هل يغري عرض التطبيع الأميركي إيران أم ينفرها؟

هل يغري عرض التطبيع الأميركي إيران أم ينفرها؟

13 يوليو 2019
ما يجري حوار غير مباشر بين إدارة ترامب وإيران(Getty)
+ الخط -


العرض الأميركي الذي قدّمته السفيرة جاكي ولكوت خلال اجتماع مجلس المحافظين لوكالة الطاقة الذرية في فيينا، يوم الأربعاء الماضي، لطهران، بإعلان انفتاح واشنطن على تفاوض بلا شروط مسبقة وطرح إمكانية التطبيع الكامل للعلاقات مع طهران، غير مسبوق في تاريخ العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران خلال العقود الأربعة الأخيرة. هذا العرض وقع تحت أثقال الضجيج الإعلامي والتهديدات المتبادلة بين الطرفين، لكن في المضمون هناك إجماع في واشنطن وطهران على تفادي المواجهة المباشرة، من دون أن يكون هناك اتفاق بعد على شروط التفاوض.

ما يجري الآن بين إدارة دونالد ترامب والنظام الإيراني، هو نوع من الحوار غير المباشر عبر الإعلام ووسطاء، كما حصل عندما غرّد الرئيس دونالد ترامب عن برنامج إيراني سري لتخصيب اليورانيوم، فردّت عليه طهران من فيينا "ليس لدينا ما نخفيه". كما انخفض منسوب التوتر بشكل ملحوظ منذ إسقاط الطائرة من دون طيار الأميركية فوق مضيق هرمز في 20 يونيو/ حزيران الماضي. طهران توقفت عن التوتير العسكري المتزايد للضغط باتجاه رفع العقوبات الأميركية، كما تراجعت خطوة من رفض مطلق للحوار مع واشنطن إلى قبول الحوار المشروط برفع هذه العقوبات، وتراجعت عن تهديد الانسحاب من الاتفاق النووي. إدارة ترامب خففت من لهجة إرسال جنود وحاملات طائرات وتجاهلت لائحة المطالب الطويلة التي كانت تتحدث عن فرضها على إيران كخريطة طريق لأي حوار، وحتى أنها تراجعت عن فكرة فرض عقوبات على المحاور الإيراني في أي تفاوض، وزير الخارجية محمد جواد ظريف. نظرياً على الأقل، يبدو الحاجز الأخير لإطلاق هذا الحوار هو معضلة ترك العقوبات أو رفعها.

لكن عرض ترامب بالتطبيع الكامل يُنفر المحافظين في واشنطن وطهران أكثر مما يغريهم. السيناريو الأسوأ لمستشار الأمن القومي جون بولتون أن يحصل اختراق مفاجئ بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، كما حصل بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من دون المرور بمستشاري الرئيس، وهذا السيناريو كان ممكناً خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي. والأمر مشابه بالنسبة للمحافظين في طهران، لأن مجرد التلويح بفكرة التطبيع، حتى لو كانت غير محتملة، يُضعف قبضتهم على النظام الإيراني الذي يقوم على محاربة أعداء الخارج. النظام الإيراني رفض أي حوار مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أبعد من الاتفاق النووي حتى لو كان بينهما في ذلك الوقت تنسيق ضمني في محاربة "داعش" في سورية والعراق. الآن، يضطر هذا النظام نفسه لتوسيع التفاوض مع إدارة ترامب تحت ضغط العقوبات الاقتصادية.

ما يجري حالياً هو عودة لمحاولات ليّ الذراع دبلوماسياً واقتصادياً. إدارة ترامب تلوّح بالمزيد من العقوبات الموجعة في محاولة لتغيير حسابات النظام الإيراني للقبول بتفاوض بلا شروط، فيما طهران تقوم بما وصفته جاكي ولكوت بأنه "ابتزاز نووي"، أي تقليص التزاماتها النووية ورفع معدلات تخصيب اليورانيوم كل 60 يوماً حتى رفع العقوبات. السؤال المطروح أمام ترامب إذا كانت الحرب مع طهران غير مفيدة له قبل الانتخابات الرئاسية لأنها قد تؤدي إلى اضطرابات في أسواق النفط والاقتصاد الأميركي، هل الحوار مع النظام الإيراني يساعده في هذه الحملة الرئاسية وهل يمكنه التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام يكون ورقة يقول فيها لناخبيه إنه أفضل من الاتفاق الذي وقّعه أوباما؟


أما السؤال أمام المرشد الإيراني علي خامنئي، فهو هل يتحمّل النظام الإيراني عقوبات حتى عام 2021، لا سيما أنه ليست هناك ضمانات أن ترامب لن يعود إلى ولاية ثانية؟ وهل التوصل إلى اتفاق مع إدارة ترامب قد يكون أسوأ بالنسبة لطهران من الاتفاق مع أوباما، لا سيما إذا ما فاز مرشح ديمقراطي قد يعيد واشنطن إلى هذا الاتفاق الحالي؟

خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة بين مرشحي الرئاسة في الحزب الديمقراطي، كان نائب الرئيس السابق جو بايدن الأكثر تمسكاً بهذا الاتفاق، لأنه في صلب إرث إدارة أوباما، أما بالنسبة لباقي المرشحين كانت هناك تلميحات بأن هناك شوائب في هذه الاتفاق. وبالتالي هناك احتمال ألا يفوز بايدن في الانتخابات التمهيدية وأن يأتي مرشح آخر أو مرشحة أخرى من الحزب الديمقراطي بحسابات مختلفة عن الاتفاق النووي وتكون خسارة ترامب في الانتخابات العامة.

الخيارات محدودة بين واشنطن وطهران في المرحلة المقبلة. ساحات المواجهة والرسائل المتبادلة بينهما تبقى في الخليج والمشرق وأوروبا. حكومات الخليج لا تريد المواجهة كي لا تكون أهدافاً محتملة، وحكومات المشرق لا حول لها ولا قوة، والحكومات الأوروبية تتعرض لضغوط من الطرفين وتفضّل البقاء على الحياد. ترامب حاول في قمة مجموعة العشرين في اليابان نهاية الشهر الماضي نزع فتيل التوتر في الحرب التجارية مع الصين لاحتواء التداعيات على الاقتصاد الأميركي. لكن إدارة ترامب تلمّح إلى احتمال فرض عقوبات أميركية على بكين نتيجة استيرادها أكثر من مليون برميل نفط من إيران الشهر الماضي، لكن هناك نقاشاً غير محسوم بعد داخل الإدارة حول مستوى هذه العقوبات وطبيعتها.

تعيش كل من واشنطن وطهران عزلة متزايدة نتيجة سياساتهما حول الاتفاق النووي، لكن بعد الرقص على حافة الحرب يستدركان مرة أخرى حاجتهما لحلفاء في هذه المعركة الدبلوماسية. تأجيل هذا الحوار المحتوم يستنزف حلفاء الطرفين ويستهلك قدرتهما على المناورة الدبلوماسية. وعرض التطبيع الأميركي يعقّد مسار هذا الحوار أكثر مما يسهل إطلاقه.

المساهمون