هل تنسف تسريبات السفير "العلاقة الخاصة" بين لندن وواشنطن؟

هل تنسف تسريبات السفير داروك "العلاقة الخاصة" بين لندن وواشنطن؟

09 يوليو 2019
تغريدات ترامب تزيد الضغط على لندن (ستيفان روسو/Getty)
+ الخط -
لا يبدو أنّ قضيّة تسريب مذكرات السفير البريطاني لدى واشنطن كيم داروك، والتي وصف فيها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها "تفتقر للكفاءة"، ستمرّ مرور الكرام. فلليوم الثاني على التوالي، شنّ ترامب هجوماً على داروك، معتبراً أنّه "سفير مخبول" و"شخص غبي جداً" و"أحمق متحذلق".
ويأتي موقف ترامب، بعد إعلان رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي عن أنّ حكومتها تثق تماماً في داروك. وانتقد الرئيس الأميركي، في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، تعامل ماي مع عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال إنها تجاهلت نصائحه.
وكتب: "يا لها من فوضى أثارتها هي وممثلوها. لا أعرف هذا السفير ولكنه ليس محبوباً ولا يحظى بسمعة طيبة في الولايات المتحدة. لن نتعامل معه بعد الآن". وأضاف: "الأنباء الطيبة للمملكة المتحدة الرائعة هي أنه سيكون لديها رئيس وزراء جديد قريباً".


وترى وكالة "أسوشييتد برس" أنّ وجهة نظر داروك الصريحة، والتي كان يجب أن تبقى وراء الأبواب المغلقة، تسبّبت بالإحراج بين بلدين يتغنيان دائماً بوجود "علاقة خاصة" بينهما. وتلفت إلى أنه كانت لدى داروك علاقات وثيقة بالعديد من المسؤولين في إدارة ترامب، وكان مستشارو الرئيس الأميركي ضيوفاً دائمين في نشاطات السفارة. ويجري التحقيق في الخرق الكبير للأمن الدبلوماسي.
وتشير الوكالة إلى أنّ تغريدات ترامب على مدى يومين، ستزيد الضغط على الحكومة البريطانية بشأن داروك، المتهم أيضاً من قبل بعض مؤيدي "بريكست"، بأنه يفتقر للحماسة إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ماذا يعني مصطلح "العلاقة الخاصة" وهل ستبقى بين البلدين؟

يستخدم مصطلح "العلاقة الخاصة"، وفق "فرانس برس"، على نطاق أوسع في بريطانيا، أكثر من استخدامه في الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تتمتع أيضاً بعلاقات "خاصة" مع دول مثل كندا. لكنّ لندن تعتبر حليفاً حيوياً وموثوقاً لواشنطن، ووقفت بجوارها في حربين عالميتين.
ويعتمد الطرفان واحدهما على الآخر في الشؤون الاستخباراتية، كما يتشاركان في الرؤية الأمنية العالمية نفسها، التي امتدت لعقود، والتي من المؤكد تقريباً أنها ستستمر لسنوات مقبلة.
وقال المتحدث باسم الحكومة البريطانية أمس الاثنين إنّ "المملكة المتّحدة لها علاقة خاصة ودائمة مع الولايات المتحدة، تستند إلى تاريخنا الطويل والتزامنا القيم المشتركة، وستظل الحال كذلك".
من ناحيته، كتب الدبلوماسي الكبير السابق بيتر ريكتس أنّ "العلاقة مع واشنطن تستند إلى مصالح مشتركة قوية وعميقة"، وأكّد أنّ "هذه العلاقات لن تغيرها التسريبات".

ترامب لن يقبل بتمرير ما حصل
من جهتها، ترى صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أنّ ترامب لا يبدو في مزاج يسمح بتمرير ما حصل. ولفتت إلى أنّ الرئيس الأميركي سحب دعوة كانت موجهة لداروك من أجل حضور العشاء الرسمي الذي أقيم على شرف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في وزارة الخزانة الأميركية. ورأت أنّ ترامب يعتزم بوضوح الاستمرار على هذا المنوال. وقالت إنه إذا قرّر أنّه على المؤسسات الأميركية مقاطعة السفير البريطاني، فإنّه يحق له إصدار تعليمات بهذا الشأن. وبإمكانه أيضاً، إذا أراد، طرد داروك من البلاد.

كذلك، يمكن لترامب فرض حظر على الاتصالات على جميع أفراد الطاقم الدبلوماسي البريطاني، كما بإمكانه تقليص العلاقات بين أجهزة استخبارات البلدين.
ورأت الصحيفة أنّ ترامب أظهر في مرات عدة، قدرة على القيام بأي شيء، ومنها تغيير موقفه 180 درجة بين تغريدة وأخرى.
في المقابل، لا خيار أمام ماي، وفق "ذا غارديان" إلا الوقوف إلى جانب داروك، بعد الإهانات التي وجهها إليها ترامب، ووضعه احترام البلاد لها على المحك. ويبقى على من وصفتهم الصحيفة بـ "الراشدين" في إدارة ترامب، بمن فيهم السفير الأميركي لدى لندن وودي جونسون، أن يحاولوا الحدّ من تداعيات ما حصل، عبر التأكد من أنّ هدف ترامب الوحيد هو داروك، وليس بريطانيا ككلّ.
ورأت الصحيفة أنّه من البديهي أن يُطمئن أفضل الدبلوماسيين في بريطانيا، وحتى بوريس جونسون المرشح الأوفر حظاً لخلافة تيريزا ماي، الرئيس ترامب أنّ داروك سيغادر منصبه قريباً، وأنّ شخصاً أكثر قبولاً في طريقه لتولي المنصب. ونظراً إلى المهلة الزمنية الطويلة التي تحصل فيها التعيينات الرئيسة، يمكن لجونسون أن يُعلن خلفاً لداروك في أواخر سبتمبر/أيلول، كجزء من عملية تغيير واسعة، في الوقت المناسب لتولّي شخص جديد مهامه في أواخر الخريف.
ويأتي تسريب المذكرات في وقت تأمل بريطانيا في إبرام اتفاق تجارة مهم مع الولايات المتحدة، أقرب حلفائها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي المقرر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول. وأبدى المتنافسان على خلافة ماي، وهما رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون ووزير الخارجية جيريمي هنت، دعمهما لإمكانية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، مما يُكسب إبرام اتفاق في المستقبل مع الولايات المتحدة أهمية أكبر.
وفتح المسؤولون البريطانيون تحقيقاً لمعرفة المسؤول عن التسريبات. وتوعّد هنت المسؤول عن هذا، أياً كانت هويته، "بعواقب وخيمة". وقال هنت لصحيفة ذا صن إن التحقيق سيبحث في ما إذا كانت المذكرات قد تم الحصول عليها بواسطة القرصنة من دولة معادية مثل روسيا، مشيراً في المقابل إلى عدم رصد دليل على ذلك.
ورداً على سؤال بشأن مشاركة خبراء تجسس من بريطانيا في التحقيق، قال رئيس جهاز مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية جيريمي فليمينغ لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): "لا يمكنني الخوض في تفاصيل التحقيق. إذا طلبوا خدماتنا فسنساعد".