عقار آل صيام بسلوان: ربع قرن من مواجهة التزوير

عقار آل صيام في سلوان: ربع قرن من مواجهة التزوير والخذلان

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
15 يوليو 2019
+ الخط -

"ما بدي أتنازل. أنا مش رح أتنازل. أنا إذا تنازلت ابني ما بده يتنازل. بدنا نكمل لآخر يوم في حياتنا. يمكن ألاقي ثغرة. يمكن ألاقيها في الزبالة (النفايات). حقي بدي أكمل فيه"، بهذه العبارات الموجعة، والتي تعكس تصميماً على استعادة ما سلب من حق، تروي سميرة صيام، بتفاصيل مزدحمة بالألم وبمشاعر الخذلان من القريب قبل البعيد، حكاية عقار يتوسط حي وادي حلوة في سلوان على بعد عشرات الأمتار فقط من منطقة القصور الأموية الملاصقة تماماً للمسجد الأقصى.

ربع قرن من الصراع لم يفتّ من عضد هذه السيدة المقدسية التي روت لـ"العربي الجديد" قصة العقار، وكيف كانت العائلة تواجه وحيدة تغوّل المستوطنين وحكومتهم وكل أجهزتهم الشرطية والقضائية لصالح الاستيلاء على العقار، بشراء حصص فيه وقضم حصص أخرى، مستعينين بحارس أملاك الغائبين، وبانتزاع بصمة مالكة العقار، وهي على مغتسل الموت وتبصيمها على ست أوراق بياض، ليبدأ صراع تداولته محاكم الاحتلال جميعاً. وحين انتهى إلى المحكمة العليا كان الحكم الجائر بتمليك المستوطنين له.

القصة كاملة

تقول سميرة، بينما كان شقيقها جواد صيام وهو مدير مركز معلومات وادي حلوة الذي يرصد انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه في القدس وسلوان، يجلس إلى جوارها، إن "العقار أجّرته الجدة لشخص من العائلة، حتى فوجئنا في شهر إبريل/ نيسان العام 1994 من قبل أحد الأشخاص، ويدعى (م. د. خ)، بأن العقار قد بيع للمستوطنين، وأرسل لنا رسالة بهذا المعنى مع ابن شقيقته، وأن علينا تسليمه إياه بعد شهر ليتم تسليمه للمستوطنين. لكننا لم نسلم بهذا الادعاء، وبقينا لنحو عام ونصف العام لا نصدق هذه المزاعم، حتى بدأت تصلنا مذكرات ورسائل بأن العقار قد بيع من قبل أبناء جدتي، المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، بموجب وكالات بيع أعطتها لهم، وقد قاموا ببيعه لاثنين من كبار السماسرة المحليين، هما (خ.س) و(ي.ع). وهنا كانت البدايات لمعركة طويلة معقدة استمرت نحو ربع قرن، معركة مع القضاء، وجهود بذلناها قاصدين دعم السلطة الفلسطينية لنا. وفي تلك الجهود، كان الخذلان من السلطة الفلسطينية برموزها المختلفة كبيراً جداً".

وتضيف سميرة صيام "توجهنا إلى السلطة. وبداية توجهنا إلى الأمن الوقائي في أريحا، حيث كان اللواء جبريل رجوب رئيساً لهذا الجهاز، وتحدثنا معه في موضوع العقار، لكن ما لمسناه هناك في الحديث مع رجوب، كان مخيّباً للآمال. وكما يقول المثل الشعبي: أذن من طين وأذن من عجين". وتتابع "بعد ذلك توجهنا إلى الراحل فيصل الحسيني، وكان مسؤولاً عن بيت الشرق في القدس، وعرضنا عليه العقار، وقلنا له خذه كسلطة، ونحن مستعدون لتسليمه إليكم، عندها قال لنا: هل تريدون التوجه إلى القضاء بشأنه؟ قلنا له نعم. قال إذن حين تكسبون القضية سنأخذه نحن. أيضاً توجهنا إلى زياد أبو زياد، وكان في حينه وزير دولة لشؤون القدس، إلا أنه قال لنا: لماذا جئتم عندي؟ قلنا له لأنك من السلطة. وكان جوابه: لا يا عمي اذهبوا للسلطة. لست من السلطة".

خذلان آخر، عانت منه العائلة، حين توجهت إلى محافظ القدس في حينه المحامي جميل ناصر، عندما حاولت استعادة العقار من المستأجر فيه لحمايته من التسريب والبيع، إلا أن المستأجر رفض المغادرة وهدد بتسليمه للمستوطنين ما لم يحصل على أموال من العائلة كخلو، إذ تتيح القوانين المعمول بها حرية التصرف للمستأجر بالعقار باعتباره شريكاً في العقار المستأجر، فيما اشترط المستأجر على العائلة دفع خلو مقابل ترك وإخلاء العقار، إلا أن العائلة رفضت. فتوجه المستأجر إلى محافظ القدس، وقدم هناك شكوى ضد العائلة مطالباً بالحصول على خلو. وكان له قريب في المحافظة يدعى (أ.ع) رفض طلب العائلة بأن يخلي قريبه العقار، وألزم العائلة بدفع خلو له بموافقة المحافظ، وفق ما توضح سميرة صيام لـ"العربي الجديد".



بداية التقاضي

بعد هذا الخذلان داخلياً الذي عانته عائلة صيام، لجأت إلى محاكم الاحتلال. علماً أن البيت مقسم بين الورثة إلى ثماني حصص. وعن تلك المرحلة من التقاضي تروي سميرة "بداية طعنت والدتي بوكالة التبصيم لجدتي وهي ميتة، واستغرق ذلك فترة من الزمن امتدت إلى ثلاث سنوات، ابتداء من 1993 وحتى 1996. لقد فعلوا ذلك بينما كانت جدتي على المغتسل وبحضور عدد من النساء، حيث حضر ثلاثة أشخاص ــ لن أذكر أسماءهم ــ وقاموا بتبصيم الجدة على ست أوراق بياض لم تلبث أن اختفت، بينما شهد التوقيع المختار (ت. ع)، ووقع المختار في حينه على التبصيم، معترفاً أنه فعل ذلك بناء على طلب الورثة المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية بزعم الحرص على حفظ حقوق الورثة. لكن في إحدى جلسات المحاكمة قال المحامي الإسرائيلي إبراهام ميثلون، الذي وقع على عملية البيع، بأن الأوراق التي أحضرت إليه وعليها بصمة الجدة المتوفاة سلمها إياه المدعو (م. د. خ)، حيث أحضر معه سيدة ربما تكون زوجته وهي من عائلة مقدسية معروفة. إلا أن قاضي المحكمة أبطل الوكالة في حينه، وعاد العقار لنا واحتفلت العائلة باسترداده، في حين أن حصص الورثة كانت موزعة على ثمانية أفراد، وهم ثلاثة مقيمون في أميركا، وواحدة في حي الثوري، وأخرى في السعودية، وثالثة في الأردن، إضافة إلى حصة والدتي منيرة وخالتي فاطمة". وتوضح "هذا النجاح الذي حققناه بإبطال الصفقة لم يعمر طويلاً، إذ لم يعد الأمر متعلقاً بوكالة. وهنا عاد المستوطنون ليتحدثوا عن شرائهم حصصاً من البيت، كانت ثلاث حصص تتعلق بالورثة المقيمين في أميركا، وحصتان نُقلتا إليهم من قبل حارس أملاك الغائبين، ثم حصة خالتي المقيمة في الأردن، ليصبح تحت تصرفهم ست حصص، وبقيت حصتا والدتي منيرة، وحصة خالتي فاطمة والدة المختار (ل.ع)، وكان أحد الشهود في إحدى جلسات المحكمة التي دعي إليها شخص آخر يدعى (م.ح.ص)، واعترف بأن العقار قد بيع للمستوطنين، زاعماً أن من حق اليهود الدخول إليه".

قضاء متواطئ

وتعلق سميرة صيام على التقاضي لدى محاكم الاحتلال، فتصفه بأنه متاهة كبيرة، عادة ما تنتهي إلى تمليك المستوطنين لأراضي المقدسيين وعقاراتهم، وعادة ما يكون القاضي هو الموجّه للمستوطنين في ادعاء ملكية العقارات. وتقول "في جلسات المحاكم، يحدث أن يُبرز المستوطنون مستندات ضعيفة لا تجد سنداً قانونياً لها يمكنهم من استملاكها. عندها يوجه القاضي هؤلاء إلى طبيعة المستندات التي يمكن الحصول عليها، ومن أية دائرة حتى تدعم ادعاءاته ويكون ذلك سبباً في إصدار القاضي قراره بتمليكهم العقارات. هذا حدث معنا في كثير من الجلسات، رغم اعتراض المحامي الخاص بنا على تدخل القاضي. لكن إذا كان غريمك القاضي لمن تشتكي".

أما بالنسبة لتبصيم جدتها على بيع لم تقم به، فهي قضية بحد ذاتها، فمحامي العائلة أفيغدور فيلدمان، الذي نجح في إبطال الوكالة اكتفى بما حققه على هذا الصعيد وانسحب. والأمر كذلك بالنسبة للمحامية سميدار ناتان، من مكتب فيلدمان، التي تابعت القضية على مدى خمسة شهور، ثم ما لبثت أن انسحبت بشكل مفاجئ ورفضت الاستمرار في متابعة القضية، حين قالت لعائلة صيام "موضوعكم بالنسبة لي يشكل خطراً، وكِّلوا أحداً غيري". وقالت سميرة "حتى الآن، لم تأخذ المحكمة موضوع التبصيم بشكل جدي، ولو كان التبصيم من قبلنا، فلكم أن تتصوروا رد فعل القاضي وما يمكن أن يقرره؟".

في المحصلة، لا تثق سميرة بقضاء الاحتلال، رغم أن عائلتها خاضت نحو ربع قرن في أروقته. والأهم بالنسبة لسميرة أنها لن تتنازل عن حقها وحق عائلتها في العقار، طال الزمان أم قصر. وبالرغم من قرار المحكمة الأخير بنقل ملكية عقار العائلة للمستوطنين، الذين استولوا عليه الأربعاء الماضي، إلا أنها ستظل تبحث عن ثغرات حتى ولو بين أكوام النفايات. وتقول "أنا مش رح (لن) أتنازل أبداً رغم كل هذا الخذلان. السلطة خذلتنا. ممكن في ناس كثير في السلطة منيحين (جيدين)، لكن الذين ذكرتهم، بعد ما توجهت لهم، خذلونا. ربنا قال هذه الأرض أرضنا، ورح تتحرر وترجع لنا. وهذا العقار قطعة صغيرة من أرض فلسطين. وفلسطين رح ترجع. وللمرة المليون أقولها نحنا مش رح نتنازل. لهيك أنا أقول لازم القصة تتكمل".

دعوة للتوجه إلى المحاكم الدولية

بالنسبة للمحامي والمستشار المقدسي مدحت ديبة، فقد علّق على التوجه لقضاء الاحتلال بقوله "أنا أرى أنه إن لم يكن هناك تزوير واضح في أوراق الملكية، أو عدم بيع بالمطلق من قبل الورثة، فلا ضير من التوجه للقضاء المحلي، لأن الموضوع وقائع وإثباتات فلا خوف من القرار. ولكن في المجمل، إذا كان هناك ادعاء بيع بعض الحصص فلا ينصح بالتوجه للقضاء المحلي لأنه في أسوأ الاحتمالات سيكون هناك تنافس حول الملكية بين أصحاب الحصص، وفي النهاية سوف يتم اعتماد من يدفع السعر الأعلى". ويضيف ديبة "لذلك أنصح عدم التعاطي مع المحاكم الإسرائيلية بسبب عدم سريان القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة الخاصة بجرائم الحرب، خصوصاً وأنه يُمنع على الاحتلال ترحيل المحتل من منطقة سكنه. ما يجري في سلوان هو نوع من أنواع الترانسفير الهادئ وترحيل يخالف القانون والقواعد الدولية، ومن الضروري أن نتوجه إلى القضاء الدولي في هذا المجال على غرار موضوع جدار الفصل العنصري وقرار محكمة لاهاي عام 2004 على الرغم من بقائه استشارياً، لأننا نعلم سلفاً أن القضاء الإسرائيلي ليس عادلاً وليس منصفاً".



ذات صلة

الصورة

سياسة

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إفادات وصفها بالصادمة عن سلسلة جرائم مروعة وفظائع ارتكبها جيش الاحتلال خلال عمليته المستمرة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
الصورة
إطلاق نار (إكس)

سياسة

شددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، إجراءاتها العسكرية في بلدات عدّة غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، بعد عملية إطلاق نار قرب طريق استيطاني.
الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة
طفل مصاب بالسرطان ووالدته من غزة في مستشفى المطلع في القدس في 17 أكتوبر 2023 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

مجتمع

قرّرت المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي إعادة 20 مريضاً فلسطينياً مصاباً بالسرطان، من بينهم أطفال، إلى قطاع غزة المحاصر رغم تهديد حياتهم بالخطر.