العراق: الضجيج الانتخابي يبدأ باكراً في كركوك

العراق: الضجيج الانتخابي يبدأ باكراً في كركوك

08 يونيو 2019
يطالب الأكراد بخروج الجيش والشرطة من كركوك(علي مكرّم غريب/الأناضول)
+ الخط -

أثار الدخول المبكر لمحافظة كركوك معركة الانتخابات المحلية المقررة في نهاية العام الحالي، دون باقي محافظات البلاد، قلقاً بالغاً لدى المسؤولين في بغداد، فالمحافظة الغنية بالنفط والواقعة على بعد 250 كيلومتراً شمالي بغداد والمتنازع على إدارتها بين الأخيرة وأربيل، تشهد تصعيداً في الخطاب القومي بين العرب والتركمان والأكراد، وتغيب عنها الطائفية كما في محافظات أخرى قبل كل انتخابات. وهذه الانتخابات هي الثانية من نوعها في المحافظة منذ عام 2005، إذ لم تفلح الجهود السياسية والمحاولات في حل أزمة الصراع عليها، وجرى استثناؤها أكثر من مرة في انتخابات محلية تجري في المحافظات الأخرى. ومع أن مفوضية الانتخابات العراقية أعلنت عن الانتهاء من كافة الاستعدادات للأزمة لإجراء تلك الانتخابات، إلا أنها لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى موعد بدء الحملات الانتخابية وضوابطها، أو حتى بدء تسجيل الكيانات السياسية والمرشحين الراغبين في خوض الانتخابات. لكن القوى السياسية القومية الثلاث في المدينة حشدت نفسها مبكراً للماراثون الانتخابي الذي سيقرر في نهاية المطاف شكل كركوك للسنوات الأربع المقبلة، وممهداً لحسم مصير إدارتها في وقت لاحق.

وأقر مسؤول بارز في بغداد، أخيراً، بما وصفه حساسية الوضع في كركوك، مؤكداً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة لن تسمح بأن تهدد الانتخابات أمن المدينة"، لافتاً إلى أن "الخطط الحالية تقضي بالإبقاء على عدد القوات الاتحادية كما هو عليه في كركوك، وقد يتخذ قرار بزيادتها تحسباً لأي إخلال بالأمن. كما سيتم التوجيه باعتقال دعاة الخطاب القومي العنصري والهجومي، والمفوضية وعدت بإجراءات تصل إلى إبعاد الحزب المتورط في تجييش العواطف القومية بشكل سلبي لصالحه".

ورجح المسؤول أن "يتم استبدال مفوضية انتخابات كركوك بسبب مشاكل أثيرت في أوقات سابقة حول نزاهتها، وكون أغلب أعضائها من الأكراد، وسيتم إشراك الأمم المتحدة ومنظمات دولية رقابية في عملية الإشراف على الانتخابات داخل المحافظة". وحول صلاحية الحكومة أو البرلمان في المضي بدعم تلك الإجراءات قال إنها "وقائية لمنع حدوث مشاكل قومية داخل المدينة، وفي النهاية لن تكون إلا من خلال التوافق بين القوى السياسية في العراق".

والأكراد هم أكثر مكونات كركوك في إجراء تحديثات لسجلات الناخبين في المحافظة، في إطار استعدادهم للانتخابات. وفي السياق، قال عضو مجلس محافظة كركوك عن المجموعة العربية، معن الحمداني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانتخابات المقبلة تعدّ حدّاً فاصلاً ومهماً لمكونات كركوك، كونها أول انتخابات تجري منذ عام 2005". وأكد أنّ "معطيات تحديث سجلات الناخبين تشير إلى أنّ الأكراد هم الأعلى في تحديث سجلات الناخبين، ووصلت نسبتهم إلى نحو 90 في المائة، فيما وصل تحديث سجلات التركمان إلى 80 في المائة، ولم يتجاوز تحديث سجلات العرب الـ40 في المائة". وأشار إلى أنّ "هذه المعطيات تعني أنّ المجلس الجديد الذي سيتألف من 12 مقعداً زائد مقعد كوتا للأقليات، سيحصد الأكراد ستة مقاعد فيه، والتركمان سيكون لهم ثلاثة، والعرب بين مقعدين وثلاثة مقاعد".

ويبلغ عدد أعضاء مجلس كركوك الحالي 41 عضواً، إلا أن التعديل الذي أجراه البرلمان على قانون مجالس المحافظات، أقرّ بتقليص عدد أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات وفقاً لنسبة مئوية محددة بحسب سكان كل محافظة. وبذلك يكون عدد أعضاء مجلس كركوك 12 عضواً فقط، ما سيعطي حرارة أكثر للتنافس الحالي بين القوى القومية الثلاث، تحديداً مع عودة الحديث عن عمليات التغيير الديمغرافي التي تورطت فيها أطراف كردية بحق العرب والتركمان، خلال سيطرتهم على المحافظة.


من جهتها، اعتبرت عضوة مجلس محافظة كركوك عن المكون الكردي، جوان حسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إجراء الانتخابات المحلية خطوة مهمة لتشكيل مجلس جديد، وأنّ الانتخابات ستعطي كركوك حقها في ممارسة سلطاتها ضمن القانون 21، الذي منح جميع المحافظات حق ممارسة صلاحياتها". وذكرت أنّ "مجلس كركوك، ومنذ 14 عاماً، كان يعمل وفق قانون الحاكم المدني بول بريمر، وأنّ التصويت على قرار إجراء الانتخابات خطوة مهمة لانتخابات مجلس جديد وضخ دماء جديدة، للعمل على كل ما هو جديد في المجلس الجديد". وأشارت إلى أنّ "كركوك بحاجة إلى تقديم الخدمات ومراعاة مصالح مواطنيها، وهذه الانتخابات مهمة للجميع، ونعمل على تكريس تحقيق طموح مكونات كركوك".

ولفتت إلى أنّ "اتهام الأكراد بإجراء تغييرات ديمغرافية في كركوك بجلب العائلات ونقلها غير صحيح، لأنّ الذين عادوا إلى كركوك وأطرافها هم سكان المحافظة الذين تم ترحيلهم من قبل حكومة حزب البعث". ومع الاستعدادات لإجراء الانتخابات، إلّا أنّ الأجواء العامة في المحافظة متوترة، ولا حوار بين مكوناتها لاحتواء أزماتهم. وقال عضو البرلمان العراقي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، دانه جزع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سحب الجيش العراقي والشرطة الاتحادية من محافظة كركوك هو شرطنا للبدء بإجراء حوارات سياسية مع الحكومة الاتحادية والأحزاب السياسية في بغداد لإنهاء الخلافات بشأن المدينة".

وشدد على أنّ "ما تطرحه حكومة إقليم كردستان وما نراه ضرورياً في حل مشكلة كركوك، يكمن في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق". وأضاف أنّه "يجب أن يتم تسليم الملف الأمني لمحافظة كركوك وللشرطة المحلية التي يقع عليها واجب وتأمين حماية المدينة". من جهته، اعتبر السياسي التركماني حسين البياتي، أنّ "اعتراض التركمان يأتي على الزيادة العددية في أعداد الناخبين منذ عام 2005، بزيادة أكثر من 100 ألف ناخب، وهم ليسوا من أهالي كركوك". وشدّد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أنّ "هذه الزيادة هي نتيجة تغيير ديمغرافي، الغرض منها فرض سيطرة الأكراد على مقدرات كركوك. وهذا ما كان يحدث منذ 14 عاماً، مع سيطرة الأكراد على جميع مقدرات كركوك ومارسوا التهميش ضد التركمان والعرب بغالبية المناصب. وحصدوا من خلال ذلك التغيير الديمغرافي 26 مقعدا في مجلس كركوك، ويمارسون ما يريدون منه التصويت على القرارات التي يريدون تمريرها في مجلس كركوك".

وأكد مراقبون، أنّ "مستقبل كركوك يبقى غامضاً مع الاستعداد لتلك الانتخابات". وقال الخبير السياسي حاتم العلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "زج كركوك نحو الانتخابات مع عدم حل أزماتها سيعقّد الأمور فيها"، مشدّداً على أنّ "أي نتائج للانتخابات لصالح أي جهة تكون لن تقبل بها الجهة الأخرى". ولفت إلى أن "المحافظة تنتظر مستقبلاً غامضاً، ويجب على الحكومة حل أزماتها السياسية قبل دفعها نحو انتخابات قد تؤزم الصراع عليها".

المساهمون