تسجيل سري يكشف كيف تدعم روسيا "ترامب أوروبا"؟

تسجيل سري يكشف كيف تدعم روسيا "ترامب أوروبا"؟

11 يوليو 2019
نائب رئيس الوزراء الإيطالي سالفيني (أندريس سولارو/فرانس برس)
+ الخط -
كشف موقع "بازفيد نيوز" الأميركي عن عقد اجتماعٍ في الـ 18 من أكتوبر الماضي ضم مقربين من أقوى زعماء اليمين المتطرف في أوروبا -نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني- مع مسؤولين روس بهدف التفاوض على شروط صفقة تقدم بموجبها روسيا عشرات الملايين من الدولارات، من عائدات النفط، لحزب رابطة الشمال الذي يتزعمه سالفيني.

وحسب الموقع، فإن التسجيل يميط اللثام عن اجتماع ضم ست شخصيات في فندق متروبول الفخم في موسكو- ثلاث روس وثلاث إيطاليين، من ضمنهم جيانلوكا سافيوني، أحد المقربين من سالفيني، مشيراً إلى أن الغرض الشكلي للاجتماع تمثل في إبرام صفقة شراء نفط، لكن الهدف الحقيقي تمحور حول تقويض الديمقراطيات الليبرالية وتشكيل أوروبا القومية الجديدة المتحالفة مع موسكو.

ويظهر التسجيل الصوتي الذي حصل عليه موقع بازفيد نيوز أن الجانبين كانا حريصين على إخفاء المستفيد الحقيقي من الصفقة، حزب رابطة الشمال، إذ يعد ذلك انتهاكاً للقانون الانتخابي الإيطالي، الذي يحظر على الأحزاب السياسية قبول التبرعات الأجنبية الكبيرة- على الرغم أن سالفيني وزعماء اليمين المتطرف في أوروبا يعبرون علناً عن تعاطفهم السياسي المؤيد للكرملين، حسب تعبير بازفيد نيوز. 

وحسب التسجيل الذي نشره بازفيد في موقعه، قال سافويني، الذي تناول العشاء إلى جانب فلاديمير بوتين في مأدبة عشاء رسمية احتفاء بزيارة الرئيس الروسي إلى روما الأسبوع الماضي: "نريد تغيير أوروبا، يجب أن تكون أوروبا الجديدة وثيقة الصلة بروسيا كما كانت من قبل، لأننا نريد امتلاك سيادتنا".  

وذكر الموقع –في تقرير مرفق بالتسجيلات السرية لاجتماع فندق متروبول- أن سالفيني الذي تم وصفه من قبل الروس في التسجيلات بـ "ترامب أوروبا"- لم يحضر الاجتماع بنفسه، بل كان في موسكو حينها. وقبل الاجتماع بيوم، ألقى سالفيني خطاباً دان فيه العقوبات على روسيا ووصفها بـ "حماقة اقتصادية واجتماعية وثقافية"، والتقى حينها نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري كوزاك، وأحد الأعضاء الأقوياء في حزب روسيا الموحدة، فلاديمير بليغين.

وعلى الرغم أن موقع بازفيد نيوز لم يتمكن من التعرف على الروس الذي حضروا الاجتماع، فإن التسجيل يتضمن إشارات واضحة بأن مسؤولين حكوميين كباراً في موسكو كانوا على دراية بالمفاوضات- بما في ذلك أولئك الذين التقاهم سالفيني قبل يوم من الاجتماع. ويمكن سماع المفاوضين الروس يشيرون في التسجيل إلى "اجتماع الأمس" من دون تحديد المشاركين، وتحدثوا أكثر من مرة بأنهم سيقدمون تفاصيل لنائب رئيس الوزراء الروسي عن الاجتماع، مشددين على أنهم يأملون الحصول على "ضوء أخضر من السيد بليغين".

وعلى الرغم من نفي زعيم حزب رابطة الشمال حصوله على أي مساعدات خارجية لتمويل حزبه، إلا أن التسجيل يتضمن أدلة قوية على محاولات سرية روسية لتمويل حركات قومية أوروبية والتآمر الواضح لبعض الشخصيات الكبيرة من أقصى اليمين الأوروبي في تلك المحاولات.

ومن غير الواضح ما إذا تم تنفيذ الاتفاقية التي تم التفاوض عليها في فندق متروبول أو حصول حزب رابطة الشمال على التمويل، فإن وجود التسجيل والمفاوضات التفصيلية يثيران تساؤلات مهمة بشأن انتهاك القوانين الإيطالية، والعلاقات بين موسكو وحزب سالفيني، ونزاهة انتخابات البرلمان الأوروبي التي عُقدت في مايو المنصرم.

وذكر التقرير أن الحديث في أوروبا حول وجود هدف سياسي خفي وراء عقد صفقات تجارية روسية مع قادة أقصى اليمين الأوروبي مثار جدل منذ أعوام، مشيراً إلى أن زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية مارين لوبان حصلت على 11 مليون يورو كقروض من بنوك روسية، أحدها على علاقة بالكرملين، في 2014، بعد عام من تأييدها علناً ضم روسيا لشبه جزيرة القرم- لكنها أصرت حينها على أن الصفقة كانت تجارية وليست سياسية.

وقبل إجراء استفتاء في بريطانيا حول ترك الاتحاد الأوروبي في عام 2016، ناقش أرون بانكس، أكبر داعم مالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صفقات استثمار في الذهب والماس عرضتها السفارة الروسية في لندن ووعدت بأرباح هائلة.

ونفى بانكس، الذي يخضع حالياً لتحقيق الوكالة الوطنية للجريمة في المملكة المتحدة حول "المصدر الحقيقي" لـ 8 ملايين جنيه إسترليني تبرع بها لحملة "إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوربي"، نفى مراراً ارتكاب أي مخالفات.

وأُجبر زعيم حزب الحرية النمساوي هاينز كريستيان شتراخه على الاستقالة في مايو بعد أن تم تصويره سراً وهو يناقش تبادل صفقات حكومية لصالح حملة تأييد لروسيا، وتم نشر الفيديو من قبل وسائل إعلام ألمانية.

وحسب بازفيد نيوز، فإن تسجيل فندق متروبول يظهر علاقة الكرملين مع حزب رابطة الشمال الايطالي القوي، معتبراً ذلك نموذجاً واضحاً لاستغلال الروس للصفقات التجارية للتمويه على صفقات مقايضة المال والسلطة.  

ويقول سافويني في التسجيل "سالفيني هو الرجل الأول الذي يريد أن يغير كل أوروبا، والفوز في الانتخابات الأوروبية التي ستجري في مايو/ أيار المقبل سيكون مجرد بداية".

وبالإشارة إلى "حلفاء" قوميين من جميع أنحاء القارة مثل لوبان الفرنسية، و"حزب البديل من أجل ألمانيا" المتطرف، يصف سافويني البالغ من العمر 55 عامًا ، الذي يمكن سماعه في التسجيل بوضوح، يصف نفسه بأنه "حلقة الوصل" بين الجانبين السياسيين الإيطالي والروسي، مضيفاً "نريد حقًا أن نبدأ في تحالف كبير مع هذه الأحزاب المؤيدة لروسيا".

ويبدو في التسجيل أن الردود الروسية كانت إيجابية، حيث يطري المفاوضون الروس على سالفيني، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الداخلية الإيطالي، ويصفونه بـ "زعيم" الحركات القومية اليمينية الصاعدة في أوروبا، والتي تمتد من إيطاليا في الجنوب إلى السويد وفنلندا في الشمال.

وتخلل مفاوضات متروبول -التي استمرت لمدة ساعة و15 دقيقة طبقاً للتسجيل– الحديث عن بيع إحدى شركات النفط الروسية الكبرى لما لا يقل عن 3 ملايين طن متري من الوقود على مدار عام لشركة النفط الإيطالية "إيني" بحوالي 1.5 مليار دولار. وستتم عملية البيع والشراء من خلال الوسطاء، مع تقديم الشركة أسعاراً مخفضة.

وحسب التقرير، تبلغ مبالغ التخفيض حوالي 65 مليون دولار، استنادًا إلى أسعار الوقود في ذلك الوقت، وهذا المال هو ما سيتم تحويله سراً إلى الطرف الإيطالي عبر الوسطاء.

وبدا المجتمعون الروس والإيطاليون واضحين في حديثهم عن الغرض من الصفقة، وعن آلية الخصم التي تمثل في جوهرها دعماً لحزب رابطة الشمال، لا سيما حملته لانتخابات البرلمان الأوروبي.

وفي زمن الاجتماع، كانت هناك ثغرة في القانون الإيطالي تتيح للأحزاب الحصول على أموال من جهات مانحة أجنبية، لكن أكبر مبلغ مسموح به لم يتجاوز 100000 يورو -جزء يسير من عشرات الملايين التي سيتلقاها حزب رابطة الشمال من تلك الصفقة السرية، حسب التسجيل. وفي يناير من العام الجاري، أنهت التشريعات الجديدة تلك الثغرة القانونية، مما يجعل من غير القانوني للأطراف الإيطالية تلقي أي تمويل أو دعم من أي حكومات أو كيانات خارجية.

ويمكن سماع سافويني في التسجيل يتحدث إلى المفاوضين الإيطاليين الآخرين أنه يشعر بالارتياح حيال الصفقة، كما أكد للروس مرارًا وتكرارًا أن "السرعة أمر في غاية الأهمية إذا أن الانتخابات كانت على قاب قوسين أو أدنى" من الحدوث، مشدداً، ومعه زملاؤه الإيطاليون، على أن تكون أول دفعة في نوفمبر.

كما يمكن سماع سافويني يؤكد لزملائه الإيطاليين أهمية الحفاظ على علاقتهم سراً، مشيراً إلى أنه لا بد أن يكونوا شديدي الحذر، كما شدد جميع الفريق الإيطالي على أنهم "لا يعولون على كسب المال" لأنفسهم من الصفقة، وأوضح أحدهم للروس إنها مجرد قضية سياسية، وأنهم يعولون على تعزيز عمل سياسي يعود بالفائدة والمنفعة لإيطاليا وروسيا.  

وحسب تقرير بازفيد نيوز، رد سافويني على طلب الروس للحصول على "عمولة" إضافية لأنفسهم بأنه لا مانع لديه من اجتزاء عمولتهم. وقال لزملائه الإيطاليين في وقت لاحق "ليأخذوا ما يشاؤون، هذا لا يهم، .. أنهم سيقومون بتلك المهمة باستمرار، وهو أمر جيد بالنسبة لنا".

وأضاف التقرير أنه بعد أن تم تسريب أخبار عن اجتماع فندق متروبول من قبل صحافيين إيطاليين في فبراير الماضي، رفض المتحدث الرسمي لسالفيني الإجابة على أسئلة حول الاجتماع، واصفاً تلك التسريبات بمجرد "أوهام"، في حين أخبر سافويني وكالة سبوتنيك الروسية المدعومة من الكرملين أنه لم يشارك في أي مفاوضات. وفي رسالة إلى "بازفيد نيوز" حينها، وصف سافويني ما يروج له في وسائل الإعلام بـ "مجرد أوهام".

وأوضح "بازفيد نيوز" أنه تواصل مع سافويني يوم الاثنين وعرض عليه  مجموعة من الأسئلة حول اجتماع متروبول، لكنه رد بأنه ليس لدي وقت لتضييعه في هذه الأمور وأن محاميه سوف يعلق "إذا لزم الأمر"، لكن الموقع لم يتلق أي رد من سافويني أو محاميه.

وكان صحافيون إيطاليون قد نشروا أن سالفيني التقى نائب رئيس الوزراء الروسي كوزاك مساء يوم 17 أكتوبر في مكتب بليغين، لكن الاجتماع لم يظهر على جدول أعمال سالفيني ولم يذكر أن لديه أي ارتباطات في ذلك المساء. ورداً على سؤاله عن الاجتماع مع كوزاك، لم ينكر سالفيني في فبراير المنصرم حدوث الاجتماع. وقال في مقابلة تلفزيونية إنه لا يستطيع تذكر ما قام به بالأمس، ومن الصعب تذكر ما فعله في 17 أكتوبر.

ودعا زعيم حزب رابطة الشمال مرارًا وتكرارًا إلى إلغاء عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، ووصف ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا بالمشروع، إضافة إلى أنه زار الجزيرة المحتلة بشكل غير قانوني في عام 2016، كما انتقد الناتو والرد الأوروبي المنسق على هجوم غاز الأعصاب في ساليسبري البريطانية من قبل عملاء المخابرات الروسية في مارس 2018.

وقد تعززت أهمية سالفيني على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية كحليف لبوتين بشكل كبير، لا سيما بعد أن ظهر حزب رابطة الشمال كحزب يميني على مستوى البلاد، وفاز بأكثر من 17٪ من الأصوات في الانتخابات العامة الإيطالية في مارس 2018. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، أصبح سالفيني نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بعد أن انخرط حزبه في ائتلاف حكومي مع حركة الخمس نجوم الشعبية.

ومنذ ذلك الحين، نما الحزب ليصبح القوة السياسية المهيمنة في البلاد، حيث ضاعف أصواته إلى 34.5 في المائة في انتخابات الاتحاد الأوروبي البرلمانية التي جرت في مايو ليصبح الحزب الأكثر شعبية في ثامن أكبر اقتصاد في العالم. وضمنت النتائج مكانة لسالفيني في طليعة الحركات القومية اليمينية المتطرفة في أوروبا.

وتم استعراض الإعجاب المتبادل لبوتين وسالفيني مرة أخرى الأسبوع الماضي خلال زيارة  الرئيس الروسي إلى روما، حيث أشاد بمواقف زعيم حزب رابطة الشمال تجاه روسيا. وبعد مأدبة عشاء على شرف بوتين، وصفه سالفيني بأنه "واحد من الشخصيات التي ستترك بصماتها في التاريخ".

واعتاد سالفيني على زيارة روسيا بشكل دائم وملحوظ خلال الأعوام الماضية، حيث أجرى ثلاث زيارات متتالية بين أكتوبر 2014 وفبراير 2015، وزيارة أخرى في يناير 2017، تلتها أيضاً زيارة بعد شهرين، كما زار روسيا رسمياً مرتين بعد توليه منصبه. وفد رافقه سافويني في تلك الرحلات.

 

دلالات

المساهمون