الجزائر... الطريق ليس من هنا

الجزائر... الطريق ليس من هنا

30 يوليو 2019
تظاهرات للطلاب ترفض "الحوار مع العصابة" (العربي الجديد)
+ الخط -
عندما يتوفر للسلطة نصف عقل، تختزل التاريخ وتتلاعب بالإنسان، تعبث بالمستقبل والمقدرات، وعندما يتوفر ربعه تقرأ من مقولات امرئ القيس "اليوم خمراً وغداً أمراً". ليست فقط تشكيلة هيئة الحوار الوطني التي عهد إليها في الجزائر إدارة الحوار السياسي المؤدي إلى المخارج الآمنة من الأزمة السياسية الراهنة، هو ما صدم القوى السياسية والمدنية في الجزائر، لكن الطريقة التي شُكّلت فيها، ثم دعوة شخصيات وازنة ورؤساء حكومات سابقين للمساعدة في الحوار، عبر الصحافة، كما لو كانت دعوة إلى حفل زفاف، هي الأكثر عبثية وتنمّ عن أسلوب هاوٍ في إدارة الأزمة.

لم تمر السلطة على أي من القواعد المتعارف عليها في حل الأزمات في ظروف بالغة الحساسية، فإضافة إلى أن الحوار والوساطة السياسية تُعهد إلى شخصيات يكون لها الرصيد والمواقف التي تعطيها مصداقية لدى أطراف الأزمة، فإن الحوار يحتاج إلى بناء الثقة أولاً، ورصيد السلطة من الثقة معدوم ومنتهٍ، ثم إعلان التنازلات على مرارتها، والسلطة تعتقد أن أكبر تنازل تقدّمه هو الإفراج عن ناشطين معتقلين مكانهم أصلاً ليس في السجن، اتخذتهم السلطة في صورة رهائن، ثم رفع الضغوط عن الإعلام الذي يفترض أن تكون الضغوط السياسية عليه قد انتهت بعد 22 فبراير، والحدّ من التضييق البوليسي على الشارع الذي هو أصلاً فضاء للتعبير السياسي.

لا يمكن أن تكون السلطة وحدها هي التي على صواب وترى في المسار الحالي الاتجاه الصحيح، فيما كل هذا الطيف السياسي والمدني على اختلاف مرجعياته وألوانه السياسية، يعلن أن هذا المسار خطأ ويصرخ أن الطريق ليس من هنا. ثمة تفسير في اتجاهين يمكن أن يوضح العبث الذي تستخدمه السلطة في الوقت الحالي لإدارة الأزمة، الأول هو أن السلطة تبدو في حالة استرخاء بعدما افتكت حلاً للإشكال الدستوري الذي كان يواجهها، في علاقة باستمرار رئيس الدولة في منصبه بعد التاسع من يوليو/ تموز الحالي (كان يفترض أن تنتهي ولايته الدستورية في ذلك التاريخ)، ومن ثم لم يعد عامل الوقت يشكل لديها أي ضغط. والاتجاه الثاني أن تجاوز السلطة لضغط الوقت يمنحها الفرصة للمراهنة على إطالة الأزمة لمزيد من الانقسام والتدمير الذاتي للحراك وتفعيل الثنائيات القاتلة (إسلامي ديمقراطي، بعثي فرانكفوني، عربي بربري، محافظ حداثي).

تعتقد السلطة أن تشكيل هيئة الحوار سيحوّل هذه الأخيرة إلى مركز متقدّم لها يتلقى الاعتراضات عوضاً عنها، ويجعل من فريق الحوار حائط صدّ يقيها من المطالب ونقل النقاش باتجاه الهيئة لا باتجاه السلطة. جربت السلطة الأسلوب نفسه عام 1994 وانتهت إلى انتخابات عام 1995، لأنها كانت تريد انتخابات لا حلاً جذرياً للأزمة، ولم يكن الأمر سوى مجرد ترحيل للأزمة من زمن إلى آخر، إذ ظهرت أزمة جديدة نهاية عام 1998، عندما استقال الرئيس ليامين زروال. تكرر السلطة الأسلوب نفسه اليوم، لأنها تدرك أن الحل الجذري للأزمة هو رحيل النظام لا مجرد انتخابات.