تبعات تحميل الاحتلال السلطة الفلسطينية مسؤولية عمليات المقاومة

تبعات تحميل الاحتلال السلطة الفلسطينية مسؤولية عمليات المقاومة

17 يوليو 2019
القرار لا يتطرق لجرائم الاحتلال (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
في سابقة قضائية، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة الأسبوع الماضي قراراً اعتبرت فيه السلطة الفلسطينية مسؤولة عن نتائج عمليات المقاومة التي تستهدف الاحتلال ومستوطنيه وجنوده في الأراضي المحتلة، حتى لو تم تنفيذها من قبل فصائل معارضة للسلطة، مثل حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وينسحب القرار على كل عمليات المقاومة التي نفذت منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2000.


وجاء في القرار الذي أصدره نائب رئيس المحكمة القاضي موشيه دروري: "لقد تعاملت السلطة الفلسطينية في عهد رئيسها ياسر عرفات وخلفه محمود عباس كجهة مسؤولة عن العمليات وقامت بتشجيعها، حتى لو أن هذه العمليات لم تخطط وتنفذ من قبل منتمين إليها". وحسب دروري، فإن مسؤولية السلطة عن عمليات المقاومة التي تنفذ تعود إلى دورها في توفير غطاء أيديولوجي ومالي وعملي وإعلامي لتشجيع هذه العمليات، مما يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن هذه العمليات.
وعلى الرغم من أن المحكمة لم تقرر بعد حجم التعويضات المالية التي يجب أن تدفعها السلطة للعائلات اليهودية، فإن القرار الذي اتخذته يمكن أن يزيد الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية سوءاً، إذ إن المحكمة قبلت دعاوى التعويض التي قدّمتها 17 عائلة يهودية قُتل وجُرح أفراد منها في عمليات مقاومة في الضفة الغربية والقدس ومناطق أخرى خلال انتفاضة الأقصى وبعدها.
ونظراً لأن هذا القرار يعد سابقة قضائية، فإنه يمكن أن يتم الاعتماد عليه في رفع دعاوى تعويض ضد السلطة الفلسطينية من قبل جميع العوائل اليهودية التي قتل أو جرح أفراد منها. مع العلم أنه في انتفاضة الأقصى وحدها قتل أكثر من ألف جندي ومستوطن وجرح الآلاف.
ومن الواضح أن قرار محاكم الاحتلال سيلزم الحكومة الإسرائيلية باقتطاع التعويضات لعوائل القتلى من جنود الاحتلال ومستوطنيه من عوائد الضرائب التي تفرض على البضائع التي تستورد لصالح السلطة الفلسطينية. ونظراً لأن إسرائيل مقبلة على انتخابات تشريعية حاسمة في سبتمبر/ أيلول المقبل، فمن غير المرجح أن تستجيب حكومة بنيامين نتنياهو لتحذيرات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تحذر من أن فرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية يمكن أن يفضي إلى توقف تعاون أجهزتها الأمني، الذي أسهم بشكل كبير في تحسين البيئة الأمنية في إسرائيل والمستوطنات.
ويبدو أن البيئة السياسية والحزبية في إسرائيل تسمح بتنفيذ قرارات المحكمة، إذ إن العديد من القيادات داخل تحالف "أزرق أبيض" المعارض، الذي يقوده بيني غانتس، تؤيد تعويض العوائل اليهودية من عوائد الضرائب. ولا ينحصر تأثير هذا القرار في الجانب المادي، بل يمكن أن يتعداه إلى المس بمكانة السلطة الفلسطينية السياسية وحتى وجودها.
ومن الواضح أن صدور قرارات التعويض ضد السلطة الفلسطينية يمكن أن يمثل مسوغا، في نظر أحزاب وحركات اليمين الإسرائيلي، لنزع الشرعية عن وجود السلطة الفلسطينية نفسها.
ولم يكن من سبيل الصدفة أن كل الأوساط اليمينية في إسرائيل قد احتفت بهذا القرار بوصفه يستجيب لتصورها إزاء السلطة ودورها.
ويُعتبر هذا القرار نتاجاً مباشراً لـ"الثورة" التي أعلنتها وزيرة القضاء السابقة ايليت شاكيد، والتي عمدت خلالها إلى تعيين عدد كبير من القضاة، الذين ينتمون للتيار الديني القومي، على رأس الكثير من المحاكم. فعلى سبيل المثال، جميع طاقم القضاة في المحكمة اللوائية في القدس المحتلة هم من أتباع التيار الديني القومي، وبعضهم يقطن المستوطنات المقامة على أرض تمت مصادرتها من عوائل فلسطينية في الضفة الغربية.
وأصدت المحكمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 قرارا يعتبر أن سنّ قانون "القومية" يمنح كل يهودي، حتى ولو لم يكن يحمل الجنسية الإسرائيلية، الحق في رفع دعاوى ضد منظمات "إرهابية" أمام المحاكم الإسرائيلية.


في المقابل، فإن الجهاز القضائي والنخبة السياسية في إسرائيل لا يريان أن سقوط أكثر من 3 آلاف فلسطيني قتيل وحوالي 9 آلاف جريح خلال انتفاضة الأقصى وحدها يستدعي محاسبة الجنود والمستوطنين الذين قتلوا وأصابوا هؤلاء، ولا أن عوائل القتلى والجرحى الفلسطينيين يستحقون معاملة مماثلة لمعالجة القتلى والجرحى اليهود.