استقبال السعودية لرؤساء الحكومات اللبنانيين السابقين: مواجهة لـ"حزب الله"

استقبال السعودية لرؤساء الحكومات اللبنانيين السابقين: عودة لمواجهة "حزب الله"

15 يوليو 2019
صلاحيات رئاسة الحكومة لم تغب عن أجواء الزيارة (واس)
+ الخط -
في زيارة لافتة وتحمل العديد من الدلالات والرسائل السياسية، بدأ رؤساء الحكومة السابقون في لبنان، تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، اليوم الاثنين، التقوا خلاها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووزير الخارجية السعودي إبراهيم بن عبد العزيز العساف، بعد أشهر من بروز تحوّل في سياسة المملكة تجاه بيروت، وفي ظلّ جدل متصاعد في لبنان حول تراجع صلاحيات رئيس الحكومة، واتهام رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري بالتفريط بها.

ولعلّ تأكيد الملك سلمان خلال اللقاء، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، "حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وأهمية الحفاظ على لبنان ضمن محيطه العربي"، كان كافياً لتأكيد هذه العودة، بانتظار بلورة شكلها وحدودها، قبل أن يصدر بيان مشترك عن ميقاتي والسنيورة وسلام، أشاروا فيه إلى تأكيد العاهل السعودي "حرص المملكة القوي والثابت على لبنان واستقلاله وسيادته والحفاظ اتفاق الطائف وصونه، لكونه الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان، وأكد أهمية صيغة العيش المشترك بين جميع اللبنانيين، بشتى طوائفهم وانتماءاتهم، وكلّ ذلك تحت سقف الدستور واحترام القوانين واحترام الشرعية العربية والدولية.

ولأنّ المملكة لن تدخر جهداً من أجل حماية وحدة لبنان وسيادته واستقلاله". كما نقلوا عن العاهل السعودي تأكيده "أهمية إعادة الاعتبار والاحترام للدولة اللبنانية وتمكينها من بسط سلطتها الكاملة، وبقواها الشرعية، على كلّ مرافقها وأراضيها، وكذلك قدرتها على استعادة هيبتها بما يعزز من وحدة اللبنانيين".

وعلى الرغم من أنّ القرار السعودي بالعودة إلى لبنان يعود إلى نحو أشهر خلت، إلا أنها المرة الأولى التي تُعلَن فيها عن مشاريع بين البلدين تؤكّد هذه العودة، خصوصاً أنّ سلام تحدث عن "13 اتفاقاً بين البلدين"، فيما أشار ميقاتي إلى "خطوات سعودية قريباً نحو الدولة اللبنانية"، وإلى "نحو 20 اتفاقية بين السعودية ولبنان هي قيد الإعداد حالياً".

كما شددت تصريحات رؤساء الحكومة الثلاثة، قبل وبعد اللقاء مع الملك، على جملة من العناوين التي ترى السعودية أنها ركيزة سياستها في لبنان، ومنها "العودة إلى اتفاق الطائف والدستور"، كما عبّر السنيورة، و"احترام الشرعية العربية واحترام الإجماع العربي".

كما لم تغب قضية صلاحيات رئيس الحكومة، ولو بشكل غير مباشر، عن أجواء الزيارة، إذ ردّ ميقاتي في لقاء صحافي في جدة، تحدّث خلاله عن نتائج الاجتماعين مع العاهل السعودي ووزير الخارجية، على سؤال حول التفاصيل المرتبطة بالقضية بعد أن علم الصحافيون أنه "تم التطرق إلى هذا الموضوع"، بالقول، بحسب ما أوردت "الوكالة الوطنية للإعلام" في لبنان: "لم نتحدث عن موضوع صلاحيات رئيس الحكومة، بل أكدنا، من موقعنا كرؤساء حكومة سابقين، دعمنا للموقع ولدولة الرئيس الحريري بالذات، لأنّ الأهم في الوقت الحاضر أن نعمل على إنقاذ وطننا. نعلم جميعاً الصعوبات التي تواجهنا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفي هذه المرحلة بالذات، نحن نشدّد على ضرورة صمود البلد وتقويته، وهذا الأمر لا يحصل بالمهاترات والشرذمة بل بالوحدة".

وشهدت المرحلة السابقة الكثير من المؤشرات إلى العودة السعودية إلى لبنان، خصوصاً بعد زيارة وفد من مجلس الشورى السعودي إلى لبنان، ولاحقاً زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الرياض، وهي الزيارة التي تركت ارتياحاً في بعض الأوساط اللبنانية، وتمّ الاستناد إليها في الحديث عن العودة السعودية المرتقبة، بما أنّ مرحلة التوتر في العلاقة بين لبنان والسعودية، شهدت إلغاء هبة بقيمة ملياري دولار كانت المملكة قدمتها للبنان لتعزيز قدرات الجيش.

وتستند السياسة السعودية، كما يردّد أكثر من مصدر سياسي لبناني على علاقة مع المملكة، إلى شعار "عدم ترك لبنان في حضن إيران"، على الرغم من أن هذه المصادر تؤكد أنه بعيد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهو المحسوب على قوى "8 آذار" ("حزب الله" وقوى أخرى قريبة منه) وبعيد الانتخابات النيابية الأخيرة، التي شهدت تراجعاً كبيراً لحلفاء المملكة المفترضين في لبنان، فإنّ هذه المهمة باتت أصعب بكثير، لأنّ إيران مدّت يدها سياسياً إلى لبنان عبر مواقع حساسة، بعد أن كانت تفرض سطوتها بحكم السلاح.

كما شهدت العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية الكثير من التعرجات، خصوصاً بعد اندلاع الثورة السورية، ومشاركة "حزب الله" فيها، ولاحقاً حرب اليمن، وتصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، إضافة إلى تولي الملك سلمان عرش المملكة، وانتهاجه سياسة أكثر تشدداً في المنطقة من سلفه.

وكانت السياسة السعودية السائدة منذ عام 2005، تاريخ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، عنوانها الفصل بين لبنان الدولة و"حزب الله"، والتركيز على بناء الدولة في لبنان، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، ما يعني مواجهةً ضمنيةً مع "الدويلة" في لبنان أي "حزب الله" وتطويقاً لها.

ولاحقاً، ومع وصول الملك سلمان، تخلّت المملكة عن هذه السياسة، بعد أن صعد تيّار في المملكة يقول إنّ الدولة في لبنان ساقطة في يد الحزب، وتالياً أي دعم للدولة يعني دعماً غير مباشر للحزب، خصوصاً أنّ المعادلة السياسية اللبنانية لم تنجح في منع "حزب الله" من المشاركة في النزاعات في المنطقة، بعد أن ضرب بإعلان بعبدا الذي أُقرّ في عام 2012 سياسة النأي بالنفس مع بدء شرارة الحرب في سورية، قبل أن يتمرّد عليه الحزب، ويقاتل في سورية، على الرغم من تكرار بيانات الحكومات المتعاقبة التزام لبنان بهذه السياسة.

ولعلّ خيار مواجهة "حزب الله" هو فعلياً ما وتّر العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري والمملكة، إضافة إلى جملة من العوامل الأخرى، لكنّ هذا الملف كان الشعرة التي قصمت ظهر العلاقة بينهما، كما تقول شخصية كانت مقربة من تيار "المستقبل" في مرحلة سابقة، خصوصاً أنّ مرحلة احتجاز الحريري في السعودية، وتقديم استقالته من هناك بضغط سعودي، كانت مبرّراتها "حزب الله" وسطوته على البلد.

وبانتظار كيفية العودة السعودية إلى لبنان، وماهية الاتفاقات المرتقبة، يبقى انتظار كيفية المواجهة في لبنان، خصوصاً أنّ الزيارة حملت شعارات واضحة تحدّث عنها السنيورة وتحديداً لجهة الحفاظ على اتفاق الطائف، كما أنّ التحالف الذي رعته المملكة قبل سنوات (14 آذار) انهار كلياً على الرغم من محافظة المملكة على علاقات إيجابية جداً مع بعض الأحزاب التي كانت منضوية في عداده، مثل "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".

والسؤال الأهم عن طبيعة العلاقة بين المملكة والحريري. في الشكل لا يمكن وضع الزيارة إلا في خانة سلبية تجاه الحريري، على الرغم من الإخراج الذي سبقها، من زيارة الرؤساء للحريري قبل مغادرتهم لبنان، مروراً بالحديث عن تنسيق بينهم وبين الحريري، وصولاً إلى حديث السنيورة عن رسالة من الحريري للملك سلمان.

وعلى الرغم من كلّ هذا الإخراج، إلا أنّه ثمة قناعة في الأروقة السياسية اللبنانية، كما ينقل أكثر من مصدر محسوب على قوى "8 آذار" وأخرى محسوبة على "المستقبل"، بأنّ العلاقة بين المملكة والحريري في حالة موت سريري، خصوصاً بعد حادثة احتجازه في الرياض، والتي أكدها تقرير المقررة الأممية  الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، المتعلّق باغتيال الإعلامي جمال خاشقجي، وبعد إغلاق شركة "سعودي أوجيه" التي أسّسها رفيق الحريري في المملكة.

وتستند هذه القراءة أو القناعة إلى جملة من المؤشرات الرئيسية، لعلّ أبرزها أنّ الحريري لطالما كان الحليف الأول في لبنان للمملكة، الذي ينسّق سياسات تياره والحلفاء في "14 آذار" مع المملكة. كما أنّه كان الشريك السني الأول للمملكة في لبنان، ولا يمكن وضع الزيارة إلا في خانة محاولة المملكة البحث عن شركاء جدد في الساحة السنية.


ومردّ هذه القناعة أيضاً، إلى الدور المتعاظم الذي بات يلعبه رؤساء الحكومة السابقون في السياسة اللبنانية، خصوصاً بعد أن تحوّلوا في المرحلة الأخيرة إلى رأس حربة في الدفاع عن الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة، على الرغم من وجود رئيس للحكومة، وتحديداً في المرحلة الأخيرة التي شهدت تصعيداً من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ضد رئاسة الحكومة، فاضطر رؤساء الحكومة السابقون إلى الردّ بحزم، بعد أن اتُّهم الحريري بالوقوف متفرجاً أمام هذا الهجوم، الذي لا يضرب موقع رئاسة الحكومة فقط، بل اتفاق الطائف أيضاً.

وبرز تجمع رؤساء الحكومة عملياً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وخلال مرحلة تأليف الحكومة اللبنانية التي شابتها الكثير من المطبات، مقدّمين دعماً للحريري في مهمة تأليف الحكومة، وفي رفض الالتفاف على اتفاق الطائف. وكان التجمع برعاية السنيورة شخصياً، الذي بدأ يتمايز عن تيار "المستقبل" في السنوات الأخيرة، بمواقف أقرب الى المملكة العربية السعودية منها إلى الحريري، الذي اختار نهجاً براغماتياً وتسووياً مع "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".