الجزائر... ما يجب ألّا يحدث

الجزائر... ما يجب ألّا يحدث

16 يوليو 2019
السلمية أساسية في الحراك الشعبي (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
في العام 1994، كانت الجزائر قد فتحت باباً على أزمة دامية بعد انقلاب الجيش، الذي دفع الرئيس الشاذلي بن جديد للاستقالة قبل ذلك في يناير/كانون الثاني 1992. في تلك الفترة القلقة كان الحوار ما زال ممكناً، والأمل في إحداث ثغرة في جدار الأزمة وتفكيك ألغامها والتوصل إلى الحل ممكناً أيضاً، والعنف السياسي في نطاق يمكن السيطرة عليه سياسياً وأمنياً.
لكن السلطة في تلك الفترة حاولت أن تهرب من واقع سياسي، وصمّت آذانها عن الاستماع إلى العقلاء السياسيين، وأغلقت باب الحوار مع الفاعلين المركزيين في الأزمة حينها، وحددت مساراً واحداً للحل وفرضت تصوراته وتفاصيله، باتجاه ندوة وفاق وطني لم تكن في النهاية سوى جزء من ترتيبات مؤدية إلى انتخابات رئاسية جرت عام 1995، اتضح أن السلطة كانت تستهدف بإجرائها تجاوز أزمتها في العلاقة بالشرعية، أكثر مما كانت تستهدف حل أزمة البلد.

وبسبب التضييق السياسي حينها، بحثت المعارضة عن فضاء ممكن للنقاش، ووجدته في سانت ايجيديو (روما)، وطرحت تصورات لحل الأزمة متعددة الأبعاد. لكن السلطة اعتبرت مخرجاتها بـ"لا حدث"، وتولدت عن مثل هذه المواقف، إضافة إلى اعتبارات أخرى، حالة إحباط سياسية عامة، صبّت مزيداً من الوقود على نار الأزمة التي كانت مشتعلة أصلاً، وأطلقت العنان للجنون الدموي الذي بلغ ذروته عام 1997، ولم تجد السلطة بعدها بُدّاً من الإقرار بأزمتها والعودة إلى مسارات سياسية كانت المعارضة قد طرحتها قبل ذلك.

ثمة نقاط التقاء كثيرة بين ذلك الظرف العصيب وبين الظرف الراهن، مثلما أن هناك الكثير من النقاط الفارقة بالتأكيد، فالزمن والعوامل ليسا نفسهما، السياقات والفواعل الداخلية ليست نفسها أيضاً، لكن المغزى في أنه كلما كان الحوار ممكناً، أمكن لجم العنف بكل أشكاله ومظاهره حتى اللفظي منها، وكلما كان الأمل في الحل السياسي قائماً، أمكن كبح كل أشكال الصدام والاحتقان والوسائل الأخرى التي قد تترتب عنها تداعيات قاسية كالعصيان والإضراب. وكلما تجاوزت السلطة "أنا" الوصاية، قرأت معطى الحراك كموقف شعبي بشكل صحيح، وكلما استبعدت في تفاعلها مع مخرجات مؤتمر المعارضة الأخير في عين البنيان (مدينة في ضواحي العاصمة الجزائرية)، التعامل الجلف للسلطة الانقلابية في التسعينات مع مخرجات مؤتمر المعارضة في سانت ايجيديو، أمكن اختصار زمن الأزمة لصالح التعجيل بالحلول التوافقية.

من باب الاستباقية، ثمة ما يدعو للقلق، ويدفع إلى القول إن أبرز عامل يجب ألّا يخسره الحراك الشعبي هو السلمية، الذي ظل المرتكز الرئيس في المنجز الذي حققته الثورة السلمية. وإذا كانت السلطة الحالية، بكل مؤسساتها وبما فيها الجيش، مسؤولة، كما كانت دائماً، عن صناعة الأزمة بفعل التماهي مع سياسات وضعت البلاد في مأزق كيدي، فإنه يقع عليها (السلطة والجيش) أيضاً مسؤولية عدم إنتاج نفس ظروف سيناريو التسعينات (مع فارق المخاطر) والمواقف المؤدية إلى الإحباط والانزلاق، والحد من خطاب التأزيم والتخوين، لأنه لن يقدّم أي إضافة لمناخات الحل، مثلما تقع على الفواعل السياسية مسؤولية المساعدة في إنتاج الحل.

المساهمون