الجزائر: هل يقود رئيس البرلمان الوساطة بين السلطة والمعارضة؟

الجزائر: هل يقود رئيس البرلمان الوساطة بين السلطة والمعارضة؟

16 يوليو 2019
يحظى شنين بتقدير سياسي من قوى المعارضة(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -


لم ينته الجدل في الجزائر بشأن الغايات السياسية من تسليم المعارضة رئاسة البرلمان، للمرة الأولى في التاريخ السياسي للجزائر، في ظل وضع يحكمه انسداد قنوات الحوار بين السلطة والمعارضة. لكن طبيعة المرحلة السياسية المقبلة، التي ستشهد تحولات عميقة في البلاد وانتخابات رئاسية وتغييرات مفصلية في نظام الانتخابات، تعطي للبرلمان دوراً بارزاً في صياغة ترتيبات هذه المرحلة، وتضع على عاتق رئيسه الجديد سليمان شنين مسؤولية سياسية في الالتزام بتحقيق مطالب الحراك الشعبي.

وفي السياق، عقدت قوى وشخصيات من المعارضة السياسية والمدنية في الجزائر، أمس الإثنين، اجتماعاً موسعاً يستهدف توجيه دعوة إلى رئيس البرلمان الجديد سليمان شنين للعب دور وساطة سياسية بين السلطة والمعارضة، من موقعه كثالث رجل في الدولة دستورياً، والمساعدة في الإسراع بتشكيل فريق حوار وطني ووضع التوافقات السياسية بين السلطة والمعارضة لتجاوز حالة الانسداد الحالية والذهاب في أقرب وقت إلى انتخابات رئاسية. وعقدت أمس مجموعة من التنظيمات المدنية والنقابات المهنية ونشطاء سياسيين لقاءً في العاصمة الجزائرية لوضع ديباجة سياسية تقدم خلال اليومين المقبلين إلى شنين، تتضمن مقترحاً بمباشرته عقد لقاءات مع كبار القيادات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة، لدعم خطة الحل السياسي للأزمة ومناقشة تصورات جدية لصيغة الحوار الوطني الذي يقترحه رئيس الدولة عبد القادر بن صالح.

وتراهن هذه القوى والفعاليات على شنين لإنهاء حالة القطيعة السياسية القاهرة بين مكونات السلطة الثلاث، رئاسة الدولة والحكومة والجيش، وبين المكونات الثلاث المقابلة، السياسية والقوى المدنية والحراك الشعبي، حيث ترفض الأخيرة إقامة أي حوار مع بن صالح أو رئيس الحكومة نور الدين بدوي، فيما يستبعد الجيش نفسه من أي حوار سياسي. وتعتبر أن شنين، وبغض النظر عن الطريقة التي تم تعيينه بها، بعد تخلي الكتل النيابية لأحزاب الموالاة الغالبة في البرلمان عن المنصب بأوامر فوقية، أو وجود مخاوف من تلاعبات السلطة أو سعيها إلى توريط المعارضة في البرلمان في ترتيبات المرحلة المقبلة، يمكن أن يمثل جسراً للحوار غير المباشر بين السلطة والمعارضة، وقناة لنقل الرسائل السياسية بين الطرفين، بصفته رجلاً توافقياً يحظى بتقدير سياسي من قوى المعارضة، ولكونه في منصب دستوري بالنسبة للسلطة، ناهيك عن الدور المنتظر أن يلعبه شنين في المرحلة المقبلة على صعيد تشريع القوانين.

وتعتبر نخب ونشطاء سياسيون أن وجود شخصية معارضة وناشطة في الحراك الشعبي، يمثل هامشاً سياسياً جديداً لصالح الحراك والمعارضة، يرتبط استغلاله لصالح المطالب الشعبية بمدى قدرة هذه الشخصية وقوى المعارضة على استغلال هذا الهامش. ويعتقد المتحدث باسم "فضاء الحراك الأصيل" (منتدى سياسي) يحيى جعفري أنه من المهم وجود شخصية بحجم سليمان شنين على رأس مؤسسة دستورية، بغض النظر عن الطابع السياسي والصورة الهشة لهذه المؤسسة الدستورية. وقال في تصريح، لـ"العربي الجديد"، إنه "صحيح أننا نعتبر أن البرلمان بكامله مؤسسة مزورة، لكننا نعتبر أنه في الوقت ذاته ليس من الأولويات الحديث عن التزوير في مرحلة انتقال ديمقراطي. وجود شنين على رأس البرلمان مساحة وهامش يمكن استغلالها لصالح مطالب الحراك. نحن كنشطاء نبحث عن حلفاء داخل كل مؤسسات السلطة والدولة الفاعلة، فكيف إذا تعلق الأمر برئيس مؤسسة دستورية هي الثالثة في ترتيب مؤسسات الدولة"، مضيفاً أنه "ومع فارق أننا لا نعتبره نتيجة تفاوض مع الحراك، ولا يرتب على الحراك أي التزام، لكنه موقع متقدم كقوة اقتراح تهمنا وتخدمنا، فالرجل (رئيس البرلمان الجديد) بكل المعايير يعتبر اختراقاً هاماً لدائرة السلطة".



وتستند هذه الخلاصة إلى مواقف شنين وانخراطه في الحراك الشعبي، منذ بدايته في 22 فبراير/شباط الماضي، وحرصه على المشاركة في التظاهرات ودفاعه في القنوات التلفزيونية عن المطالب الشعبية ودعواته لمحاكمة رموز الفساد وملاحقة الحكومات السابقة ورفضه هيمنة السلطة على البرلمان، وهي مواقف تؤهل القيادي الإسلامي سليمان شنين، الوحيد المنتخب شعبياً من بين الرئاسات الثلاث، للعب دور يقترب، مع فارق السياقات، من دور المقاومة السياسية التي يبديها رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو ضد السلطة المركزية، خصوصاً في ما يتعلق باستعادة سمعة ومصداقية المؤسسة التشريعية ومنح فرصة أكبر لمبادرات قوى المعارضة في تعديل القوانين وصياغتها، واقتراح مبادرات تتصل بلجان التحقيق النيابية في عدد من القضايا، بعد حالة الصد التي كانت تواجهها المبادرات النيابية لكتل المعارضة في وقت سابق.

وإذا كان عامل استعادة مصداقية البرلمان يأتي ضمن حسابات السلطة التي خططت لتمكين المعارضة من رئاسة البرلمان، فإن التغييرات التي مست رأس السلطة التشريعية تأتي أيضاً ضمن سياق ترتيبات سياسية لها علاقة بالمرحلة المقبلة التي ستشهد حواراً سياسياً يقوده فريق من الشخصيات المستقلة وتعديل القوانين والنظم التشريعية لتنظيم الانتخابات. ويقع على عاتق البرلمان (في ظل عدم وجود إمكانية دستورية لبن صالح للتشريع بالأوامر الرئاسية)، تعديل قانون الانتخابات لسحب صلاحيات تنظيم الانتخابات ومراقبتها من الإدارة ووزارة الداخلية لصالح هيئة مستقلة سيتم تشكيلها في وقت لاحق، كخطوة ضامنة لنزاهة الاستحقاق الانتخابي، واستجابة لمطلب مركزي لقوى المعارضة منذ سنوات، وكذا مناقشة وإصدار النص القانوني المنظم لصلاحيات هذه الهيئة المستقلة، بعد انتهاء جلسات الحوار الوطني التي من المقرر أن يقودها فريق من الشخصيات المستقلة.

لكن مجمل ما سبق لا يلغي مواقف جزء من الحراك الشعبي والقوى السياسية التي تعترض على ترؤس نائب من كتلة معارضة، عضوة في قوى التغيير، للبرلمان، وتقلل من أن يكون ذلك مقدمة للسماح بدور حقيقي للبرلمان، خصوصاً في ظل أغلبية موالية للسلطة ومتحكمة في الموقف عددياً. وفي السياق يعتقد الناشط السياسي محمد حديبي أن "السلطة بعثت برسالة سياسية مفادها إنهاء تسيير حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، لمؤسسات الدولة، بسبب ضغوط الحراك الشعبي، لكن ذلك لن يغير شيئاً، ولن يزيد أو ينقص من حقيقة الوضع غير تنفيذ تعليمات فوقية، إذ إن السلطة تريد فقط من البرلمان أن يصادق على قانون الانتخابات وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات، وربما سيتم الإبقاء على هذا البرلمان بعد الانتخابات الرئاسية لتعديل قوانين الإصلاح السياسي ليس إلا، لأنها لن تجد أضعف من هذا البرلمان، سواء كان رئيسه من الموالاة أو المعارضة، لتمرير القوانين التي تريد، خصوصاً في ظل وجود مجلس الأمة الذي يضمن للسلطة قراءة ثانية لأي قانون يصادق البرلمان عليه.

المساهمون