قانون الانتخابات المحلية العراقية: نحو استنساخ التحالفات التقليدية

قانون الانتخابات المحلية العراقية: نحو استنساخ التحالفات التقليدية

24 يوليو 2019
ستُجرى الانتخابات المحلية العام المقبل (فرانس برس)
+ الخط -


لم يأت تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات العراقية "الانتخابات المحلية"، الذي صوّت عليه مجلس النواب مساء الإثنين، بشيء جديد بشأن مطالبات الأحزاب الصغيرة والمستقلين بقانون يمنحهم الحق في الوصول إلى الحكومات المحلية من دون الإضرار بمصالح القوى السياسية الكبيرة، إذ جاء التعديل الذي أجراه البرلمان متناغماً أكثر من أي وقت مضى، مع رغبة الكتل المهيمنة التي أصرّت على اعتماد نظام التمثل النسبي وفقاً لآلية سانت ليغو 1.9 التي يرى فيها مختصون إجحافاً واقصاءً للقوى الناشئة والمستقلين، في ظلّ تقسيم البلاد إلى 18 دائرة انتخابية بحسب عدد المحافظات، وفقاً لقانون الانتخابات. ووفقاً للتعديل الجديد فقد تمّ تقليص عدد أعضاء مجلس المحافظة، بأن يكون لكل محافظة 10 أعضاء يضاف إليها مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة فوق المليون، بحسب آخر إحصائية معتمدة لدى وزارة التخطيط، وتخصيص محطات انتخابية خاصة بالنازحين والمهجرين في مناطق وجودهم وخارج البلاد، وشمول محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وإربيل بالانتخابات، على أن تجري العملية الانتخابية في الأول من إبريل/ نيسان 2020. وتباينت وجهات النظر السياسية بين مؤيد ورافض للتعديل الجديد على قانون انتخابات مجالس المحافظات.

عضو مجلس محافظة بغداد، القيادي في ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي قال لـ "العربي الجديد"، إن "التعديل جيد ويمنح الحكومات المحلية المزيد من الاستقرار لأنه يخلصها من الأعضاء الآحاد (في إشارة إلى فوز عضو أو عضوين من كل حزب سياسي)"، مبيناً أن "وجود شخص أو شخصين من حزب واحد في مجالس المحافظات يعرقل عملها".

وبشأن اعتراض القوى الصغيرة على التعديل الجديد لقانون الانتخابات علّق المطلبي: "لا يوجد شيء اسمه أحزاب صغيرة بل أحزاب موسمية تظهر قبل كل انتخابات ثم تختفي بعد ذلك"، مضيفاً: "توجد مقابل ذلك قوى وكتل كبيرة لها وزنها وتاريخها". وأشار إلى أن "التجارب الانتخابية السابقة أثبتت وجود كتل تتمكن من حصد عدد مهم من المقاعد في كل انتخابات"، موضحاً أن "ذلك يؤكد قوة حضورها".

ولفت إلى "وجود بعض الأحزاب التي تخسر الانتخابات لأن لديها أصواتاً مشتتة في مناطق مختلفة من العراق، كالحزب الشيوعي مثلاً"، معتبراً أن "هذا الحزب لديه أنصار لكنهم موزعون على أماكن متفرقة في العراق. وهو أمر لا يمكن الاستفادة منه إلا إذا تغير قانون الانتخابات وتحوّل العراق إلى دائرة انتخابية واحدة".

في المقابل، اعتبر عضو التيار المدني بشير الطائي، أن "الآلية الحالية لقانون الانتخابات التي تعتمد 1.9 لا تعدو كونها عملية تمهّد لاستنساخ للتحالفات التقليدية التي تهيمن على المحافظات"، مؤكداً لـ "العربي الجديد"، أن "التعديل الجديد أطلق رصاصة الرحمة على طموحات القوى الصغيرة والمستقلين التي أصبحت أمام خيارين أحلاهما مر، إما الانسحاب من العملية الانتخابية، وإما الانضواء ضمن تحالف كبير حتى وإن كان مخالفاً لتوجهاتها".



ووفقاً لمصادر برلمانية، فإن "الانتخابات ستجري في محافظة كركوك بوقتها المحدد، شرط تدقيق سجل الناخبين من خلال مطابقة الأسماء الواردة في البطاقة التموينية مع هويات الأحوال المدنية"، مؤكدة لـ "العربي الجديد" أن "وجود توافق بين الكتل السياسية المؤثرة في البرلمان سهّل تمرير التعديل". ولفتت إلى "قيام السلطة التشريعية بحثّ مفوضية الانتخابات على إجراء العملية الانتخابية في وقتها المحدد".

من جهتها، رحّبت مفوضية الانتخابات العراقية، وهي الجهة المخولة رسمياً إدارة الانتخابات بتصويت البرلمان على تعديل قانون الانتخابات، مؤكدة في بيان أن "التصويت يمثّل أمراً مهماً يساعد المفوضية على إنجاز مهامّها المتعلقة بالاستعداد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات".

إلى ذلك، قال عضو البرلمان العراقي محمد البلداوي، إن "انتخابات كركوك ستجري في موعدها مع بقية المحافظات"، مؤكداً في حديثٍ صحافي "حسم هذا الأمر في مجلس النواب، وأن أموراً أخرى ستتم معالجتها من قبل الجهات المختصة بالانتخابات". ويشجع التعديل الجديد الذي يعتمد آلية سانت ليغو 1.9 على نشوء التحالفات الكبيرة التي سيكون لها الحظ الأكبر في الانتخابات.

وهذا ما أكده عضو البرلمان، القيادي في حزب الحل محمد الكربولي، الذي أوضح أن "القسمة على 1.9 ستشجع على قيام التحالفات، بخلاف القسمة على أعداد أقلّ"، موضحاً في مقابلة تلفزيونية أن "التحالفات المقبلة ستتكون وفقاً لقانون الانتخابات".

بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد علاء الكروي، بأن "مجلس النواب ارتكب خطأً فادحاً جديداً بحق العملية الانتخابية، من خلال تصويته على التعديل الجديد لقانون الانتخابات الذي يقضي بالقسمة على 1.9"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "هذه الطريقة ستعزز ديكتاتورية الأحزاب الكبيرة وتقصي الصغيرة". وذكر أن "قانون الانتخابات لم يكن متوازناً بل جاء متناغماً بشكل كبير مع رغبة الكتل البرلمانية، التي جاءت بتعديل على مقاسها يمكن أن يوصلها إلى مجالس المحافظات بسهولة".

مع العلم أن طريقة سانت ليغو هي آلية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6 فصاعداً، فإن حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة. وفي آخر انتخابات محلية أُجريت في العراق عام 2013 تمّ اعتماد آلية سانت ليغو بالقسمة على 1.4، وتسبب ذلك بفوز أحزاب صغيرة ومرشحين مستقلين تمكنوا من تغيير مسار الحكومات المحلية. الأمر الذي أزعج القوى الكبيرة التي سارعت إلى تعديل الآلية إلى 1.6 في انتخابات البرلمان 2014، ثم إلى 1.7 في الانتخابات التشريعية 2018، وأخيراً 1.9 في انتخابات مجالس المحافظات المقررة عام 2020.



المساهمون