سورية: هل تعرقل التفاصيل تقدم "اللجنة الدستورية"؟

سورية: هل تعرقل التفاصيل تقدم "اللجنة الدستورية"؟

12 يوليو 2019
بيدرسن: الاتفاق على تشكيل اللجنة بات قريباً(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

تتسارع خطى الأمم المتحدة من أجل ردم الهوّة بين النظام والمعارضة في سورية بشكل كامل، لجهة تشكيل لجنة مكلّفة بوضع دستور جديد للبلاد، يأمل المجتمع الدولي أن تكون بوابة حلّ سياسي شامل للقضية السورية، يقوم على قرارات دولية ذات صلة صدرت خلال سنوات الصراع الممتدة منذ بدايات عام 2011. وحقّق المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، ما يُعتقد أنه "انفراجة" في هذا الملف الذي عرقله النظام على مدى عام ونصف العام، إذ أكّد الأخير أنه جرى توافق تام مع المبعوث الأممي الذي زار دمشق أخيراً، في ما يخصّ آليات عمل اللجنة العتيدة. من جهتها، أكدت المعارضة أنّ موافقتها "ليست تحصيلَ حاصلٍ"، مرجحةً أن يلجأ النظام إلى أساليبه المعروفة بإغراق أي جهد سياسي بالتفاصيل، لإدراكه أنّ أيّ حلّ سياسي يمكن أن يؤدي إلى تحييده عن مستقبل سورية.

وتحدثت وسائل إعلام تابعة للنظام، عن أنّ الأخير "فرض رؤيته تجاه آلية عمل لجنة مناقشة الدستور، والأسماء المرشحة لتمثيل مختلف الشرائح السورية فيها". وأشارت صحيفة "الوطن" في عددها الصادر أمس الخميس، إلى "تحقيق تقدّم كبير على طريق إنجاز ملف اللجنة الدستورية"، لافتةً إلى أنّ وزارة الخارجية في حكومة النظام قدمت للمبعوث الأممي ملاحظات عدة الأربعاء، تمحورت حول آلية التصويت داخل اللجنة، والأسماء التي كانت موضع خلاف طيلة الأشهر الماضية.

ولا يزال النظام يصرّ على أنّ مهمة اللجنة "مناقشة" الدستور الذي وضعه في عام 2012، في حين تطالب المعارضة بنسف هذا الدستور، ووضع آخر جديد لا يعطي منصب الرئيس صلاحيات مطلقة، ويؤسس لنظام برلماني أو "مختلط" للقضاء على الديكتاتورية في البلاد.

ونقلت "الوطن" عن مصادر في النظام قولها إنّ الأخير "يفضّل أن يكون هناك توافق تام بالآراء في ما يخصّ آلية التصويت، لكن في حال وقع خلاف، فقد جرى الاتفاق على أن تكون نسبة الأصوات المرجحة ما لا يقل عن 75 في المائة من أصوات المجتمعين".

وكانت الأمم المتحدة توافقت سابقاً مع النظام والمعارضة على أن تكون رئاسة اللجنة "مشتركة"، وهو ما أكدته "الوطن" التي أشارت إلى أنه "تم الاتفاق على اسمَي رئيسي اللجنة من دون الإفصاح عنهما من الطرفين في الوقت الحالي". وأشارت إلى أنّ "بيدرسن سيحمل معه كل ما تمّ الاتفاق عليه في دمشق، إلى إسطنبول (التي يلتقي فيها اليوم الجمعة هيئة التفاوض عن المعارضة السورية)، على أن يعلن التفاصيل خلال الأيام القليلة المقبلة".

وفي تصريح للصحافيين، وصف بيدرسن مباحثاته مع وزير خارجية النظام وليد المعلم الأربعاء، بأنّها كانت "جيدة جداً"، مشيراً إلى أنّ الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية بات قريباً. وأضاف: "أعتقد أننا سنحقق تقدماً قريباً، وأعتقد أننا قريبون جداً من التوصّل إلى اتفاق بشأن تشكيل لجنة الدستور".

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ المبعوث الدولي غير بيدرسن "سيلتقي الجمعة وفداً من الهيئة في مدينة إسطنبول التركية، وسنسمع منه نتائج زيارته إلى دمشق". وحول ما يروّج له النظام عن فرض رؤيته في اللجنة الدستورية، قال العريضي: "ليقل النظام ما يقوله، هو تهمّه السلطة ونحن تهمّنا سورية راهناً ومستقبلاً".

وأكد المتحدث نفسه أنّه تمّ الاتفاق سابقاً مع الأمم المتحدة على أن تكون نسبة الأصوات المرجحة في اللجنة بما لا يقل عن 73 في المائة من أصوات المجتمعين، مؤكداً أنّ "هذه النسبة ليست لصالح طرف معين، وإنما لصالح سورية". ولفت العريضي إلى أنه ليست هناك حتى اللحظة مواعيد زمنية تحكم عمل اللجنة، سواء لجهة موعد الانعقاد، أو الانتهاء من عملها، مضيفاً: "نحن أسرى القرار الدولي 2254، ولسنا أسرى اللجنة الدستورية، وقضية سورية لا تكمن في الدستور وحده. لن تتم الموافقة على نقطة معينة ما لم يتم الاتفاق على جميع النقاط الواردة في القرار الدولي المذكور".

وقال العريضي إنّ "هيئة التفاوض" ستستوضح من المبعوث الأممي ما حققه على صعيد إيقاف إطلاق النار في شمال غربي سورية، من قبل قوات النظام وحليفتها روسيا، مضيفاً: "لا يمكن للجانب الروسي أن يمارس البلطجة في الوقت الذي يزعم أنه متمسّك بالعملية السياسية". وأشار إلى أنّ بيدرسن "كلّف أحد مساعديه بمتابعة قضية المعتقلين في سجون النظام"، مؤكداً أنّ موافقة المعارضة السورية على اللجنة الدستورية "ليست تحصيلَ حاصلٍ. موافقتنا مهمة أكثر من موافقة النظام".

ويُفترض أن تتألّف اللجنة الدستورية من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثلها "الهيئة العليا للتفاوض" التي تضم أغلب تيارات المعارضة السورية، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير يختاره بيدرسن من المجتمع المدني السوري في الشارع المعارض والموالي، على أن يتم اختيار 15 عضواً من المجموعات الثلاث، لصياغة دستور دائم للبلاد.

وتعدّ المسألة الدستورية من سلال التفاوض التي أقرّتها الأمم المتحدة، بناءً على موافقة النظام والمعارضة في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف في مارس/ آذار عام 2017. وقد جاءت في المرتبة الثانية بعد سلّة "القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع"، وهو ما تعتبره المعارضة تعبيراً عن الانتقال السياسي الذي أقرّه القرار الأممي 2254، وصدر عن مجلس الأمن يوم 18 ديسمبر/كانون الأول عام 2015 بالإجماع، ونصّ على بدء محادثات السلام في سورية.

وموافقة نظام الأسد على تسهيل مهام الأمم المتحدة في تشكيل اللجنة الدستورية لا تعني تسهيل عمل الأخيرة، إذ من المتوقّع أن يكرر النظام سياسة إغراق أي عمل سياسي بالتفاصيل لتمييعه، ومن ثم تجاوزه. وقد تعامل منذ أواخر عام 2011 مع كل المبادرات العربية والإقليمية والأممية على هذا الأساس.

وفي السياق، رأى عضو "هيئة التفاوض"، إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ التوافق بين المبعوث الأممي والنظام "لا يتعدى التوافق على الأسماء الستة"، معتبراً أنّ "القواعد الإجرائية وآليات عمل اللجنة أهم من الأسماء". وتوقّع الجباوي ألا "يتم التوافق على هذه القواعد لعلم النظام بأنّ الالتزام بها، وفق رؤية الأمم المتحدة، يعني لفّ الحبل حول عنقه، وهذا ما يجعله يسوّف ويماطل بموضوع اللجنة منذ سنة ونصف السنة".

وتابع أنه "إذا ما تمّ إرغام النظام على القبول بما حملته جعبة بيدرسن إلى دمشق، فإنه وكما عهدناه سيعمل على المراوغة والمماطلة وابتداع الحجج والاعتراضات الشكلية، من أجل كسب الوقت، أملاً منه في التوصّل لما يهدف إليه من حسم عسكري بمساندة الإرهاب الروسي والمليشيات الإيرانية، وهذا لن يكون له".

وجاءت "المرونة السياسية" التي أبداها النظام نتيجة ضغط روسي، بعدما خشيت موسكو من تخلّ غربي عن مبدأ اللجنة الدستورية الذي يعتبر نتاج مؤتمر "سوتشي" أو ما سمي "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، الذي انعقد مطلع عام 2018 بمدينة سوتشي الروسية، بحضور وفد موسّع مثّل النظام والموالين له، وبعض الشخصيات من المعارضة.

وماطل النظام منذ ذاك التاريخ بمسألة تشكيل اللجنة، إذ جعل من ستة أسماء في قائمة المجتمع الدولي قضية معرقلة لإتمام ذلك. وتحدثت وسائل إعلام موالية له منذ أيام، عن طرح روسي يقضي بأن يقدّم النظام أسماء أربعة مرشحين من المجتمع المدني، وأن تقدم الأمم المتحدة اسمين، في مسعى لتسوية الخلاف بهذا الشأن. لكن المتحدث باسم "هيئة التفاوض"، يحيى العريضي، قال لـ"العربي الجديد"، أمس، إنّ "القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية تمت مناقشتها، ومتفق عليها، ومسألة الخلاف حول الأسماء الـ6 فعلياً متفق عليها، بأن تختار الأمم المتحدة 4 أسماء والنظام اسمين".

ووفق مصادر متقاطعة، فإن بيدرسن وافق على حذف كل الأسماء محلّ الخلاف من قائمة المجتمع المدني، من أجل دفع النظام إلى الموافقة على الانخراط في الجهد الدستوري، والذي من المتوقع أن يبدأ في سبتمبر/أيلول المقبل، في حال حُلّت كل الملفات الخلافية بين المعارضة والنظام.

المساهمون