إيران تصعّد ضد معارضيها في كردستان... والعراق يتفرّج

إيران تصعّد ضد معارضيها في كردستان... والعراق يتفرّج

18 يوليو 2019
تملك أحزاب كردية إيرانية أجنحة عسكرية (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

يدخل التصعيد الإيراني العسكري داخل الأراضي والقرى الحدودية العراقية ضمن إقليم كردستان مع إيران، أسبوعه الثاني، عبر القصف المدفعي والصاروخي الذي تسبّب بسقوط قتلى مدنيين عراقيين وكذلك عناصر من أحزاب المعارضة الإيرانية الكردية، التي تتخذ من المناطق العراقية في الإقليم قواعد خلفية لها. التصعيد الإيراني الذي جاء عقب هجوم للمعارضة الكردية الإيرانية على ثكنة لقوات الحرس الثوري داخل إيران، وتسبّب بخسائر في صفوف أفرادها، كان انطلاقاً من بلدة عراقية، وهو ما دفع الإيرانيين إلى الرد بشكل عنيف هو الأقوى منذ نحو عامين. وحتى الآن سجلت الهجمات الإيرانية مقتل وإصابة 7 مدنيين عراقيين أكراد، إضافة إلى خسائر سُجلت في صفوف أجنحة مسلحة لعدة أحزاب كردية معارضة لطهران.

ووفقاً لمعلومات خاصة حصلت عليها "العربي الجديد"، من مسؤولين في وزارة البشمركة، فإن قوات الحرس الثوري الإيراني توغّلت منذ أيام داخل قرى حدودية عراقية بعمق يصل إلى 6 كيلومترات، قرب جبل سورين الحدودي العراقي الذي يتبع ناحية سيد صادق، ضمن حدود محافظة السليمانية، كما توغّلت داخل مناطق جبلية عراقية تتبع ناحية سوران بعمق يصل إلى 5 كيلومترات. وبحسب المصادر ذاتها، فإن المناطق التي توغّلت فيها القوات الإيرانية (الحرس الثوري)، خالية من قوات البشمركة، ما أدى إلى عمليات نزوح للقرويين منها، وكذلك لقاطنين على سفوح الجبال القريبة من مفرق قنديل - سيدكان ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي، ويبلغ عددهم أكثر من 500 عائلة بشكل إجمالي، وتعمل منذ مساء الثلاثاء الماضي مؤسسة البارزاني الخيرية على تقديم معونات عاجلة لهم.

وعلى عكس طهران التي لوّحت بالتصعيد بشكل "مُدمر" في حال تكرار الهجمات على قواتها انطلاقاً من العراق، لم يصدر عن السلطات العراقية في بغداد حتى الآن أي تعليق حول القصف الإيراني لمناطق عراقية، وسقوط ضحايا من مواطنيها الأكراد ضمن إقليم كردستان العراق. كما رفض مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في اتصال مع "العربي الجديد" صباح أمس الأربعاء، الإدلاء بأي معلومات حول موقف الحكومة، في حين اكتفت حكومة إقليم كردستان بإصدار بيان استنكار للقصف الإيراني داخل أراضيها. في المقابل، فإن إيران ما زالت تنتظر رداً من القيادات الكردية في أربيل على ضرورة تسليم قيادات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لها، والموجودة في الإقليم، مؤكدة أن معلوماتها تشير إلى بدء عملية تخابر بين تلك الأحزاب وواشنطن، وهو ما تعتبره طهران تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وتعتبر أربيل مسؤولة عن معالجة الملف. وقال مسؤولون في أربيل، لـ"العربي الجديد"، إن الإيرانيين يريدون أن نسلمهم قيادات كردية إيرانية موجودة في الإقليم، وكذلك التحرك لطردها من مناطق في أطراف أربيل والسليمانية، وعدم السماح باتخاذ الإقليم منطلقاً للهجمات على الداخل الإيراني، معتبرين أن تواصل تلك الأحزاب مع الأميركيين بمثابة عمل معاد كبير آخر لا يختلف عن هجمات أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة.

وأقر مسؤول كردي مقرب من رئيس الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني، بأن الأخير يرفض حتى مناقشة تسليم قيادات المعارضة الكردية الإيرانية لطهران، ويعتبر ذلك عاراً لا يمكن أن يقدم عليه، لافتاً إلى أن الآمال معقودة على القوى الكردية الإيرانية في أن تُجنّب الإقليم الحرج والضغط الحالي، بعدم ضرب المواقع الإيرانية من داخل العراق، ووقف ممارسة أي نشاطات سياسية ضد طهران من داخل كردستان، خصوصاً أنها تتعامل بشكل ودي وأخلاقي مع سلطات الإقليم على عكس حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة والمتواجد هو الآخر في جبال قنديل العراقية. وأكد أن أربيل "لا يمكن أن تُقدم على تسليمهم بأي شكل من الأشكال، ولا شنّ حملة عسكرية عبر قوات البشمركة لدفعهم إلى التراجع عن المناطق التي يتواجدون فيها داخل القرى ضمن الإقليم، فيكون ذلك أيضاً بمثابة تسليمهم للحرس الثوري"، معتبراً أن البارزاني سيخسر كثيراً على مستوى أكراد العالم عامة، والعراق وإيران خصوصاً، لو فعل ذلك.


وتتواجد عدة أحزاب كردية إيرانية في إقليم كردستان، وتمتلك اجنحة عسكرية وأخرى سياسية، وتتركز في مناطق وقرى شمال أربيل وجنوب السليمانية، وفي كويسنجق قرب كركوك التي شهدت العام الماضي قصفاً صاروخياً إيرانياً عنيفاً على مقر لحزب كردي إيراني معارض خلال اجتماع، أسفر عن مقتل 15 من أعضائه وجرح قرابة الخمسين. وأبرز الأحزاب الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان العراق، هي حزب حرية كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعروف اختصاراً بـ"حدكا"، والحزب الشيوعي الكردستاني "كومله"، وحزب الحياة الحرة في كردستان إيران المعروف اختصاراً بـ"بيجاك". وتنفذ أجنحة هذه الأحزاب المسلحة هجمات داخل الأراضي الإيرانية تستهدف الحرس الثوري والجيش في المناطق الكردية ضمن مدن وقرى لورستان وكردستان وكرمنشاه وقصر شيرين وإيلام ومهاباد وغيرها انطلاقاً من العراق. وتتفاوت تلك الأحزاب فكرياً بين أحزاب علمانية وشيوعية وأخرى قومية يسارية، لكنها تنسق هجماتها المسلحة بين حين وآخر ضمن ما تسميه هدف الخلاص من لعنة "سايكس بيكو". وبثت مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني مقاطع فديو تظهر قيام الأخير بقصف قرى عراقية في إقليم كردستان بالصواريخ والمدفعية والراجمات في العاشر من الشهر الحالي، فيما قالت السلطات الكردية إن القصف تسبب بمقتل شابة عراقية وإصابة آخرين.

في المقابل، عبّر عضو البرلمان العراقي كاوه محمد، عن استغرابه من عدم وجود رد من قبل حكومتي بغداد وأربيل على الاعتداء الإيراني، الذي طاول الأبرياء في قرى تابعة لإقليم كردستان، مؤكداً، في تصريح صحافي، أن الانتهاكات للسيادة العراقية من قبل دول الجوار مستمرة. وشدد على ضرورة العمل من أجل حفظ حياة المواطنين، مطالباً الحكومة العراقية في بغداد بالتدخل الفوري والسريع لوضع حد للانتهاكات الصارخة للسيادة العراقية، لافتاً إلى أن القصف الإيراني أسفر عن مقتل فتاة وإصابة اخرين. وقال قائمقام سوران في إقليم كردستان كرمانج عزت، في وقت سابق، إن المدفعية الإيرانية قصفت قرى بريزين وديري وداسنيا وبي قوشيك ودوستانا الحدودية مع إيران. ولفت إلى أن القصف أسفر عن مقتل شابة تبلغ من العمر 18 عاماً وإصابة شقيقيها بجروح، فضلاً عن أضرار مادية في الحقول والمواشي. عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، محما حسين، قال لـ"العربي الجديد"، إن الضغط الإيراني يجب أن تواجهه بغداد، لكن بما أن المعادلة معروفة في ما يتعلق بالحكومة الاتحادية وإيران، فإن أربيل تتحمل الموضوع لوحدها. وأضاف "تسليم أي كردي معارض غير مطروح للنقاش، والموضوع أخلاقي قبل كل شيء. لكن نأمل أن تتفهم قوى المعارضة في شرق كردستان ذلك".

ويستخدم القوميون الأكراد مصطلحات شرق كردستان للإشارة إلى مناطق أكراد إيران، وجنوب في إشارة إلى إقليم كردستان العراق، بينما الشمال لأكراد تركيا وغرب كردستان للمناطق الكردية في سورية. الخبير في الشأن الكردي الإيراني سوران بالان قال، لـ"العربي الجديد"، إن "القصف الإيراني توقف خلال الأربعة والعشرين ساعة الماضية، ويمكن وصف الوضع بالهادئ، لكنه تركز في الأيام الماضية في مناطق حدودية مثل جبال هلكورد وبالاكاتي، التي تتواجد فيها الأحزاب الكردية المعارضة"، موضحاً أن "التصعيد الأخير كان من أسبابه اغتيال الأحزاب الكردية المعارضة لعملاء أكراد محليين يوصلون معلومات للحرس الثوري وتمت تصفيتهم من قبل المعارضة الكردية"، مؤكداً أن القصف الإيراني تسبب بسقوط مدنيين من أكراد العراق.