعود التي لم يتحقق منها شيء، متوقعاً أن تُحدث هذه الانعطافة تغييراً كبيراً قد ينعكس على الشارع من خلال عودة التظاهرات والاعتصامات المطالبة بالخدمات.

يشار إلى أن المرجعية الدينية في النجف قررت، منذ العام 2016، اعتزال الحديث في الأمور السياسية، كما رفضت استقبال أي من السياسيين احتجاجاً على عدم الالتزام بتوصياتها بشأن الإصلاح ومحاربة الفساد. وعند تكليف عبد المهدي برئاسة الحكومة الحالية العام الماضي لم تعلّق المرجعية بشكل مباشر، إلا أن سياسيين قالوا إنها كانت راضية عن ذلك. وبحسب مراقبين فإن "الخريف السياسي" لحكومة عبد المهدي قد بدأ على خلفية مساءلة المرجعية لها، وخلافات الحكومة العميقة مع البرلمان التي تصاعدت أخيراً. وقال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن خطاب المرجعية شكّل دعوة للمساءلة وليس للاستفهام، متسائلاً، على صفحته في موقع "فيسبوك"، إن كان الخريف السياسي بين البرلمان والحكومة قد بدأ على خلفية موقف مجلس النواب الأخير من إصرار الحكومة على الإبقاء على مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات بخلاف قرار سابق للسلطة التشريعية؟

من جهته، توقع المحلل السياسي علي حسين الجبوري أن تستغل المعارضة العراقية الموقف الذي وضعت فيه الحكومة بعد انتقادها من قبل المرجعية والبرلمان لتحقق مكاسب سياسية، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تيار "الحكمة" المعارض سيحاول استغلال أي أزمة تبدو فيها الحكومة ضعيفة، لأنه وفقاً للسياقات الديمقراطية فإن أي ضعف للحكومة يعني قوة للمعارضة. وفي هذا السياق، طالب رئيس تيار "الحكمة" المعارض عمار الحكيم الحكومة العراقية بتقديم إجابات واضحة لتساؤلات المرجعية الدينية بشأن إنهاء معاناة الشعب، مشدداً، في تغريدة على "تويتر"، على "ضرورة قيام الحكومة وبشكل عاجل بتنوير الشعب والرأي العام بإجابات واضحة وشفافة ليكون الناس على بينة من أمرهم. وقال "كفى رهاناً على صبر شعبنا وتحمله".