مصر: عودة الترويج للخيار العسكري في أزمة سدّ النهضة

مصر: عودة الترويج للخيار العسكري في أزمة سدّ النهضة

21 يوليو 2019
مخاوف مصرية من اكتمال بناء السد وتأثيراته(زكريا بوبكر/فرانس برس)
+ الخط -
بثّت حسابات إلكترونية محسوبة على أجهزة سيادية مصرية، مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسيناريو تخيُّلي لعملية ضرب سدّ النهضة الإثيوبي، محلّ النزاع بين حكومتي القاهرة وأديس أبابا، في حال عدم استجابة إثيوبيا للملاحظات المصرية المتعلقة بالمخاوف من اكتمال بناء السد، وتأثيراته السلبية على حصة مصر من مياه النيل المقدرة بنحو 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وتضمّن مقطع الفيديو، والذي تداولته حسابات واسعة الانتشار مثل "الجيش الإلكتروني"، رسالة تشمل تصوراً عسكرياً لاستهداف سدّ النهضة من جانب سلاح الجو المصري، بعد انتهاء إثيوبيا من عمليات البناء المقررة نهاية عام 2020، عبر استخدام تشكيلات مقاتلة مثل طائرات "إف 16"، و"رافال" الفرنسية، التي حصلت عليها القوات المسلحة المصرية أخيراً في صفقات باهظة الثمن.

وحدد الفيديو، الذي أعدّ بشكل فني احترافي يتجاوز أمثاله من المقاطع التي يعدها هواة، مجموعة من الخطوات العسكرية لضرب السدّ، وذلك عبر طريق مباشر تتخذه المقاتلات المصرية فوق السودان، بعد استخدام أجهزة تشويش متطورة لمنع الرادارات من التقاطها.

وتعليقاً على ذلك، قال خبير في الشأن الأفريقي بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ استخدام مصر الخيار العسكري في الوقت الراهن بات صعباً، خصوصاً أنّ أديس أبابا أوشكت على الانتهاء من بناء السدّ، فضلاً عن توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ما يُعرف بـ"اتفاق المبادئ" في عام 2015، والذي مثّل اعترافاً مصرياً بحق إثيوبيا في إنشاء السدّ.

واستدرك الخبير المصري الذي فضّل عدم ذكر اسمه، بالقول: "على الرغم من ذلك، فتلك الأساليب الخاصة بتسريب رسائل معينة عبر مسؤولين سابقين أو خبراء مقربين من الدولة، لا سيما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تعدّ واحدة من أساليب المفاوضات، لإيصال رسالة إلى الجانب الآخر بأنّ الخيار العسكري غير مستبعد، ويمكن اللجوء إليه إذا ما أُغلقت الأبواب السياسية والدبلوماسية كافة لحلّ الأزمة".

من جانبه، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية المصرية لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس صحيحاً أنّ هناك خيارات مستبعدة خلال أي عملية تفاوض، خصوصاً إذا كانت القضية التي يتم التفاوض حولها، قضية حياة أو موت"، مضيفاً أنّ "الحديث عن تفعيل اتفاقية عنتيبي (لإعادة توزيع حصص مياه النيل على دول المنبع والمصب)، عبر توقيع دول حوض النيل عليها، ومواصلة إثيوبيا بناء السدّ، من دون التفات لملاحظات مصر بشكل يضرّ بدرجة كبيرة بمصالحها، أمرٌ في غاية الخطورة، بدرجة تجعل الخيارات كافة مطروحة، بما فيها الخيار العسكري". وتابع: "الجانب الإثيوبي نفسه يُدرك جيداً أنّ مصر لم تستبعد الخيار العسكري، وخير دليل على ذلك ما أثير أخيراً بشأن تعاقد الحكومة الإثيوبية مع إسرائيل، لإمدادها بأنظمة دفاع جوي لنصبها حول سدّ النهضة".

وتتزامن التسريبات المصرية مع تصاعد أزمة مياه النيل بالنسبة للحكومة المصرية، في ضوء اعتزام البرلمان الأوغندي التصديق على توقيع بلاده على اتفاقية عنتيبي، وهي الاتفاقية التي جمّدت مصر بسببها عضويتها في مبادرة حوض النيل عام 2010، بدعوى أنها تنتقص من حقوق مصر المشروعة في مياه النيل.

ويوم الأربعاء الماضي، اجتمعت اللجنة العليا للمياه برئاسة رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، وعدد من الوزراء، وممثلين عن جهاز الاستخبارات العامة ووزارة الخارجية، بعد الخطوة الأوغندية المفاجئة، في وقت سلّم فيه رئيس الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، رسالة من السيسي إلى نظيره في دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت خلال زيارة مفاجئة إلى جوبا.

وفي مايو/أيار 2010، وقّعت أربع دول من حوض نهر النيل في مدينة "عنتيبي" الأوغندية، على اتفاقية إطارية مثيرة للجدل، في غياب دولتي المصب مصر والسودان، وكذلك الكونغو الديمقراطية وبوروندي، إذ وقّع ممثلو إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا بالأحرف الأولى على الاتفاق بعد مفاوضات استمرت 10 سنوات لتقاسُم أفضل لمياهه، بينما أصدرت كينيا بياناً لتأييد الاتفاقية من دون التوقيع عليها.

كان الاتفاق القائم قبل تلك الاتفاقية قد وُقِع في عام 1929 بين مصر وبريطانيا، وتمت مراجعته عام 1959، ويقضي بمنح مصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، بينما يبلغ نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل.

وتستهدف إثيوبيا تخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل خلف سدّ النهضة، وسط توقعات بارتفاعها إلى 100 مليار متر مكعب بعد إضافة حجم الفواقد المائية، ما يؤثر سلباً على حصة مصر المائية التي تُعاني في الأساس، بعد انخفاض حصة المواطن المصري من مياه النيل من 2500 إلى 600 متر مكعب سنوياً، وهو ما يعتبر أقل بنسبة 40 في المائة من خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة عند ألف متر مكعب للفرد سنوياً.

وفي السياق نفسه، قال عضو البرلمان المصري، طلعت خليل، إنّ حكومة بلاده تتجاهل الردّ على البيانات العاجلة وطلبات الإحاطة المقدمة من النواب بشأن أزمة سدّ النهضة، على الرغم من أنها "معركة وجود" للدولة المصرية، في ظلّ الخطر الشديد الذي يُهدد الموارد المائية لها مع استمرار الجانب الإثيوبي في بناء السدّ، وما يتبع ذلك من آثار وتداعيات سلبية على الأمن القومي المصري.

وأضاف خليل، في تصريح خاص، أنه طالب مراراً مع نواب آخرين رئيس البرلمان، علي عبد العال، بدعوة لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب للانعقاد، لبحث أزمة سدّ النهضة في حضور خبراء ومتخصصين، وذلك للرد على تساؤلات مشروعة مثل مصير الدراسات الصادرة عن اللجان الفنية السابق تشكيلها، وما إذا كانت هذه الدراسات مُلزمة للحكومة الإثيوبية من عدمه، ولكن من دون جدوى.

وخفضت مصر المساحة المزروعة من محصول الأرز للعام الثاني على التوالي، من مليون ومائة ألف فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) إلى 724 ألفاً ومئتي فدان بمحافظات الدلتا، بعدما وافق مجلس النواب على تعديل أحكام قانون الزراعة العام الماضي، بغرض منع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه مثل الأرز وقصب السكر والكتان، بسبب التهديدات التي تواجه حصة مصر من مياه النيل، والزيادة المطردة في أعداد السكان.