ضحايا "داعش" في الجنوب العراقي: مزايدة سياسية وإهمال لذويهم

ضحايا "داعش" في الجنوب العراقي: مزايدة سياسية وإهمال لذويهم

15 يوليو 2019
لاتزال الحكومة تتجنب الإعلان عن عدد الضحايا الكلي(العربي الجديد)
+ الخط -
لا تُعلن الحكومة العراقية والجهات المسؤولة عن عدد قتلى وجرحى الحرب على تنظيم "داعش" من القوات العسكرية التي تشمل الجيش والشرطة وفصائل "الحشد الشعبي" الذين قاتلوا التنظيم في السنوات الأربع الماضية. لكن تشير الأرقام التقديرية وما يسربه مسؤولون وعسكريون، إلى أنّ عددهم يبلغ عشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود. وتتصدر فصائل "الحشد الشعبي" القائمة بين باقي التشكيلات العراقية التي خاضت المعارك، ويعزو مراقبون ذلك إلى سرعة تجميعهم، في وقت كان معظمهم بلا تدريب على السلاح أو معارك الشوارع التي خاضوها في مناطق غرب وشمال البلاد، إضافة إلى انهيار أغلب وحدات الجيش العراقي في الأسابيع الأولى لاجتياح "داعش" شمال وغرب العراق. كذلك، فإنّ أغلب الضحايا هم من مدن وسط العراق وجنوبه، حيث تسجّل نسب مرتفعة من الفقر وسوء الخدمات والبطالة، مقارنة مع بقية المدن المستقرة أمنياً في العراق.

وعلى الرغم من انتهاء الحرب على "داعش" قبل عامين بتحرير مدينة الموصل، آخر معقل للتنظيم، إلا أنّ تأكيدات من مسؤولين عراقيين وأعضاء في البرلمان، تشير إلى أنّ آلية تعويض ذوي القتلى من القوات المسلحة لا تزال بمثابة مشكلة بالنسبة للأهالي المفجوعين، بسبب البيروقراطية الحكومية، ومزاجية "مؤسسة الشهداء" المسؤولة عن دفع رواتب لذوي قتلى الحرب.

وسط ذلك كله، لا تزال الحكومة تتجنب إلى الآن الإعلان عن عدد الضحايا الكلي والجهات التي يتبعون لها، وهو ما جعل ذلك باباً للمزايدة السياسية بين الكتل والأحزاب والفصائل في كونها قدمت تضحيات أكثر من غيرها. وقد كانت الانتخابات الماضية مسرحاً واضحاً لمثل هذه المزايدات، في وقت تعاني عائلات القتلى من الإهمال، كما في البصرة وكربلاء وذي قار، أعلى مدن الجنوب العراقي، التي قدمت خسائر بشرية في معارك تحرير البلاد من تنظيم "داعش". وتستغلّ الأحزاب العراقية ملف "الشهداء" للترويج لنفسها والتفاخر بعدد قتلاها، وهو ما يحدث الآن ضمن حراك ترتيب المشهد الانتخابي لمجالس المحافظات التي يوشك العراق على إجرائها في الأشهر الستة المقبلة. كما أنّ غالبية الجماعات المسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، التي تجمَّعت ضمن تحالف "الفتح"، استغلت صور الذين سقطوا بالمعارك ضدّ "داعش" في حملاتها الانتخابية، وهو ما أدرج ملف "الشهداء" ضمن خانة المزايدات السياسية والصراعات الحزبية على حساب التضحيات.

في السياق، قال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من المرجّح أن تتفق الحكومة ومفوضية الانتخابات على إضافة ضابط جديد للحملات والدعايات السياسية، وهو عدم استغلال صور وأسماء ضحايا الحرب على داعش، وعزل هذا الملف عن السياسة بشكل كامل"، موضحاً أنّ "الموضوع أخلاقي بحت، وهناك قوى وكتل سياسية تستغله بين فترة وأخرى بمناسبة أو غير مناسبة، في حين أنّ من ضحّوا للخلاص من داعش لم يخرجوا لأجل حزب أو كتلة سياسية". ولفت إلى أنّ "عدد الضحايا يبلغ عشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود".

من جهته، قال نائب عن تحالف "الإعمار والإصلاح"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أحزاباً عراقية استغلت التضحيات التي قدمها المقاتلون في المعارك ضدّ داعش، لنيل أكبر عدد من الأصوات. وقد تباهت الأحزاب بأنها قدمت الشهداء، مع العلم أنها بعد فوزها لم تسعَ إلى أي قانون يحمي ذوي القتلى ويضمن لهم كرامة العيش". وأوضح النائب نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ "قانون مؤسسة الشهداء العراقية لا يزال غير خاضع للتطبيق بصورة كاملة من قبل الجهات التنفيذية"، معتبراً أنّ "تطبيقه بحذافيره سيسكت الأحزاب، ولن يُبقي لها أي حجة أو دليل للاستغلال".

ولفت إلى أنّ "مؤسسة الشهداء هي الأخرى مُقصّرة بحق قتلى الحرب ضدّ داعش، إذ إنها تتعامل معهم بمزاجية عالية، من حيث تفضيل شهيد على آخر، وتجد أنّ القتلى الذين أعدمهم نظام صدام حسين وقتلوا على يد حزب البعث، لهم الأفضلية والأولوية بالامتيازات والرواتب وقطع الأراضي وغيرها، وتفضلهم بصورة علنية على قتلى الحشد الشعبي والقوات الأمنية الذين قاتلوا داعش".

بدوره، قال عضو تيار "الحكمة" محمد اللكاش، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قانون مؤسسة الشهداء الذي أقرّ في الدورة البرلمانية السابقة، يشمل الأطياف كافة، من شهداء النظام السابق (صدام حسين) وشهداء الحشد الشعبي وشهداء العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية، أما باقي القوات الأمنية من الجيش والشرطة والأمن الوطني، فقد ظلّ بيدهم الخيار بأنّ يكونوا ضمن القانون أو مع قوانينهم النافذة التي تمَّت المصادقة عليها في أوقات متفاوتة، وهي نموذجية وفيها امتيازات جيدة"، على حد تعبيره. لكنّ اللكاش أوضح أنّ "الجهات التنفيذية لا تطبقه بحجة عدم وجود التخصيصات المالية، ناهيك عن الخلل الكبير بإدارة المؤسسة الذي يحتاج إلى معالجات".

وفي الجنوب، وتحديداً محافظة ذي قار، اعتبر عضو المجلس المحلي فيها، حسن الوائلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "ذوي شهداء الحشد الشعبي هم الأكثر مظلومية بين باقي فئات قتلى الحرب ضدّ داعش، لأنّ قسماً منهم استلم الرواتب التقاعدية الخاصة بهم، وهناك قسم آخر ما زال يواجه الإجراءات الروتينية من أجل الحصول على المستحقات"، موضحاً أنّ "هناك من استلم قطع أراض، ولكنها غير مميزة، لأنها تقع في مناطق نائية غير مخدومة". وأشار الوائلي إلى أنّ "ذي قار أعطت الكثير من الشهداء، ولا بدّ من تعويض ذويهم، من خلال منحهم مستحقاتهم عبر توفير الرواتب التي تؤسس لهم حياة كريمة، ومساكن من خلال استحداث أحياء جديدة، وبناء مجمعات سكنية لهم، بدلاً من الحياة الصعبة التي يعيشونها، بعدما فقدوا أبناءهم الذين كانوا يمثلون المعيل الوحيد لهم على الأغلب".