الانتخابات الإسرائيلية المعادة (2): فوضى الاصطفافات في اليمين واليسار

الانتخابات الإسرائيلية المعادة (2): فوضى الاصطفافات في اليمين واليسار

08 يوليو 2019
فرط ليبرمان معسكر نتنياهو (عمير ليفي/Getty)
+ الخط -
لا تزال الخريطة الحزبية الانتخابية في إسرائيل غير واضحة المعالم بالرغم من تكريس معسكري يمين فعليين، الأول بقيادة رئيس الحكومة وزعيم الليكود، بنيامين نتنياهو. ويشمل هذا المعسكر إلى جانب الليكود أحزاب شاس ويهدوت هتوراة، وهما حزبان حريديان، وتحالف أحزاب اليمين الديني الصهيوني، فيما اندمج حزب كولانو بقيادة موشيه كاحلون داخل الليكود. 
أما المعسكر اليميني الثاني فهو مكون من تحالف "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس. وانضم إلى هذا المعسكر المناهض لنتنياهو، حزب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيغدور ليبرمان.
في الجهة الأخرى من الخريطة الحزبية، وبعد ذوبان حزب ييش عتيد، سابقاً في تحالف "كاحول لفان"، تبقى عملياً حزبان يساريان صهيونيان، انضم إليهما أخيراً الحزب الجديد الذي شكله إيهود براك وأعلن أمس عن اسمه الجديد "إسرائيل الديمقراطية". وأخيراً توجد الأحزاب العربية الرئيسية الممثلة في الكنيست وهي " تحالف الجبهة الديمقراطية مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي" وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد طيبي.
هذه عملياً هي الكتل الرئيسية الأربع في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، بالرغم من أن هناك من يحاول تقسيم الخريطة الإسرائيلية إلى يمين يمثله نتنياهو وائتلافه الحاكم، ومعسكر المعارضة الذي يطلق عليه خطأ، سواء عن قصد أم لا، اسم معسكر الوسط واليسار، وهي تسمية لم تعد ممكنة كلياً بفعل إصرار الجنرال غانتس من جهة والرجل الثاني في تحالفه موشيه يعالون على أن تحالف "كاحول لفان" هو حزب يمين وسط، وأيضاً بفعل انضمام ليبرمان، ولو تصريحاً إلى المعسكر المناهض لمعسكر نتنياهو.



ويمكن القول مع تبقي سبعين يوماً على الانتخابات الإسرائيلية، إن فرط ليبرمان معسكر نتنياهو في التاسع والعشرين من مايو/أيار الماضي، وهو اليوم الذي أقر فيه الكنيست حل نفسه والذهاب لانتخابات جديدة، بسبب رفض ليبرمان الانضمام لحكومة نتنياهو الخامسة، أحدث تداعيات داخل الخريطة الحزبية، لجهة تعزيز الآمال بإمكانية تشكيل حكومة ليست تحت قيادة الأخير، بعد أن أضاع فرصة تشكيل حكومته الخامسة، بفعل الخلاف مع ليبرمان بالرغم من أن معسكر زعيم الليكود كان، حتى ذلك الخلاف، يتمتع بتأييد 65 عضو كنيست مقابل 55 للوسط واليسار والأحزاب العربية. إلا أن حل الكنيست الأخير، أحدث شرخاً في معسكر نتنياهو ليس فقط بفعل مغادرة ليبرمان، تحت ذريعة رفض حكومة يمين ديني توراتي والسعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنما بفعل الخلاف داخل تحالف أحزاب اليمين الاستيطاني الثلاثة (البيت اليهودي، إيحود لئومي، عوتصماه يهوديت)، الذي سعى نتنياهو جاهداً لتشكيله، وبفعل سقوط حزب اليمين الجديد الذي أسسه وقاده كل من نفتالي بينت وأيليت شاكيد بعد انشقاقهما عن حزب البيت اليهودي. فقد اتهم الاثنان (بينت وشاكيد) الليكود ونتنياهو بالمسؤولية عن سقوط حزبهما (كان ينقصه 1500 صوت لاجتياز نسبة الحسم) وحرق أربعة مقاعد مؤكدة لليمين فقط من أجل زيادة عدد مقاعد الليكود على حساب شركائه الطبيعيين في اليمين.
لكن مقابل الشرخ في معسكر نتنياهو والطلاق البائن على ما يبدو مع حزب ليبرمان، يبدو أن القوى المناهضة لزعيم الليكود بكتلها الثلاث، تحالف كاحول لفان، وأحزاب اليسار الصهيوني: العمل، وميرتس وحزب براك الجديد، وكتلة الأحزاب العربية تعاني هي الآخرى من إشكالية توحيد صفوفها والاصطفاف في قائمة موحدة (على الأقل بين الوسط واليسار الصهيوني) وقائمة عربية للأحزاب العربية.
وفي الوقت الذي يسعى فيه نتنياهو لتوحيد صفوف اليمين، تبدو فرص هذه المساعي ضئيلة خصوصاً بعد أن أعلن حاخامات البيت اليهودي عن رفضهم إمكانية ترشيح أيليت شاكيد على رأس معسكر اليمين الديني الصهيوني، بفعل كونها امرأة ولكونها غير متدينة، وكنوع من محاسبتها على ترك حزب البيت اليهودي من جهة، وفك الشراكة بين حزب البيت اليهودي وبين عوتصماه يهوديت، فيما يواصل نفتالي بينت البحث عن شريك له في الانتخابات المقبلة بعد انفصام عرى الشراكة بينه وبين أيليت شاكيد.
ويبدو السعي المحموم لتشكيل كتلتين كبيرتين في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، السمة الأبرز للمعركة الانتخابية الحالية، لكن وتيرة هذه المساعي لا تزال بطيئة للغاية، ومن شأنها أن تزيد من نفور الناخب الإسرائيلي العام من المشاركة في الانتخابات المقبلة المقررة للسابع عشر من سبتمبر/أيلول المقبل.
وفيما تتلخص عقدة معسكر نتنياهو في المعركة الحالية، بكيفية توحيد صفوف المعسكر بما يمكنه من تحقيق أغلبية 61 صوتاً بدون حزب ليبرمان الذي بدأت الاستطلاعات تصوره بأنه سيكون الحزب الأكثر تأثيراً في مستقبل السياسة الإسرائيلية وهوية الحكومة المقبلة مع حصوله على 7 مقاعد تجعل من حزبه "بيضة القبان"، يواجه المعسكر المناهض لنتنياهو بيمينه ووسطه ويساره، معضلة التغلب على إشكالية الصوت العربي والأحزاب العربية، ومدى شرعية اعتماد أي ائتلاف قادم على أصوات النواب العرب في الكنيست.
والحديث في ظروف المعركة الحالية للانتخابات هو عن ما بين 9 و12 مقعداً، تحصدها قائمة عربية موحدة، بحسب الاستطلاعات في حال تم الاتفاق على إعادة تشكيل القائمة المشتركة للأحزاب العربية. وبحسب موازين القوى الحالية للكنيست، فإنه لن يكون بمقدور مناهضي نتنياهو في الساحة الإسرائيلية ككل، تشكيل حكومة بدون هذه المقاعد، ولا الاعتماد على الأصوات العربية، التي سبق لهذه الأحزاب أن طعنت في شرعيتها، باستثناء حزبي العمل وميرتس.
لكن هذا الخيار الذي يروج له حزبا الجبهة بقيادة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد طيبي، تحت شعار إسقاط نتنياهو، ليس خياراً مقبولاً ولاً معتمداً من قبل حزب التجمع الوطني الديمقراطي فيما لا يبدو موقف الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس قاطعاً في هذا السياق، ناهيك أصلا عن حالة الشرذمة الحالية في الساحة الحزبية لفلسطينيي الداخل وتعثر محاولات إعادة تشكيل القائمة المشتركة من جديد.
هذه المعضلة هي التي يحاول ليبرمان فرض معادلة جديدة لتجاوزها، من خلال إعلانه أن حزبه سيؤيد ويدعو لحكومة وحدة وطنية بين الليكود والأحزاب الأخرى بدون أحزاب الحريديم الدينية الأصولية. ويعتمد ليبرمان في تصريحاته بهذا الخصوص على قوته البرلمانية المتوقعة، فيما يصر كل من إيهود براك الذي عاد للحلبة السياسية عبر حزبه الجديد "إسرائيل الديمقراطية"، والجنرال بني غانتس زعيم تحالف "كاحول لفان"، على أن أي ائتلاف حكومي مقبل لا يمكن له أن يشمل نتنياهو الذي تحوم حوله شبهات فساد وينتظره قرار من المستشار القضائي للحكومة بشأن تقديم لائحة اتهام ضده.