جنجاويد العسكريتارية العربية

جنجاويد العسكريتارية العربية

07 يونيو 2019
صار الجنجاويد "الأحرص على مصالح الشعوب" (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

رغم اعتقاد البعض، واهمين، أن دموية جنجاويد السودان ورفاقهم في الاستبداد لكسر إرادة الشعب بالحرية، ستُنسى، إلا أنها تضاف إلى غيرها، في انكشاف المدى الذي تذهب إليه العسكريتارية العربية لتثبيت الاستبداد، وبدموية، غير آبهة بتراكمات الانفجارات المستقبلية، في سياق الطبيعة البشرية لمواجهة كل هذا الاحتقار الفردي والجماعي للشعوب. والمثير أيضاً أن تلك التراكمات، بممارسات تتخذ طابعاً فاشياً، تجري بعلم ومباركة بعض رافعي لواء حقوق الإنسان في أوروبا، فيما بوصلة المصالح والانتهازية والنفاق تدفع إلينا بنظرية "المستبد المستنير"، كـ"استحقاق عربي" تقرره نيابةً عنا.

في تاريخنا القريب، وبمسعى تحويل الأوطان إلى هوامش في دول العسكريتارية، وبحوافز من بعض مَحافِظ المال الخليجي، وبدفع من وهم وقف مد الحرية والكرامة، نرى الكثير من ممارسات زملاء الجنجاويد، التي أدت إلى الانفجار الشعبي في 2010 و2011. فإذا كان الانقلابيون الدمويون في القاهرة سبقوا رفاقهم في الخرطوم، لتبرير تنصيب "فرعون" بديل، بحجة "خطر الإخوان المسلمين"، فإن الأمر ذاته ذهب إليه قبلهم في دمشق حافظ الأسد، مع أخيه رفعت، في مذبحة حماة في 1982. كما لم يخذل حاكم دمشق، بشار الأسد، ومنذ 2011، قاموس الاستبداد العربي. اليوم نشهد مستوى السخافة في تبرير دموية القمع في الخرطوم، باعتبار المطالبين بالحرية هم "الشيوعيون"، لذا اقتضى ذبحهم، في مسار انتحال ديني مستشرٍ في بعض العواصم. وكغيرهم في معسكر الاستبداد، صار جنجاويد مذابح دارفور، وباسم الله، "الأحرص على مصالح الشعوب"، بالتفكير عنها والاختيار لها. فعند هؤلاء، وداعميهم، يبدو العرب إما "غير ناضجين" أو أن "ثقافتنا تعشق ولي الأمر، حامل السياط".

ما هو مخزٍ، في سجل طويل من احتقار الناس، أن يعتقد "أمنيو" الاستبداد أن منع الصورة سيكتم الحرية، ويحيل القمع إلى متلازمة تمجيد القاتل وتذويب الحقيقة. فذات يوم تمنّت عصابات "شتيرن" و"إرغون" الصهيونية، في نكبة فلسطين، أن تختفي الصورة إلى الأبد. وهو ما تمناه من سبق جزار صبرا وشاتيلا في بيروت، أرئيل شارون، في مذبحة حماة، بإحالة آثارها إلى جمالية عمرانية لطمسها، مثلما يحاولون اليوم بمشروع "الازدهار الاقتصادي" إخفاء معالم الجريمة الكبرى في فلسطين. لكن السؤال الذي سيبقى ماثلاً: هل استسلم الناس؟ الجواب ما يقوله الواقع، صوتاً وصورة، رغم أنف الاستبداد. فإرادة وفطرة الحرية في منطقتنا لا يمكن وقف حركة أمواجها، ولو صرفت لأجل ذلك كل أموال حكام العرب.

المساهمون