استفحال التصهين

استفحال التصهين

02 اغسطس 2019
ارتفاع منسوب التحريض على الفلسطينيين واستهداف تاريخهم(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
على مسرح الهبوط العبثي لأنظمة قال فيها عبد الرحمن الكواكبي إن "المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلهما"، وبعدما لم تترك ساحة حق وحرية إلا وحاولت التلاعب فيها تخريباً وتدميراً، ها هي فلسطين تصير هدفاً كعدو أول، بتاريخها وعدالة كفاحها الطويل والمرير، مع شيوع التصهين والأسرلة، حد الرضا على ممارسات المنبطحين في بلدانها، كانعكاس أصيل لحالة رسمية أعمق.

يتذكر جيلنا، المفجوع ببعض انهيارات لغوية "سعودية" تسيئ أصلاً لبلدها ومكانته مستقبلاً، أبناء ذلك الجيل العربي، من المحيط إلى الخليج، ملتحقين بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، إيماناً بعدالة القضية. لم يتحسس الفلسطيني من رؤية بعضهم في مناصب قيادية، أو ترؤسهم مؤسسات إعلامية وثقافية، بل ومناصب قيادية قتالية، حين كان الكفاح المسلح في المقدمة، منذ كان عز الدين القسام، ابن جبلة السورية، أحد قادة ثورة عام 1936.

بالطبع لم يرق للأنظمة، الدافعة اليوم بذبابها الإلكتروني لجعل دولة الاحتلال "الصديق والشقيق"، أن ترى تعمّق وعي مواطنيها بقضية فلسطين، على الرغم من خيانة النخب، فهي والأنظمة فهمت أن القضية مجرد جردة حساب مالي، ظلت الجرائد الرسمية تنشرها تذكيراً وتمنيناً، مع أسطوانة تلفزيونية وبيانات تكرر على مسامعنا أن "فلسطين قضية الأمة".

في اللحظة الراهنة يراد فرض "صفقة القرن" بسقف أدنى من سقف كامب دافيد ومبادرة الأمير فهد ومقترح معمر القذافي حول "إسراطين". لكن هل حقاً يريدون أن نصدّق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المنشغل بورطة اليمن، أنه بسكوته وتشجيعه لهذا التهصين الواضح، حريص على قضية فلسطين؟
الحقيقة تتحدث عن نفسها، في سياق البحث عن فوائد مشاريع استرضاء جماعات الضغط الغربية - الصهيونية لديمومة مشروعية حكم الاستبداد. ويصعب في هذا المقام تعداد كل التدخّلات الكارثية للأنظمة لحرف القضية عن مسارها المبدئي، الذي بدأ كمسألة وجود، واحتلال وإحلال، إلى متاجرة ونكاية بإيران.
الملاحظ في استفحال التصهين، ارتفاعاً في منسوب التحريض على الفلسطينيين، والإمعان في استهداف تاريخهم والقدس، ومحاولات فرض بعض حكّام الخليج والقاهرة على الفلسطينيين، بضغوط هائلة، أحزاب فلسطينية مطواعة ومصطنعة، كما محاولة فرض قيادات مطواعة في دول الربيع العربي.

في المحصلة، إذا ما رد فلسطيني على محاولات المتاجرة والمقايضة بقضيته، نصبح أمام تكرار للحلقة المفرغة من الشتائم والاتهامات للكل الفلسطيني لإقناع السعودي وغيره بأن عدوه اليوم هو الفلسطيني، فيما باتت إيران محل تغزّل من بوابة الإمارات.