اعتقال قيادات "الحركة الشعبية" بالسودان: فصل من غدر العسكر

اعتقال قيادات "الحركة الشعبية": فصل من غدر العسكر في السودان

10 يونيو 2019
تلقى عرمان رسائل من المجلس تدعوه لمغادرة البلاد(فرانس برس)
+ الخط -
ينفّذ المجلس العسكري في السودان منذ أيام حملة اعتقالات طاولت بشكل أساسي قادة بارزين في صفوف "الحركة الشعبية – شمال"، من مقار إقامتهم بالعاصمة الخرطوم. واعتقلت سلطات هذا المجلس، نائب رئيس الحركة ياسر عرمان، وأمينها العام إسماعيل خميس جلاب، والمتحدث باسمها مبارك أردول، وذلك بعد أسبوع من وصولهم إلى البلاد، وعقب أيام من واقعة مجزرة فضّ اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو/ حزيران الحالي، والتي راح ضحيتها نحو 120 قتيلاً، فضلاً عن مئات الجرحى، بحسب الأرقام التي تصدرها لجنة أطباء السودان المركزية تباعاً.

وكان عرمان، العضو في قوى إعلان الحرية والتغيير، وصل مع جلاب وأردول إلى الخرطوم ضمن وفد لإبداء "حسن النوايا"، وشاركوا في اجتماعات عدة بين المجلس العسكري وقوى الثورة، قبيل انهيار العملية التفاوضية إثر الفض الدموي للاعتصام أمام القيادة العامة.

وتثير هذه الاعتقالات التي تستهدف قيادات "الحركة الشعبية قطاع الشمال" مخاوف مراقبين سودانيين، وسط تعدد التفسيرات لأسباب إقدام المجلس العسكري على هذه الخطوة، وتحذيرات من تداعياتها.

وفي هذا الإطار، اعتبر المحلّل السياسي، محمد نورين، في حديث هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "خطوة اعتقال ثلاثي الحركة الشعبية، عمل متهور، وله آثار سلبية كبيرة على مسار العملية السلمية في البلاد". وأكّد نورين أنّ الخطوة "تأتي في إطار عملية استهداف واسعة للحركة ورموزها، بدليل تصريحات عرمان في وقتٍ سابق عن تلقيه رسائل من رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) بضرورة مغادرة البلاد". وتابع "يخشى المجلس العسكري من توظيف عرمان لعلاقاته الخارجية في ملاحقة مرتكبي مجزرة القيادة العامة، كما يخشى من أن تقود مبدئيته وقدراته التفاوضية، إلى إقناع قوى الثورة بمواصلة التصعيد". مع العلم أن "العربي الجديد" حصل على معلومات أول من أمس تفيد بأنه يجري التحقيق مع عرمان بمعتقل في ظروف صعبة، وسط حديث عن تعرّضه للتعذيب.

وحذَّر نورين من أن يؤدي التصعيد من قبل المجلس العسكري، بالحركة التي تخوض منذ يونيو/ حزيران 2011 تمرداً مسلحاً في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، إلى التنصّل من اتفاقات وقف إطلاق النار مع الخرطوم، ومعاودة الأعمال العسكرية في مناطق النزاع. وتوقع ردّات فعل عنيفة تشمل أجزاء واسعة من البلاد، في حال قرّر المجلس استخدام الاعتقال كأداة للضغط على الحركة لحملها على تقديم تنازلات في المفاوضات المقبلة.

وكان السفير البريطاني لدى الخرطوم، عرفان صديق، طالب أول من أمس سلطات المجلس العسكري، بالإفراج الفوري عن قيادات "الحركة الشعبية" وباقي قادة المعارضة الذين تعرضوا للاعتقال.
وقال في تغريدة على "تويتر": "غير مقبول أن يظلّ ياسر عرمان ومبارك أردول وخميس جلاب قيد الاعتقال في السودان، بلا خبر عن حالتهم. الاثنان الأخيران اعتقلا بعد يوم من اجتماعهما بنائبي. يجب على المجلس العسكري الانتقالي الإفراج فوراً عنهم وعن قيادات المعارضة الآخرين".

من جهتها، اعتبرت مها التلب، وهي صحافية عملت لسنوات في ملف "الحركة الشعبية"، اعتقال عرمان وجلاب وأردول، بأنه يعكس حالة تباين كبيرة في الرأي داخل المجلس العسكري إزاء التعامل مع الحركة. وقالت في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ عرمان، بحسب ما كان مخططاً له، قد وصل الخرطوم بضمانات من المجلس العسكري لحضور اجتماعاته مع قوى إعلان الحرية والتغيير، ومن ثمّ التوقيع على اتفاق سلام إطاري في دولة الإمارات. ورأت أنّ عملية الاعتقال تنبئ بوجود مكونات داخل المجلس، كانت ترفض الزيارة، ودللت هي الأخرى على ذلك من خلال مطالبة البرهان وحميدتي لعرمان بمغادرة البلاد.

كذلك، كشفت التلب أنّ التباين إزاء الزيارة كان حاضراً داخل "الحركة الشعبية" أيضاً، إذ رفضها بعض قادتها نتيجة عدم إلغاء المجلس العسكري لحكم إعدام غيابي صادر في حقّ عرمان من قبل محاكم الرئيس المخلوع عمر البشير، على خلفية دوره في عملية النزاع الدائر بولاية النيل الأزرق.

وكانت الحركة دانت في بيان لها السبت الماضي، اعتقال رموزها، وقالت على لسان رئيسها مالك عقار: "نحذر المجلس العسكري المدعوم من النظام البائد من المساس بسلامة رفاقنا؛ ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية ومسؤول العلاقات الخارجية لنداء السودان وعضو إعلان الحرية والتغيير، وإسماعيل خميس جلاب الأمين العام للحركة الشعبية، ومبارك أردول عضو المجلس القيادي والناطق الرسمي باسم الحركة". وتابع البيان "وفدنا لحسن النوايا، لكن ثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ لا اعتبار للنوايا الحسنة مع المجلس العسكري وفلول النظام البائد".

من جهته، رفض الصحافي المتخصص في شؤون "الحركة الشعبية"، أبو عبيدة عوض، سيناريو استهداف قيادات الحركة من قبل المجلس. وقال في حديث لـ "العربي الجديد"، إنه يعتقد أنّ اعتقال عرمان ورفاقه هو من النوع "التحفظي"، وذلك لـ"ضمان سلامة الثلاثي من أي هجمات بحقهم سواء من فلول النظام السابق، أو نتيجة لتحركات ذات طبيعة عنصرية". وأضاف "المجلس العسكري لا يريد تحمّل مغبة ردات الفعل العنيفة، حال أصاب عرمان مكروه في الخرطوم".