الجزائر... نصف حلّ

الجزائر... نصف حلّ

09 يوليو 2019
تراهن السلطة على تفكك الحراك الشعبي (فاروق باطيش/الأناضول)
+ الخط -

صحيح أن السلطة الجزائرية طوّرت الموقف السياسي باتجاه طرح مبادرة حوار عبر هيئة شخصيات مستقلة وفق آلية تبدو نظرياً أكثر واقعية، لكنها لم تُقدّم التنازلات المطلوبة شعبياً لناحية استبعاد الحكومة ورئيسها على الأقل، وأظهرت أنها بصدد تجاوز ضغط الشارع، بعد تلمّسها حالة الانقسام الطارئة في الحراك، سواء بفعل فاعل أو بفعل عوامل التدمير الذاتي من داخل الحراك نفسه، فضلاً عن انقسام مواقف المعارضة. وبدت السلطة وكأنها ما زالت تحتفظ بديناميكية صناعة الحل وأدواته. يفترض أن تكون مبادرة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح (وهي الثالثة له منذ إبريل/ نيسان الماضي)، بمثابة عرض حوار غير مباشر مع المكوّن المعارض، لكنها تُفسر إلى حدّ بعيد أن المشكلة المركزية بالنسبة للسلطة هي الانتخابات لا مطالب الشارع. وهذه أعراض مأزق الشرعية الداخلي والإقليمي الذي يشكّل الهاجس التاريخي للسلطة في الجزائر، لذلك تطرح المبادرة اشتراط أن يتمركز الحوار حول العملية الانتخابية من دون غيرها من البنود المطلبية للحراك والمعارضة، وهذه مشكلة أساسية قد تترك سوء فهم.

لا يغمض التاريخ عينيه، وليس خفياً أن روح مبادرة الحوار غير المباشر مستمدة من مبادرة سابقة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في بداية الأزمة والحراك الشعبي، حين قدّم شخصية دبلوماسية في حجم الأخضر الإبراهيمي كوسيط سياسي، وأيضاً من تجربة حوار سياسي سابقة كان بن صالح نفسه جزءاً منها عام 1994. وحده سجل السلطة الحافل بالتحايل السياسي والتلاعب بالمشاريع وبالشخصيات أيضاً يحفز اليقظة، فإسناد الحوار إلى شخصيات مستقلة لها رصيد ثوري أو سياسي لن يكون كافياً لضمان مخرجات الحوار، إذ سبق للسلطة، حتى مع اختلاف الظروف والسياقات، أن وظفت نفس العوامل واستغلت شخصيات مستقلة في حجم القيادي الثوري يوسف الخطيب عام 1994 لترؤس لجنة الحوار الوطني لصالح تدوير حل، انتهى إلى انتخابات صورية، حلّت مشكلة الشرعية بالنسبة للنظام لكنها لم تحل أزمة الشعب والبلد حينها.

يبنى الفعل السياسي على تطوير المواقف وفقاً لما تتغير عليه المعطيات، وإذا كان لا بد من القول إنه ليس من الحكمة السياسية التسرع في إصدار حكم على مقترح السلطة بإقامة حوار غير مباشر، فإنه في المجمل هو "إعلان نيات" يرتبط الحكم عليه بطبيعة الشخصيات، التي ستشكل فريق الحوار الوطني ومواقفها من المسارات السياسية السابقة. وإذا افترضنا أن "فريق حوار مستقل" يمتاز بالسيادية في القرار والمخرجات فرصة ممكنة، فإن الأمر سيرتبط أيضاً في المقابل بالأداء السياسي الذي سيبديه المكون السياسي والمدني، ومدى استغلال الممكن والمتاح من الأدوات وتحويلها إلى لحظة افتكاك تاريخية لأدوات الفعل الديمقراطي.

وبغض النظر عن الرفض أو القبول بالحوار غير مباشر مع سلطة أثبتت عبر السوابق أنها متحيلة ومتحايلة، فإن إبقاء وسيلة الضغط (الحراك الشعبي) مستمراً في أدائه إلى حين الاطمئنان إلى سلامة المسار نحو الديمقراطية، يفرضه منطق أن القانون لا يحمي المغفلين، والتاريخ لا يصنعه الضحايا.